بين السخرية من الواقع، ومحاولة التنبؤ بأحداث اجتماعية مقبلة.. بين الفانتازيا واستعادة ذكريات الماضي من الذاكرة السينمائية والترحم على الرجولة.. يأتيكم فيلم "هاتولى راجل" بتجربة مختلفة في أدق تفاصيلها وتوظيف أبطالها في أدوارهم، واكتشاف وجه جديد سيكون إطلالة مشرقة على السينما، ومخرج واعد أيضًا راعى تفاصيل دقيقة في العمل بداية من المشهد الأول للفيلم، والذى قد يلخص أحداث الفيلم بأكملها. يقدم "هاتولى راجل" واحدًا من تجارب أفلام الفانتازيا التى قلما نجدها في السينما المصرية في الوقت الحالى، تشعرك أحداثه بالبهجة، ويحفز خيالك لمحاولة التنبؤ بما يمكن أن يحدث به، ويجعلك أيضًا تتحسر على انحصار شكل العلاقة بين الرجل والمرأة في طور معين. تحمل كوميديا "هاتولى راجل" محاكاة لواقع الرجل والمرأة بشكل غير تقليدى، حين يتحول كل منهما لواقع ومجتمع الآخر، وصحيح أن فكرة تحول الذكور إلى إناث سبق وتم تقديمها كنوع من التهكم والسخرية والمطالبة بالمساواة، لكن الأمر اختزل في فكرة أن ترتدى السيدة ثوب الرجل وتحلق شعرها كما في فيلم "السادة الرجال" مثلاً الذى لعبت بطولته الفنانة معالى زايد ومحمود عبد العزيز. لكن فيلم "هاتولى راجل" يسخر هذه المرة من الفكرة بشكل مختلف وجرىء، ليوضح دون أن يجرى الرجل عملية تحويل، كيف وصل شكل العلاقة بين الرجل والمرأة بما فيها من انحصار تفكير المرأة في مشاركة الرجل حياته لمجرد إقامة علاقة زوجية لاستمرار النسل، وكيفية حدوث التحولات التى أصابت كثير من الرجال في الوقت الحالى بما فيها من ضعف شخصياتهم، واعتمادهم في الحصول على لقمة العيش على مهن هى أقرب للأعمال النسائية كالعمل في أعمال الدعارة، والعكس بالنسبة للسيدات كعملها في مجال الشرطة مثلاً. مخرج الفيلم محمد شاكر، في التجربة الأولى له يرسم الصورة دون أن يشعرك بأنه يقوم بتوصيل رسالة مباشرة، بداية من المشهد الأول في الفيلم الذى يرصد شكل الحارة الشعبية والتى تظهر يد رجل يقوم بنشر ملابس غسيل سيدة، وتلك السيدة التى تقوم بغزل القطن والتنجيد، والرجل الذى يقوم بشراء الخضراوات وانتقائها، إضافة إلى أبطال الفيلم من الرجال الذين ظهر ضعف شخصياتهم، وبدى ذلك جليًا في ملامح وجوههم التى كانت تحمل معالم أنوثة طفيفة لإظهار وهن الشخصيات. أحمد الفيشاوى، وشريف رمزى يقدمهما الفيلم بشكل جديد يجعلك وكأنك تراهما للمرة الأولى، فصحيح أن الفيشاوى سبق له تقديم تجربة كوميدية في مسلسل "تامر وشوقية" لكن دور "مجدى" الذى قدمه في "هاتولى راجل" مختلف وجديد بالمقارنة بأدواره السابقة، تلك الشخصية الذكورية المنعدمة والخالية تمامًا من المعنى، والذى يخشي طيلة الوقت اقتراب البنات منه معبرًا عن ذلك في ملامح تظر مدى خجله وارتباكه، ونظرات عينيه الحائرة. أما شريف رمزى هذه المرة فيعود للسينما بعيدًا عن أجواء الدراما التى سبقت له في أفلامه عجميسيتا، حالة حب، فيقدم نموذجًا للرجل الذى يبيع نفسه من أجل المال، بل إنه يعمل تحت يد الفنانة دينا، ولعل أبرز المشاهد التى قدمها شريف وأثارت نوبات ضحك بين الجمهور أثناء عرض الفيلم، مشهد رقصه على أغنية "استنى" والتى سبق وقدمتها دينا مع سعد الصغير في أحد أفلامهما معًا. وحتى في النقلة من الكوميدي إلى الدراما التى قدمها شريف رمزى في نهاية أحداث الفيلم، كان موفقًا في الجمع بين ملامح الفرح والحزن في وقت واحد. أما كريم فهمى أحد أبطال الفيلم، ومؤلفه أيضًا فدائمًا يبحث عن غير المتوقع، وحتى إن كان ذلك سيحمل موضوعات سبق طرحها لكنه دائمًا مختلف في طريقة عرضه وطرحه للمضمون الذى يدخله في إطار "الفاتنازيا" فيجعل له شكلاً ومذاقًا مميزًا، ولعله كان موفقًا في اختيار مثل هذا الموضوع في الوقت الحالى الذى تنقلب فيه الموازين إلى حد كبير، بل إن هناك كثير من التفاصيل التى أوردها في العمل هى موجودة بالفعل ومن الممكن أن تزداد مستقبلاً. هذا بخلاف أدائه لشخصية الزوج السلبي التى قدمها ضمن الأحداث، ولعل أبرز المشاهد التى تعالت معها أيضًا نوبات الضحك من الجمهور مشهد إلقائه لباقة الورود إلى أصدقائه ليلة زفافه. البطولة النسائية في "هاتولى راجل" لكل منهن طعم مختلف عن الأخرى، فيسرا اللوزى تقدم دورًا جريئًا عن الفتيات الجريئات اللواتي تعشن حياتهن من أجل المتعة. أما إيمى سمير غانم فتقدم دور الفتاة ذات الشخصية القوية المتسلطة وتتقمص دور الرجل دون مبالغة في الأداء أو في شكل الملابس أو طريقة الحديث بعكس ما قدمته من قبل في فيلمها "غش الزوجية" والذى كان يحمل مبالغة إلى حد كبير. أما مفاجأة الفيلم هى الوجه الجديد ميريت، ابنة الفنانة شيرين والتى تظهر في أول عمل سينمائي لها، هذا الوجه الصاعد الذى يحمل جمالاً جاذبًا، ولياقة تصلح لأدوار الأكشن في ما بعد، إضافة إلى خفة ظل وأداء مميز في التمثيل رغم أنها التجربة الأولى، بل إنها كانت من أكثر العناصر لفتًا للنظر ضمن الأحداث، وربما سيخطف هذا الوجه الأضواء في الأعمال المقبلة. باختصار "هاتولى راجل" فيلم فانتازى، كوميدى، يحمل أفكارًا مختلفة عن السينما بدماء شابة لا تظهر كثيرًا، مع مراعاة لتفاصيل دقيقة منه حتى في اختيار أغنية "البرومو الدعائي" له التى غنتها أمينة وهانى عادل، والتى ترصد حالة الفيلم بوعى كبير وليس مجرد أغنية لدعاية الفيلم. والأهم من ذلك أن "هاتولى راجل" فيلم يخلو من خلطة العيد السحرية "الرقص، والراب الشعبي والبلطجة".