لاتزال الآثار الفرعونية تواصل البوح بالكثير من أسرار قدماء المصريين، وتفاصيل حياتهم التي تشتهر بالسحر والغموض، وقال باحثون وأثريون مصريون: إن للمصريين تاريخًا طويلًا مع أكل الأسماك المملحة المعروفة باسم الفسيخ. كما عرفوا حب الزهور وقدسوها، وأعطوا اهتمامًا كبيرًا للاحتفال بقدوم فصل الربيع وتقول الأثرية المصرية منى فتحي كبير المفتشين في معابد الكرنك الفرعونية الشهيرة: إن مدينة إسنا التاريخية الواقعة جنوب محافظة الأقصر -721 كم جنوبالقاهرة- كانت أول مدينة تعرف صناعة الفسيخ في التاريخ. وأشارت الباحثة إلى أن المصريين عرفوا أكل السمك المجفف "الفسيخ" ضمن طقوس احتفالاتهم بعيد "الشمو" والمعروف اليوم باسم "شم النسيم" منذ عصور الفراعنة. وتقول الباحثة منى "كان المصريون القدماء يستخدمون سمك قشر البياض في إعداد الفسيخ، وكانت مدينة إسنا من المدن الشهيرة في صناعة وتقديم الأسماك المجففة كنذور للآلهة داخل المعابد حتى صار السمك المجفف رمزًا للمدينة في العصر البطلمي وصار اسمها "لاثيبولس" أي مدينة سمك قشر البياض". وأشارت إلى أن المصريين القدماء عرفوا عدة أنواع من الأسماك التي رسموها على جدران مقابرهم، مثل سمك "البوري والشبوط والبلطي والبياض"، كما عرف المصريون البطارخ منذ عصر الأهرام، وفي أحد الأعياد كان جميع أفراد الشعب يأكلون السمك المقلي أمام أبواب المنازل في وقت واحد. وكانت مظاهر الاحتفالات بقدوم الربيع تقام دائمًا على ضفاف النيل ووسط الحدائق والساحات المفتوحة وهو الأمر الشائع لدى جموع المصريين حتى اليوم. وقال الدكتور منصور بريك المدير العام لآثار الأقصر ومصر العليا: إن الأقصر وغيرها من مدن مصر القديمة عرفت الخروج الجماعي إلى الساحات الخضراء وشواطئ النيل قبل آلاف السنين، وإن احتفالات المصريين في هذه الأيام بشم النسيم لا تختلف كثيرًا عن احتفالات أجدادهم الفراعنة. وأشار إلى أن أهل مدينة الأقصر عرفوا "تقديس" الزهور منذ آلاف السنين، وكان للزهور مكانة كبيرة في نفوسهم ونفوس كل الفراعنة، إذ كانت زهرة اللوتس هي رمز البلاد، كما كان يقدمها المحبوب لمحبوبته. ويقول الدكتور منصور بريك: إن مقابر مدينة الأقصر الأثرية والفرعونية تزخر بالصور المرسومة على جدرانها لصاحب المقبرة وهو يشق طريقه في قارب وسط المياه المتلألئة، بينما تمد ابنته يدها لتقطف زهرة لوتس. وكانت أعواد اللوتس تقدم ملفوفة حول باقات مشكلة من نبات البردي ونباتات أخرى، كما تشكل باقات الورود اليوم، كما ترى أعمدة المعابد الفرعونية مزخرفة في طراز "لوتسي" يحاكي باقات براعم الزهور. وصور المصريون أنفسهم على جدران مقابرهم ومعابدهم وهم يشمون الأزهار في خشوع يرجع بعضه إلى الفرحة ويوحي بسحر الزهور لديهم. واحتوت السنة المصرية القديمة على العديد من الأعياد التي ارتبطت بالتقويم مثل رأس السنة، وأعياد كل شهرين وبدايات الفصول. وكان من بين تلك الأعياد، كما يقول الباحث المصري إميل نظير، عيد "الشمو" الذي يعرف اليوم باسم "عيد الربيع" أو "شم النسيم"، كما كان عيد الإله "مين" إله الخصوبة في مصر القديمة من بين الأعياد التي احتفل بها قدماء المصريين في فصل الربيع، وكان تمثال الإله "مين" يقام غالبًا وسط مربع من نبات الخس. وكان الربيع الذي يغير معالم ما بين الفصول عيدًا عند المصري القديم لارتباطه بالشمس والنهر، ولذلك كان المصريون القدماء يتناولون فيه السمك والبصل والبيض. وصارت تلك المأكولات مظهرًا ثابتًا من مظاهر الاحتفالات بأعياد الربيع في مصر منذ نهايات العصر الفرعوني وبدايات العصر القبطي، وبات تناول المصريين لتلك الأطعمة من العادات الباقية حتى اليوم. وتشير الباحثة المصرية الدكتور خديجة فيصل مهدي إلى أن قدماء المصريين اهتموا بالأعياد التي كانت مناسبة لديهم؛ لإقامة أفراح عظيمة تغني فيها أناشيد جماعية تنشدها السيدات النبيلات المشتركات في المواكب مع أصوات القيثارات وأغاني الغرام والأناشيد المصاحبة لحركات الرقص. وتابعت "كانت أعياد الفراعنة ترتبط بالظواهر الفلكية وعلاقتها بالطبيعة ومظاهر الحياة؛ ولذلك احتفلوا بعيد الربيع الذي حددوا ميعاده بالانقلاب الربيعي، وهو اليوم الذي يتساوى فيه الليل والنهار وقت حلول الشمس في برج الحمل". وتشير إلى أن السنة المصرية القديمة احتوت على العديد من الأعياد التي ارتبطت بالتقويم، مثل رأس السنة، وأعياد كل شهرين، وبدايات الفصول، وفي هذه الأعياد يحمل الكهنة تمثال معبودهم، ويسيرون به في موكب مهيب يشارك فيه الجميع، ويؤدي فيه المهرجون والمغنون والراقصون فنونهم. وحسب الدكتورة خديجة، كانت تقام في هذه الأعياد العروض المسرحية التي تصور أساطير معينة، وكان الأهالي وليس الكهنة، هم الذين يحتفلون بأعياد المعبودات الطيبة الصديقة والودودة. وتقول إن المعبود "بس" هو أحد تلك المعبودات، وفي يوم عيده كان العمل في بناء الأهرام يتوقف، وكان الأهالي يسيرون في الشوارع، وهم يرتدون أقنعة "بس" يتبعهم الراقصون وضاربو الدفوف، كما كان أهالي المدينة يشاركون في الغناء من أسطح منازلهم، بينما كان الأطفال يمرون بجانب الراقصين، وهم يغنون ويصفقون بأيديهم،وكانت المدينة كلها تستمتع بالأعياد والمهرجانات. وكانت مناسبات رأس السنة وبدايات المواسم أيضا من الأعياد.