"مصر مقبرة الغزاة" .. حقيقة لا يمكن أن ينكرها أي قارئ للتاريخ، فاعتزاز المصرى بأرضه وتمسكه بها، مهما كانت الصعوبات، يؤكد أن كل مصرى فخور بانتمائه لهذا الوطن. فلم نكن نتوقع عندما نزلنا إلى الشارع لندخل فى حوار مفتوح عن ذكرى أكتوبر مع الشباب من الجنسين، الذين نتهمهم دائما بالسطحية وعدم القراءة، أن هذا الجيل لديه معلومات كثيرة عن هذه الحرب المجيدة. هموم كثيرة تبدأ بمشاكل التعليم والأسعار وتنتهى بالمواصلات والزحام .. ألقاها كل مصرى وراءه ليتفرغ مستمتعا بأيام خالدة على مدار التاريخ سطرها أجداده بدمائهم فى صحراء سيناء. وخاطئ من يظن أن الكلام عن حرب السادس من أكتوبر أصبح مادة مستهلكة، لأن تلك الحرب كانت ولازالت حافلة بالعديد من الخفايا والأسرار التى يجهلها كافة شعوب العالم، وحتى الشعب الإسرائيلى ذاته. وهذه الأسرار التى كلما تم الكشف عن جزء منها تؤكد قوة وعظمة المصريين. فى البداية قال كريم جمال، طالب بمعهد فنى تجارى بشبرا، إنه على الرغم من كثرة الإجازات السنوية فى مصر، إلا أن الاحتفال بنصر أكتوبر له مذاق مختلف ومميز عن باقى الإجازات، خصوصا أنه يجد مواد إعلامية مكثفة على شاشات التلفزيون والفضائيات للاستمتاع بأفضل الأفلام التى تروى قصص بطولية عن هذه الحرب. يبدو أن الرئيسين أنور السادات وحسنى مبارك هما الأكثر حظا من بين أبطال حرب 1973 قربا لقلوب الشباب المصرى، هذا ما أكده أحمد إبراهيم طالب بمعهد الصحافة، حيث ذكر أن جامعات العالم أجمع تدرس تاريخ هذه الملحمة، بالإضافة إلى أن عبور خط بارليف والجسور، التى تم بناؤها على ضفتي قناة السويس أبرز الدروس العسكرية، التى يدرسها أيضا العسكريون بجيوش العالم، بما فيها الجيشين الأمريكي والروسي. بينما طالب محمود توفيق، بكالوريوس حاسب آلى بالمعهد العالى للتكنولوجيا بالمقطم، الحكومة بإنتاج مزيد من الأفلام السينمائية والوثائقية باستخدام التكنولوجيا الحديثة ورصد مبالغ ضخمة لضمان قوتها، معربا عن أمله فى رؤية أول فيلم مصرى ينتج بخاصية ثلاثية الأبعاد، يكون عن حرب أكتوبر أو أن يقوم شخص بتمثيل فيلم "الضربة الجوية"، بدلا من الفنان الراحل أحمد زكى. أسامة عبدالحليم، بالفرقة الرابعة بتجارة الأزهر، لفت إلى أنه لا يزال يتذكر جيدا الدروس التى تلقاها خلال المراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية عن حرب أكتوبر، مشيراً إلى أن أبرز المواقف التى أبكته مشاهد قصف مدرسة بحر البقر. عمر جمال، عامل بأحد محلات الملابس بالعامرية، فاجئنا قائلا "عبرنا وانتصرنا والحمدلله رب العالمين"، مشيدا بالمعلومات التى حصل عليها عن حرب أكتوبر من قاداته خلال قضاء فترة التجنيد بالجيش المصرى، معربا عن أمله لكل الشعوب العربية فى أن تستعيد أراضيها فى ذكرى انتصار أكتوبر. وترى رنا عزت، طب بيطرى المنوفية، أن أفضل ما قدمته الحكومة إطلاق أسماء شهداء أكتوبر العظماء على الميادين والشوارع، مثل ميدان عبدالمنعم رياض ونفق الشهيد أحمد حمدى وكوبرى أكتوبر ومحافظة السادس من أكتوبر بأكملها وكذلك مدينة العاشر من رمضان، فضلا عن محطتى مترو حسنى مبارك وأنور السادات. وذكرت رنا ممدوح طالبة بكلية الآثار جامعة القاهرة أن احتفالاتها بهذا اليوم لا تتوقف على شهر أكتوبر من كل عام أو فى يوم العاشر من رمضان، بل تمتد لمعظم أيام السنة، خصوصا أن هذه الذكرى تتجدد مع الاستماع لأغانى عبدالحليم حافظ وشادية، بالإضافة إلى استمتاعها بالعروض العسكرية، التى تقدم فى الاحتفالات السنوية لحرب أكتوبر. وفى رؤيته عن ذكرى هذا اليوم لدى الشباب حث الدكتور صفوت العالم، الأستاذ بقسم الإذاعة والتلفزيون بكلية الإعلام جامعة القاهرة وزارتى الإعلام والثقافة بزيادة الجرعة الإعلامية الخاصة بحرب أكتوبر، لرفع درجات الوعى لدى الأجيال الحالية عن حرب أكتوبر باعتبارها قضية كبيرة وشديدة الأهمية وتعد أمنا قوميا لمصر. ولاحظ، د.صفوت أن انتصار السادس من أكتوبر يجب أن يحصل على حقه بشكل أوسع وأكبر فى المشاهد التلفزيونية والسينمائية، مع ضرورة الاهتمام بدور المسارح فى تجسيد مئات البطولات الخاصة بها بداية من مسرح العرائس ومسرح الطفل والمسارح القومية. وطالب بالاستفادة من إمكانيات مدينة الإنتاج الإعلامى بشكل أفضل فى إنتاج مسلسلات درامية عن هذه الحرب، تبتعد فى حلقاتها عن أساليب السطحية والتسلية المسيطرة على الساحة التلفزيونية. وذكر أن هناك بعض المؤلفات الأدبية والدرامية عن هذا اليوم العظيم، الذي لا تزال حبيسة الأدراج وأبرزها للكاتب الراحل أسامة أنور عكاشة، الذى نجح فى تأليف عمل ضخم يتناول هذه الحرب، لكنه لم ير النور حتى الآن، ويمكن أن يعطى دفعه قوية لمزيد من الاعمال عن هذه الحرب، مع إمكانية إنتاج أفلام وثائقية مدعومة بعشرات الوثائق، التى تم الافراج عنها.