يعيد حديث عدد من القيادات الإيرانية مؤخرا عن أهمية تنشيط العلاقات بين مصر وإيران، والتعاون في مجال الطاقة النووية، ومكافحة الإرهاب، إلى جانب المجال الاقتصادي، على ضوء زيارة وفد الدبلوماسية الشعبية إلى طهران، الجدل مرة أخرى حول كيفية تعامل مصر مع إيران، خاصة بعد التحولات التي شهدتها السياسة الخارجية المصرية بعد ثورة 30 يونيو 2013. -"المسألة" الإيرانية: تظل العلاقات مع إيران من العلاقات الاشكالية الممتدة في السياسة المصرية، ولا يرتبط ذلك بعهد وزير الخارجية الحالي فقط، وإنما ورثه من عهود سابقة، حتى محاولات الرئيس مرسي تنشيط هذه العلاقات لم تكن سلسة. وذلك يرجع بصورة رئيسية لعدم وضوح المصلحة التي يخدمها تنشيط تلك العلاقات من وجهة النظر المصرية، بقدر وضوح التهديدات التي تطرحها إيران. ففي حلقة نقاش مغلقة استضافها المركز الإقليمي للدراسات الاستراتيجية بالقاهرة، أثناء عهد الرئيس المعزول محمد مرسي حول مستقبل العلاقات المصرية -الإيرانية، كان واضحا من الجانب الايراني ان تقارب إيران من مصر تحكمه اعتبارات اقتصادية بحتة، مرتبطة تحديدا بالسياحة، وبتوجيه الاستثمارات للسوق المصري، خاصة مع تزايد تأثير العقوبات الاقتصادية التي فرضها الغرب تلك الفترة على اقتصادها ، وكانت تلك الدوائر ترى أن السقف لهذا التقارب هو نموذج العلاقات مع دبي. ويعد هذا التوجه، امتداد لتوجه مسيطر على السياسة الخارجية الإيرانية بصفة عامة، وهو خاص بسيطرة مصالحها الخاصة على سياستها الخارجية، دون أن تهتم بأي مصالح للدول الأخرى، ويعد هذا سبب رئيسي في توتر علاقات إيران مع بعض دول الخليج، خاصة السعودية، وكذلك في الحالة المصرية، حيث يعد الملف الأمني ملف معيق لتنشيط العلاقات بين مصر وإيران طالما لم تتعاون فيه إيران، ويمتد هذا الملف ليشمل مكافحة الإرهاب، ومكافحة تهريب الأسلحة إلى غزة. وبعد التحالف "المرن" الذي تشكل بين مصر وكل من السعودية والإمارات والبحرين والكويت، بعد ثورة 30 يونيو 2013، أصبح هناك عائق آخر مرتبط بملف التشيع الذي يمثل قضية رئيسية لدول الخليج، وهي قضية اهتم بإثارتها وزير الخارجية المصري نبيل فهمي في لقائه مع الأكاديميين المصريين في 22 ديسمبر 2013، حيث تحدث عن أن هذه القضية تمثل تهديد لهوية دول الخليج، خاصة وأنه لم يعد بمقدور مصر، أن تتغافل عن مخاوف أو مصالح دول الخليج فيما يتعلق بإيران، وهذا ما تحدث عنه فهمي من أن "هناك مصالح للآخر لابد من مراعاتها". -تأثيرات اتفاق جنيف النووي: يعد تقارب إيران مع الولاياتالمتحدة، من خلال مجموعة 5+1، والذي كلل باتفاق جنيف النووي في 27 نوفمبر 2013، متغير رئيسي له تأثيره في السياسة الخارجية الإيرانية ليس اتجاه الخليج فقط، وإنما تجاه مصر وغيرها من الدول في المنطقة، حيث على ما يبدو، أصبح على إيران، التزام ضمني في مواجهة الولاياتالمتحدة وغيرها من الدول الغربية، بمعالجة التوجس الذي لدى دول الخليج، وغيرها من دول المنطقة،من هذا التقارب. وفي هذا الإطار، تحدث وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف عن حرصه على الدخول في حوار مع دول الخليج، ولكن لم تثمر هذه الدعوة للحوار أي نتائج حقيقية، ويبدو أن التوجه الإيراني يسير في اتجاه توظيف العامل المصري، بشكل ما لمعالجة توجس دول الخليج. حيث تحدثت القيادات الإيرانية عن مجالات التعاون بين مصر وإيران، وصرح مساعد وزير الخارجية الإيراني، حسين أمير عبد اللهيان،في 15 ديسمبر 2013 بأن "أعداء إيران ومصر يتضررون من تقارب البلدين ويعملون على تعكير الأجواء بينهما"، وتحدث عن استعداد إيران لتقديم المساعدة لمصر في برنامجها النووي، كما صرح نائب رئيس مجلس الشورى الإسلامي الإيراني، محمد حسن أبوترابي، بأن إيران "تدين أعمال العنف، التي تشهدها مصر حاليًا، كما تدين العمليات الإرهابية التي تشنها الجماعات المسلحة فى سيناء"، وأن الحكومة الإيرانية على استعداد لمساعدة مصر في مواجهة الإرهاب. ومثل هذه التصريحات، تعبر ضمنيا عن قبول إيران معالجة القضايا الأمنية، التي لطالما مثلت عائق في تنشيط العلاقات بين مصر وإيران، ولكن تظل القضايا العالقة بين إيران ودول الخليج، لها تأثيرها على توجهات مصر الخارجية تجاه إيران، حتى أنها قد تشكل قيد حقيقي على تلك التوجهات، طالما لم تتضمن معالجة قضايا الخليج،التي هي ذات طابع داخلي، حتى وإن تضمن معالجة الخلاف بين دول الخليج وإيران في قضايا إقليمية مثل الصراع في سوريا، والوضع في اليمن ولبنان والعراق. ورغم ذلك، تمثل التحولات التالية، على التقارب بين إيرانوالولاياتالمتحدة، ضغوطا على مصر، لاتخاذ موقف محدد من إيران، التي ستزداد أهميتها في تحديد مستقبل المنطقة، ليس وفق صيغة الدولة المثيرة للمشاكل كما كانت في الفترة السابقة، وإنما وفق صيغة الدولة "الصديقة" للغرب، وهذا الموقف سيحدد بصورة كبيرة حجم الدور الذي يمكن أن تلعبه مصر في المنطقة خلال الفترة المقبلة.