بخلاف أجواء الترحيب السياسي التي تزامنت مع بدء زيارة كاثرين آشتون الممثل الأعلى للشئون السياسية والأمنية بالاتحاد الأوروبي لمصر للقاهرة، فإن ختام الزيارة قضى على هذا الترحيب، وأثار عاصفة من الغضب من التيارين المدني والإسلامي. يبدو أن كلمة السر في فهم وتبيان هذا التباين في موقف القوى السياسية من آشتون، في زيارتها غير المتوقعة للرئيس المعزول محمد مرسي في محبسه السري، ما أثير حولها من ضباب سياسي وتأويلات، فالقوى المدنية التي رحبت بالزيارة بوصفها اعترافًا بالواقع الجديد بعد تغييرات 3 يوليو، ودعمًا للحكم الجديد، فوجئت بالزيارة، التي عنت لها أن آشتون أتت بالأساس من أجل الدفع بمصالحة سياسية مصرية تقضي على حالة الاحتقان السياسي بالشارع ليس الاعتراف بشرعية تلك التغييرات فحسب، على نحو أبرزه سامح عاشور أحد قيادي جبهة الإنقاذ ورئيس حزب التيار الناصري بقوله إنه من حق أي شخص زيارة ومقابلة أي سجين سياسي أو جنائي بشرط الحصول على تصريح بتلك الزيارة، إلا أنه انتقد زيارة آشتون لمرسي واعتبرها تدخل في الشأن المصري، ورفض زيارتها للرئيس المعزول. وقد تباينت ردود فعل قوى التيار الإسلامي على تلك الزيارة والجهود التي بدا أن الاتحاد الأوروبي يقوم بها من أجل المصالحة الوطنية، حيث اعتبر حاتم عزام نائب رئيس حزب الوسط أن لقاء آشتون بمرسي لساعتين هو من الدلالات السياسية أن الاتحاد الأوروبي يري مرسي كما يراه غالبية الشعب المصري الرئيس الشرعي حتى الآن وذلك على حد قوله. وأضاف عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "تويتر" : حضور آشتون كان لمقابلة الرئيس مرسي بالأساس ولم تكن لتأتي لو لم تقابل الرئيس.. وتباحثا في ساعتين حول الوضع السياسي والحلول. فيما شنت جماعة الإخوان المسلمين هجومًا على آشتون، عقب لقائها مع الرئيس مرسي لمدة ساعتين وتأكيدها أنه بصحة جيدة ويلقى معاملة حسنة ويشاهد التليفزيون ويقرأ الصحف.. واتهمت الجماعة آشتون بالتضليل لتحسين وجه "الانقلاب" والذي تم بمباركة من الاتحاد الأوروبي أمام العالم، مؤكدين أنهم لن يعولوا على أي منظمة أو دولة خارجية للقضاء على الانقلاب وسيعتمدون فقط على ثورة الشعب المصري. وقال فريد إسماعيل، عضو المكتب التنفيذي لحزب الحرية والعدالة، إن موافقة من وصفهم بالقوى الانقلابية على زيارة آشتون لمرسي بعد تلك المدة وبعد طلبها، تؤكد أنهم يتلقون أوامرهم من الخارج ولا يستطيعون رد طلب لأمريكا وحلفائها الأوروبيين، منتقدًا تصريحات آشتون التي توحي بأن الرئيس مرسي يعيش حياة مرفهة، قائلًا: إن هدف تلك الزيارة التضليل وتحسين الوجه القبيح للاتحاد الأوروبي الذي دعم الانقلاب. ونوه إسماعيل على أنهم لن يعولوا على أي أطراف خارجية في إجبار القوة الانقلابية على إعادة الرئيس محمد مرسي بل سيستمرون في الحشد والثورة الشعبية السلمية، مشيرًا إلى أن ثورة 25 يناير في خطر وجميع أركان دولة مبارك عادت في الظهور وعلى رأسها أمن الدولة والتي عادت في مداهمة المنازل ورصد كل القوى المعارضة للانقلاب، مستشهدًا بالقبض على أحد أطباء المستشفى الميداني من عيادته. وأكد في الوقت ذاته أنهم لا يخشون من الاعتقالات التي تتم للقيادات وآخرهم عصام سلطان وأبو العلا ماضي، قائلَا: إن الاعتصام لا يقف على أحد ومن سيستمر فيه هم الملايين المحتشدة في الشارع، مستبعدًا فكرة فضه بالقوة وأن الإقبال على ذلك غباء سياسي. من جانبه، أكد وفد التحالف الشعبي لدعم الشرعية، خلال لقائه بآشتون على أن الشعب المصري لن يغادر الشوارع والميادين حتى تعود الشرعية الدستورية ويستعيد الوطن مساره الصحيح، كما أعلن التحالف ترحيبه الكامل بزيارة كل المنظمات الحقوقية الدولية لمختلف أماكن الاعتصام، مؤكدين على سلمية فعاليات التحالف بعيدًا عن كل ما يتردد من أكاذيب مختلقة ورافضًا لكل الاتهامات الملفقة التي توجه إلى المعتصمين السلميين. فيما اعتبر أحمد عبد الجواد، مؤسس حركة لم الشمل، إن لقاء آشتون بمرسي أمر لا يعنينا بل يعني الانقلابيين، لأن إرادة الشعب غالبة، ولأن الرئيس مرسي نفسه ظل طوال السنة الماضية لم يقبل أي تدخل خارجي في شئون مصر سواء تلميحًا أو تصريحًا، لكن بنظرة أخرى نؤكد أن مجرد الإعلان عن اللقاء ثم نفيه ثم تأكيده يؤكد مدى الارتباك الذي يعاني منه قائد الانقلاب والجيش، وأنهم باتوا يبحثون عن مخرج آمن لهم وليس للرئيس والإخوان كما يشاع، بعد أن أصبحت فضيحتهم تهز أركان العالم. وشدد البيان الذي أصدرته الحركة صباح اليوم، على أنه مهم طال الوقت فسيعود مرسي إلى منصبه رغم عن أنف الانقلابيين، وستنجح ثورة 25 يناير مهما كثرت المجازر والتهديدات والاعتقالات، فلن يستطيع أحد أن يدخل المارد المصري إلى الزجاجة مرة أخر. فيما اعتبر اللقاء فرصة لتأكيد ثوابت حزب النور من المصالحة الوطنية، حيث أوضح شريف طه المتحدث الرسمي باسمه، أن وفد الحزب الذي التقى آشتون أكد ضرورة دمج جميع التيارات السياسية وحذر من خطورة إقصاء أي فصيل سياسي، واستيعاب كل الأطراف السياسية داخل مصر بالعملية السياسية، والمحافظة على الدستور، الذي أستفتى عليه من الشعب المصري وأيده، بالإضافة للحفاظ على مكتسبات ثورة يناير خاصة فيما يتعلق بجانب الحقوق والحريات. ونقل الحزب لآشتون رفضه الشديد وتحذيراته من مغبة الملاحقات الأمنية للرموز الإسلامية والأحزاب الرافضة لما حدث في 30 يونيو وخطورة ممارسة الداخلية لأعمال القمع للمعارضين وتكميم الأفواه والاعتقالات السياسية المغلفة بغلاف قانوني، وقال شريف طه إن آشتون أبدت عدة ملاحظات أهمها فقد الثقة بين الأطراف السياسية المتصارعة بمصر مؤكدة على حرص الإتحاد الأوروبي للانتقال السلمي للديمقراطية وعدم التدخل بالشأن المصري الداخلي وضرورة حل الأزمة المصرية عن طريق الحوار بين جميع الأطراف والجلوس على مائدة المفاوضات.