لأكثر من 20 سنة، ظل الشيخ محمد جبريل محافظا على طقوس عادية في ليلة 27 رمضان التي يعتقد على نطاق واسع أنها تصادف ليلة القدر ذات المكانة الخاصة في الدين الإسلامي، لكن مساء أمس الأحد، حيث احتشد وراء جبريل عدد أقل من المعتاد كل عام، في "مسجد عمرو بن العاص". فإنه خرج على كثير، مما استقر عليه رواد الليلة، بما يشكل "انقلابا" ناعما على طقوس حرص عليها طوال سنين. وفي مشهد غريب على المصلين في جامع عمرو، وبمجرد أن انتهت الصلاة قام بعض الشباب بإطلاق عشرات من الألعاب النارية أمام سوق الفسطاط، في جو غير مألوف في المنطقة خاصة خلال تراويح رمضان، حيث أصبحت المنطقة تشبه احتفالات ميدان التحرير، ما فسره البعض بأنه تعبير عن الغضب مما يبدو أنه توجه سياسي للقارئ الأشهر في العالم الإسلامي. لم يقرأ جبريل في صلاة القيام من أجزاء القرآن التي تقع بين الجزءين 25 و27 وفقا لما هو متبع من قراءة جزء كل ليلة، لكنه قرأ الجزء الأخير في القرآن، كما أتاح لأئمة وخطباء الحديث في مكبرات الصوت خلال فترات الراحة بين الركعات، ملمحين لمواقف سياسية، تصريحا أو تلميحا، فقد دعا أحدهم للحوار والمصالحة، بينما قال آخر بوضوح "كونوا مع الإسلام". ركز جبريل لسنوات على الإشارات والمعاني الدينية الجامعة بين المسلمين، في ليلة القدر، وكانت فلسطين والقدس والمسجد الأقصى مفردات حاضرة دائما في دعائه، لكنها غابت لأول مرة بعد أن كانت القضية الفلسطينية عنصرا أساسيا في دعاء جبريل، الذي فاز بلقب القارئ الأول في العالم الإسلامي في مسابقة أقيمت بمكة المكرمة منذ أكثر من 20 عاما. ولم يرد ذكر سوريا، التي دعا لها بقوة في العامين الأخيرين، حتى إن جبريل ردد في العام الماضي أكثر من مرة "اللهم عليك بالطاغية بشار"، لكنه لم يذكره في دعاء أمس، إلا أنه قبل انتهاء الدعاء بدقائق، استدرك "اللهم ارحم ضعف إخواننا في الشام وفي بورما". الدكتور محمد مرسي رئيس الجمهورية المعزول، والمحتجز في مكان غير معلوم، لم يرد ذكره تصريحا أو تلميحا، بالرغم من أن جبريل دعا له بالتوفيق والسداد، وأن يهيئ الله له البطانة الصالحة، في العام الماضي. ولم يذكر جبريل شهداء الجيش المصري خلال العمليات الأخيرة في سيناء، بينما دعا لهم في ليلة القدر العام الماضي بعد أيام من الهجوم على نقطة حدودية عسكرية في رفح والتي سقط فيها نحو 16 شهيدا. اعتاد المصلون في جامع عمرو افتراش الأرض في المسافة بين محطتي مترو الملك الصالح ومار جرجس لأكثر من كيلو متر، وكان من المعتاد أن يكون الزحام شديدا كل عام، غير أن الحضور أمس كان أقل من المعتاد، حيث استطاعت عشرات السيارات الدخول للشارع المقابل لبوابة المسجد، وهو ما لم يكن مسموحا به لمسافة كبيرة، في محيط المنطقة، خلال الأعوام الأخيرة. كما خلت إحدى حارات الطريق أمام المسجد من المصلين بعد أن كانت تتكدس بالآلاف، كما لوحظ انخفاض أعداد السيدات والفتيات عن كل عام. ويقع جامع عمرو في منطقة تتسم بالتنوع في دور العبادة التابعة للديانات السماوية الثلاث، حيث تضم كنيسة أبي سيفين والروم الأرثوذكس، إضافة إلى الكنيسة المعلقة التي أنشأت على حصن بابليون الأثري، ومعبد بن عزرا للطائفة اليهودية. في الركعة الأولى من صلاة التراويح قرأ الشيخ جبريل سورة "النبأ"، وفي الركعة الثانية توقف عند الآية 40 حيث كرر ثلاث مرات آية "يوم ينظر المرء ما قدمت يداه"، وقد كانت أول عبارة يعلو فيها صوته عن النبرة المعتادة. وفي الركعة الثالثة قرأ سورة النازعات ووصل للآية رقم 34 ، وبدا صوته متأثرا، وهو يقرأ "فإذا جاءت الطامة الكبرى"، حيث أطال جبريل المد في كلمة الطامة التي تضم حركة مد واحدة-وفقا للرسم العثماني بالمصحف الشريف- بينما قرأها بمضاعفة المد وهو ما لاقى تجاوبا من المصلين، حيث تلخص الكلمة الأزمة التي تعيشها مصر حاليا بعد 30 يونيو فقد ورد في معجم لسان العرب أن الطامة هي الداهية تغلب ما سواها. بعد 4 ركعات وخلال استراحة استمرت نحو ثلث الساعة، تحدث عدد من الخطباء والأئمة، وقام أحدهم-ولم يتضح اسمه- بتقديم التعازي لأحد عمال المسجد الذي فقد ابنه في أحداث المنصة، قائلا نعزي زميلنا.... الذي قتل ابنه في المنصة" وكررها ثلاث مرات، دون أن يستخدم لفظ "استشهد".