بعد فترة قصيرة من الترقب والانتظار، أعلن المستشار طارق البشري عن رزمة من التعديلات الدستورية، في محاولة لتصويب مسار بعض المواد التي تسمح بناء بيئة سياسية صحية، تتيح الفرصة للجميع للمنافسة في أي انتخابات رئاسية أو برلمانية. وبعض لحظات من الإعلان عن التعديلات التي من المتوقع أن يقرها المشير حسين طنطاوي رئيس المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ظهر أن ردود الأفعال متباينة، وتتراوح بين الموافقة على المواد المعدلة بصيغتها الجديدة، والتحفظ على بعض التعديلات، خاصة المادتين 76 و77. وفي الحالتين بدت النتيجة النهائية مقبولة في هذه المرحلة على الأقل. وفي التقرير التالي نقترب من رؤى عدد من الخبراء والمثقفين حول هذه التعديلات. رجائي عطية المحامى الكبير وعضو مجلس الشورى سابقا كانت نقطة اعتراضه الأساسية تدور حول قصر مدة فترة الرئاسة بالنسبة للنظام وأسلوب العمل، وتعود الشعب عليه وكان لابد أن تطول الفترة لسنوات أكثر من ذلك.. فمدة السنوات الأربع تبدو غير كافية لأى رئيس جديد يريد عمل غصلاحات حقيقية فى البلاد. أوضح عطية أن المادة 76 والتي تنص علي ضرورة ألا يقل التأييد للمرشح عن ألف مواطن من كل محافظة، مسألة مرهقة جدا لصعوبة الوصول إليها. ونظرا للكثافة السكانية التي تتجاوز 85 مليون نسمة، اقترح أن تصبح المحافظات بمثابة ولايات مثل الولاياتالمتحدةالأمريكية، بحيث يصبح كل محافظ رئيس دولة مصغرة في محافظته، على أن يندرج كل المحافظين تحت رئاسة رئيس الدولة . وبالنسبة للمادة 88 والتي تنص على إشراف رئيس المحكمة الدستورية علي الانتخابات طالب رجائى عطية ضرورة إشراك المواطنين في الإشراف علي الانتخابات لضمان نزاهتها ونجاحها حتي لا يكون لدى المواطنين أي شك. من جانبها وافقت د. فوزية عبد الستار أستاذ القانون الدستوري على التعديلات في كل من المادة 77 الخاصة بتحديد فترة رئاسة الجمهورية والمادة 75 المتعلقة بالشروط الواجب توافرها في رئيس الجمهورية، لكنها كانت تتمنى أن تكون جذوره مصرية حتى يكون هناك المزيد من ضمانات الانتماء. لكن الدكتورة فوزية أيدت تماما المادة 88 الخاصة بالإشراف القضائى على الانتخابات. كما أيدت أيضا المادة 93 والخاصة بتحويل الطعون إلى المحكمة الدستورية العليا. وقالت إنها تقيد سلطات المجلس فى أن يكون سيد قراره وأكدت أنها طالما نادت ذلك من قبل. أما المادة 179 والخاصة بقانون الإرهاب فشكرت الدكتورة فوزية حصافة اللجنة الدستورية لتوصيتها بإلغاء هذه المادة . اعترفت الدكتورة فوزية عبد الستار التى تولت منصب رئيس اللجنة التشريعية بمجلس الشعب وعضو الأمانة الأمانة العامة للحزب الوطنى خلال السنوات الماضية، أن الحزب أجرى على المادة 76 تعديلات عام 2007، من أجل أن يحصر عملية الانتخابات فى مرشح الحزب الوطنى. لذلك كان لابد من عدم وجود قيود للترشح والفيصل فى البرنامج الانتخابى والإصلاحى لكل مرشح هو صندوق الإنتخابات ، خاصة أن هناك الكثير من الدساتير التى أطلقت حرية الانتخابات لأى مرشح . أوضحت الدكتورة فوزية أنها تفضل بالنسبة للمادة 139 أن يكون اختيار نائب رئيس الجمهورية وفق الانتخابات كما هو الحال مع رئيس الجمهورية، حتى لا تصبح يد رئيس الجمهورية مطلقة فى اختيار نائبه، لأنها يجب أن تكون وفقا للإرادة الشعبية ووفقا للنموذج الأمريكى الذى يختار الرئيس ونائبه فى ورقة ترشيح واحدة. ختمت أستاذ القانون الدستورى كلامها مع بوابة الأهرام بتشديدها على ضرورة تشكيل لجنة دستورية من كافة أساتذة القانون الدستورى ورؤساء الهيئات القضائية لوضع دستور جديد حتى لا نفتح الباب لتأجيل تأسيسه مرة أخرى، حسب أهواء مجلسى الشعب والشورى أو حتى رئيس الجمهورية . من جانبه قال المستشار محمد حامد الجمل نائب رئيس مجلس الدولة الأسبق إن تشكيل اللجنة التي قامت بإعداد تعديل 6 مواد في الدستور محل نظر، لأن الأساس في الشرعية القائمة هي الشرعية الثورية والسيادة للشعب الذى هو مصدر السلطات. وأشار الجمل إلي أن هذه اللجنة لا تمثل الشعب من قريب أو بعيد . في الوقت ذاته أكد المستشار الجمل أنه بالرغم من أن المجلس الأعلي للقوات المسلحة يمارس السيادة ، لكنه في حقيقة الأمر لا يعتبر عوضا عن الشعب، مشيرا إلي أنه هو مصدر السلطات في تعديل الدستور. وبناء علي اللجنة المشكلة كان لابد أن يتم تبنى مطالب الشعب. وكانت هذه المطالب هى إعداد دستور جديد للبلاد وتشكيل جمعية تأسيسية تقوم بالإنتخاب، لكي تتمثل من مختلف طوائف الشعب المصري، مؤكدا علي أن المادة 71من الدستور صدرت من أجل تعطيل العمل بالدستور فكيف يتم تعديل 6 مواد من دستور معطل !. فى اعتقاد المستشار حامد الجمل أن هناك صعوبة شديدة في تنفيذ المادة 76 ، حيث أنه ليس من السهل الحصول علي أصوات ألف مواطن من 15 محافظة، مشيرا الي أن الأحزاب القائمة قاعدتها الجماهيرية ليست علي نطاق واسع وتحتاج لمزيد من الوقت لتنشيط دورها في المحافظات . بالنسبة للمادة 88 أكد الجمل علي أنها لا تحقق مطالب ثوار 25 يناير، فقد كان من الضرورى أن تخضع العملية الانتخابية لرقابة قضائية بواسطة قضاة من المحاكم وأيضا يجوز أن تتم الانتخابات على مدار عدة أيام بما يكفي لتحقيق الرقابة عليها بجدية ويضمن الشفافية . اعترض المستشار الجمل علي نص المادة 139، حيث أنها تحتاج لمزيد من الضبط فى صياغتها، لأنه ليس من الضروري تعيين نائب واحد. ومن الممكن أن يعين أكثر من نائب لرئيس الجمهورية علي أن يحدد في القرار الاختصاصات التي تخول لكل منهما اختصاصاته. لكن المستشار الجمل أيد المادة 77 وأشار إلي أن فترة الرئاسة (4 سنوات) كافية جدا وتعبر عن مطالب الثوار موضحا أنه كان من الضروري أن تستكمل المادة 75 وأن يتمتع رئيس الجمهورية بصحة جيدة ويكون سليم العقل والنفس. الروائي جمال الغيطاني أبدى ارتياحه لتلك التعديلات وقال إنه :"في منتهى السعادة.. هذه التعديلات أثارت ارتياحي جدًا، لأنها تجسد ما كنت أنادي به منذ وقت طويل، من تحديد لمدة الرئاسة، وتحديد جنسيته هو وزوجته". أضاف الغيطانى قائلا: أعتقد أن تحديد سلطات الرئيس ستتم من خلال تعديل الدستور ككل.. على أية حال من تجاربي المعاصرة أرى أن الرئيس "بيبتدي يتفرعن" بعد سنتين من مدة توليه وإن كنت أرجح ألا يتم انتخاب الرئيس أكثر من مدة واحدة، لكن أن تتم تحديدها لمدة دورتين فهذا إنجاز. اقترح الغيطاني أن يتضمن الدستور بندًا يضمن حماية القوات المسلحة له من التحريف أو التلاعب ببنوده، مؤكدا الأهم من تلك التعديلات، هو من يحميها، أخشى أن يتم تعديل هذا البند الخاص بمدة رئاسة الرئيس مرة أخرى، لذا أقترح أن يتضمن الدستور شرطًا لقيام القوات المسلحة بحماية الدستور وهذا متحقق فعلًا وموجود في الدستور التركي. أبدى الروائي والمحامي أحمد صبري أبو الفتوح عدم ارتياحه لهذه التعديلات، وأشار إلى أنها لا تطال جوهر ما أسماه ب"العوار في مبنى الدستور"، وقال إن :"العوار في الدستور متعلق بالسلطات الرهيبة لرئيس الجمهورية وبخاصة إعلان حالة الطوارئ حتى ولو تم تحجيمها، إذ يمكنه إعلان حالة الطوارئ بعد مرور أيام على انتهاء المدة السابقة، ولا يوجد نص في الدستور يمنع ذلك، كان يجب على النص الخاص بقانون الطوارئ فرض عدم إمكانية إعلان حالة الطوارئ إذا لم يتقدم الرئيس بطلب مد الطوارئ، أو إذا رفض الشعب مدها". وأضاف : أيضا إصدار قرارات بقوانين، فلا تحجيم لحق الرئيس في إصدار قرارات لها قوة القانون، وهى مسألة شديدة الأهمية وتركت كما هي، وكذلك البند الخاص بمحاكمة رئيس الجمهورية، ترك كما هو دون معالجة، فكأن الرئيس لن يحاكم أبدا تحت أي ظرف من الظروف، وكذلك مسئولية رئيس الوزراء السياسية أمام البرلمان، ومن يكون من حقه تسمية رئيس الوزراء، لقد ترك الأمر للرئيس بحيث يكون الرئيس الفعلي للوزارة هو رئيس الجمهورية نفسه والذي لا يمكن مساءلته سياسيا وقضائيًا". أشار أبوالفتوح إلى أنه سيكون هناك مشكلة كبرى وهى الحق في تشكيل أحزاب جديدة، فكان يجب أن يضاف إلى مادة ممارسة الحياة السياسية عن طريق الأحزاب الحق في تأسيس الأحزاب بمجرد الإخطار، على أن ينظم القانون باقي الشروط، بحيث يسمح بالأحزاب الجديدة التي يتم تشكيلها الآن، وكذلك الحق في تكوين جمعيات أهلية حرة ونقابات حرة غير حكومية، وهى كلها عيوب في الدستور تعطل العمل السياسي والأهلي والنقابي، وتنال من الحقوق والحريات المنشودة.