شهدت دار الأوبرا المصرية، يوماً عاصفاً واستثنائياً، أمس الثلاثاء، إذ بدأ اليوم بقرار لم يبرره وزير الثقافة، علاء عبد العزيز، بإقالة رئيس دار الأوبرا، إيناس عبد الدايم من منصبها، مروراً بإلغاء عرض أوبرا عايدة لأول مرة في تاريخ الأوبرا المصرية. وانتهاء بتحول ساحة المسرح الكبير بالدار إلي ساحة احتجاج رفعت فيها اللافتات تنديداً بالوزير الجديد وبسياساته، وانتهي اليوم العاصف دون الاستقرار علي اسم رئيس جديد للدار التي خرجت من سلطة الدولة مؤقتاً، بإقالة رئيسها. وأنهي الوزير انتداب إيناس عبد الدايم صباح أمس الثلاثاء، ضمن حملة إطاحة بقيادات وزارة الثقافة شملت كلاً من أحمد مجاهد رئيس الهيئة العامة للكتاب، وصلاح المليجي، رئيس قطاع الفنون التشكيلية الذي أقيل الإثنين علي خلفية افتتاحه للمعرض العام للفن التشكيلي دون استبعاد أعمال من المعرض أصر الوزير علي أن ضمها مخالف للوائح القوانين المنظمة لعمل المعرض، بالرغم من أن تدخله في اللجنة ليس من سلطته. وجاءت إقالة إيناس عبد الدايم كصدمة جديدة وأثارت الكثير من الشكوك في الوزير الذي نفي أكثر من مرة ووعد بأنه لن يقيل عبد الدايم. وقال الوزير في تصريحات صحفية أنه سيشرح أسباب إقالتها إلا أنه لم يوضح هذه الأسباب. وبدت أجواء الأوبرا في المكاتب الإدارية مكهربة ومتوترة وسط مخاوف من المدير الجديد الذي سيتم تعيينه للدار، فيما شهدت قاعات البروفات هدوءاً وسارت الأمور فيها بشكل عادي في الصباح. وأصدر وزير الثقافة، قراراً بتعيين الدكتور رضا الوكيل، المغني الأوبرالي، رئيساً لدار الأوبرا، لكن الوكيل رفض المنصب، وهو ما جعل الوزير يبحث عن شخص آخر لتولي المهمة. وأثارت الإقالة غضب فناني دار الأوبرا وإدارييها الذين اعتبروا الخطوة، ضمن مخطط للاستيلاء علي الدار وتخريبها. وفي الوقت الذي تلقي فيه العاملون بدار الأوبرا صدمة إقالة رئيسة الدار كان مجلس الشورى يناقش ميزانيات دار الأوبرا ويطالب بتخفيضها وإلغاء عروض البالية لما تتضمنه من عري علي حد قول أعضاء المجلس الذي ينتمي أغلبيته إلي التيار الإسلامي. وقالت إيناس إن قرار إقالتها منعها من الذهاب لجلسة مجلس الشوري للدفاع عن ميزانية الأوبرا وأنشطتها ضد التخفيض المتوقع، خاصة مع صدور قرار وزاري بالفعل لخفض الإنفاق وتقليل الميزانية والعروض. وقال المايسترو ناير ناجي ل"بوابة الأهرام"، إن ميزانية دار الأوبرا الحالية بالكاد تكفي لتغطية نفقات الموسم الموسيقي. واتفق الموسيقيون وفنانو دار الأوبرا علي الانضمام للوقفة الاحتجاجية التي يقيمها الفنانون التشكيليون بدار الأوبرا احتجاجاً علي إقالة رئيس قطاع الفنون التشكيلية صلاح المليجي، وقام فنانو الأوبرا وإداريوها بوقفة احتجاجية أمام باب الأوبرا الجانبي المؤدي للمسرح الكبير، ورفعوا لافتات تحمل شعارات "فن الأوبرا خط أحمر"، و"نحذر من المساس بفن الأوبرا"، و"الأوبرا هي التعبير عن الثقافة المصرية"، وانتقدوا مناقشة الميزانية بمجلس الشوري. وهتف الفنانون الغاضبون ضد النظام، وحكم المرشد وسرعان ما سرت أنباء باحتمال التصعيد بإلغاء الحفل الختامي لعرض أوبرا عايدة بالمسرح الكبير وامتناع الفنانين عن تأدية العرض والاحتجاج علي خشبة المسرح. ودخل الفنانون إلي المسرح الكبير قبل موعد العرض بحوالي ساعتين، وبدا اجتياز الأبواب المؤدية إلي المسرح الكبير أكثر سهولة من ذي قبل حيث تم تخفيف الإجراءات الأمنية بشكل كبير لكن دون إخلال بالأمن، وكان بإمكان الفنانين والجمهور والصحفيين ممن نجحوا في التسلل إلي داخل المسرح في الدخول دون ملابس رسمية، وارتدي البعض ملابس رياضية وغطاء رأس رياضي، وهو ما يعتبر في الأحوال العادية من المحرمات داخل المسرح الكبير الذي طالما تم اعتباره والتعامل معه كمعبد مقدس لا يجوز اجتياز أبوابه دون الملابس الرسمية ولا يجوز فيه رفع الصوت بحال من الأحوال. وظل المسرح شبه خاو حتي دقائق قليلة من بداية العرض، حتي بدأ تدفق الجمهور إلي المسرح الفخم ذي الكراسي الحمراء القاتمة، وسط شكوك ممن يعرفون بخطوة الإضراب حول ما إذا كان سيحدث ذلك بالفعل. وفي تمام الثامنة والنصف رفع الستار عن المسرح، ليكشف عن ثلاثمائة فنان من ممثلي ومغنيي ومؤديي أوبرا عايدة بكامل ملابس العرض، ويحملون في أيديهم لافتات احتجاجية، ضد وزير الثقافة تتضامن مع إيناس عبد الدايم ضد قرار إقالتها. وألقي المايسترو ناير ناجي، القائد الرئيس لأوكسترا أوبرا القاهرة كلمة قال فيها:"تضامناً مع دكتورة إيناس عبد الدايم رئيس دار الأوبرا وتقديراً لدورها، قررنا نحن فنانو وإداريو دار الأوبرا الامتناع عن تقديم أوبرا عايدة الليلة كبداية لإيقاف كافة الفعاليات الفنية لدار الأوبرا حتي تتم إقالة وزير الثقافة الذي قام منذ اليوم الأول باتخاذ قرارات عشوائية تعسفية ضد القيادات الناجحة بالوزارة في محاولة لتغيير هوية هذه البلاد". وقوبل خطاب ناير بالتصفيق من قبل الجمهور الذي هتف تحية لفناني العرض، ورفض أغلب الجمهور استرداد ثمن التذاكر بالرغم من أن دار الأوبرا عرضت رد ثمن التذاكر المباعة للعرض الذي لم يتم، لأول مرة في تاريخ الأوبرا المصرية. وفي القاعات خلف المسرح تجمهر عدد كبير من موظفي الأوبرا بمكتب رئيس دار الأوبرا، إيناس عبد الدايم رفضاُ لقرار إقالتها، ورفض الفنانون أيضاً الأنباء التي وردت بتعيين المهندس، بدر الزقازيقي، مدير خشبة المسرح بالأوبرا خلفاً لإيناس عبد الدايم. وبدا موقف الزقازيقي من المنصب مذبذباً وغير واضح، ليترك الزقازيقي الذي غير رأيه أكثر من مرة موقفه معلقاً. وهدد وزير الثقافة بتعيين شخص من خارج الأوبرا مديراً لها حال رفض الزقازيقي للمنصب. وشهدت أروقة الأوبرا حالة من الهرج وتعالت أصوات الفنانين الغاضبين بشكل غير مسبوق. وأشارت تلك العلامات جنباً إلي جنب مع إلغاء فناني الأوبرا لعرض أوبرا عايدة، إلي أمر ربما لم يقصده وزير الثقافة إذ أدي قرار إقالة رئيس دار الأوبرا، والذي كان يهدف بحسب فناني الأوبرا إلي إخضاعها لسيطرة الوزير، إلي عكس ذلك تماماً إذ خرجت الأوبرا عن طوع سلطة الدولة وسيطرتها وآلت إدارتها واتخاذ القرارات فيها إلي فنانيها، ولو بشكل مؤقت، إذ لم يستطع وزير الثقافة فرض رئيس جديد لدار الأوبرا بالرغم من محاولاته المستميتة، التي قوبلت برفض عنيف من الفنانين الذين أبدوا استعداداً لفقد مناصبهم قبل أن تفقد الأوبرا استقلاليتها، بحسب ما أكد الفنانون أنفسهم.