رأت المستشارة تهاني الجبالي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا السابقة في الدستور الجديد خطوة بالغة الأهمية على طريق تطور البلاد وأوضحت الجبالي، التي كانت من بين أبرز المعارضين لدستور 2012، أسباب ترحيبها بالوثيقة الدستورية الجديدة، قائلة لصحيفة "الشرق الأوسط" اللندنية اليوم الثلاثاء إن "دستور 2012، الذي قامت ضده ثورة 30 يونيو كان يحمل عدة مخاطر أساسية، أهمها أنه وضع جذورا للدولة الدينية من خلال نصه على مرجعية هيئة كبار العلماء، وكذلك النص لأول مرة على سنية مصر، وتضييق المرجعية الفقهية للبلاد لأول مرة في تاريخها". وتابعت الجبالي: الدستور المعطل مزج على سبيل المثال بين الأمة العربية وهي أمة سياسية، والأمة الإسلامية وهي أمة عقائدية.. وهو بذرة لإقامة الدولة الدينية، لكن المشروع الحالي تخلص من هذا وأبقى فقط على هوية مصر ممثلة في المادة الثانية (التي تنص على أن الإسلام دين الدولة وأن مبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسي للتشريع) بمضمونها الحضاري الذي طبق خلال 28 عاما هي عمر دستور 1971 الذي وضعت فيه لأول مرة المادة الثانية. وأضافت أن الدستور الجديد أغلق الباب أمام أي ادعاء بأنه يغفل الدين والشريعة، لكنه وضعه في إطاره الحضاري لدولة حديثة، المرجعية فيها للسلطات وليست لرجال الدين، وأحكم الأمر بالنص على أن مفهوم مبادئ الشريعة المرجعية فيه لأحكام المحكمة الدستورية العليا. وأوضحت أنه في 1971 كان نص المادة الثانية بتوافق الأمة دون مضمون تفسيري، أما في دستور 2013 أصبح هناك في ديباجة الدستور مرجعيتها أحكام المحكمة الدستورية التي حصنت البلاد من الدخول في دوامة الدولة الدينية وولاية الفقيه، بحسب قولها. وتشير الجبالي إلى بعد آخر، قائلة إن دستور 71 كان يركز السلطة في يد رئيس الجمهورية، بينما أضاف دستور 2012 إلى هذا التركيز إمكانية تجاوز الرئيس حدود السيادة والسماح له بالتنازل عن جزء من أراضي الدولة، وهو ما عدته أمرا خطيرا. وتابعت: في دستور 2013 أزيل هذا الأمر من اختصاص الرئيس، بالإضافة إلى أنه أحدث توازنا بين سلطات رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء، وهو أمر يضع الدولة على مشارف التطور الذي يسعى إليه المصريون، وينهي بواعث وإمكانية وجود الحكم الفردي. وترصد الجبالي تراجعا في مشروع الدستور الجديد فيما يتعلق بالحقوق الاجتماعية، وتشير إلى إلغاء نسبة تمثيل العمال والفلاحين في البرلمان، وهي نسبة حافظ عليها دستور الإخوان لدورة برلمانية واحدة، وترى أن لجنة تعديل الدستور كان يجب أن تبقي على هذا التمييز الإيجابي. وتضيف: على أي حال، عدلت اللجنة من توجهها بشأن التمييز الإيجابي، وتركت الأمر للمشرع في ختام جلستها النهائية لكي يحسمه في ضوء ما يراه مناسبا خلال هذا المرحلة، ونوهت أيضا إلى استحداث التمييز الإيجابي لضمان تمثيل المرأة والأقباط والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة في البرلمان، مؤكدة أنها المرة الأولى التي يرد فيها ذكر لذوي الاحتياجات الخاصة في دساتير البلاد. وترى الجبالي أيضا أن دستور 71 كان منضبطا في إطار إقرار الحقوق والحريات العامة، لكنه كان يحيل تلك الحقوق والحريات إلى القانون، أما دستور 2012 فرحل هذه الحقوق إلى ما سمي المجلس الاقتصادي والاجتماعي، وهو مجلس لم يكن دوره واضحا في إطار مؤسسات الدولة، وظل مجرد تعبير غامض. وتعتقد الجبالي أن مشروع الدستور الحالي يحمد له وضعه ضمانات إلى جوار الحقوق الأساسية. تقول: استردت من دستور 2012 التفاصيل التي كان يمكن للمحكمة الدستورية أن تراقب من خلالها التمييز، إذ نص فقط على أن المواطنين متساوون أمام القانون وهو بذلك فرغ المادة من مضمونها. وتشير إلى أن دستور 2013 أعاد مرة أخرى التفاصيل التي يمكن من خلالها للمحكمة الدستورية العليا أن تراقب انتهاك تلك الحقوق، كالتمييز بسبب الجنس أو العقيدة أو الدين، لافتة إلى النص في المشروع الجديد على إنشاء مفوضية وطنية لمراقبة التمييز ومعاقبة من يرتكبه. ورحبت الجبالي كذلك بإصرار مشروع الدستور الجديد على إلزام البرلمان المقبل إصدار قانون ينظم بناء دور العبادة وحماية حق ممارسة الشعائر الدينية، وكذلك إلزامه وضع قانون للعدالة الانتقالية، بالإضافة إلى جوانب أخرى إيجابية؛ منها أنه نص لأول مرة على احترام التراث المصري الوجداني والتاريخي، والتنوع الثقافي. ورغم الانتقادات التي وجهت لمادة يرى فيها البعض تحصينا لمنصب وزير الدفاع بمنح المجلس الأعلى للقوات المسلحة الموافقة على تسميته لمدتين رئاسيتين، تقول الجبالي إن هذه المادة ضرورية لحماية الأمن القومي، واختبار لقدرة الرئيس على تحمل فكرة أن يحمل من خلال مجالس عليا.