بعد الإعلان رسميا عن فراغ منصب رئيس دولة فى تونس، تصاعدت بورصة الأسئلة والتوقعات، بشأن الدور الذى ستلعبه القوى المختلفة والشخصيات الحزبية البارزة على الساحة السياسية، فى الداخل والخارج. فقد طفت على السطح أسماء متباينة، بعضها يعرفه الناس جيدا من واقع أدوار سياسية متعددة، والبعض الآخر يبدو مجهولا لحرصه على أداء دوره من وراء ستار. من هنا يمثل التوقف عند عدد من الأسماء المرشحة للصعود أهمية كبيرة، كوسيلة لاستكشاف ملامح الخريطة السياسية القادمة. فالمشهد التونسى عامة، أصبح غامضا وقد يحمل فى أحشائه جملة من المفاجآت، لاسيما أن تونس تعج بتيارات سياسية تنحدر من مشارب مختلفة.. فضلا عن عدم استبعاد ظهور تيار يميل نحو الاستقلال، فقد أكدت أحداث الأيام الماضية أن الأوراق متداخلة والحسابات شائكة، حيث لم تتقدم حتى الآن شخصية أو حزب يمكن القول إنه يستطيع الإمساك بتلابيب الأمور فى الفترة المقبلة. ذهب أول التكهنات إلي أحمد نجيب الشابي الشهير ب "نجيب الشابي"، الأمين العام السابق للحزب الديمقراطي التقدمي المعارض في تونس، والذي صرح بأن الإجراءات التي اتخذها الرئيس زين العابدين بن علي – في أول أيام انتفاضة التونسيين- بإقالة وزير الداخلية، ودعوة مجلسي المستشارين والنواب للانعقاد للحوار وإطلاق سراح المعتقلين على خلفية الاحتجاجات، بأنها غير كافية، وأن المطلوب تغيير السياسات لا تغيير الأشخاص. وقتها رحب بقرار الرئيس زين العابدين بن علي بعدم خوض انتخابات الرئاسة القادمة في 2014 وباتخاذه إجراءات لتخفيف التوتر في البلاد. وأضاف أن هذا ما تطالب به المعارضة منذ فترة طويلة وأن تعهد الرئيس بعدم خوض الانتخابات مسألة طيب للغاية.. وقال الشابي إن الرئيس لمس جوهر القضية وهو المطالبة بالإصلاح، ودعا إلى تشكيل حكومة ائتلافية. وقد ولد نجيب الشابي عام 1944 وعمل محاميا لدى محكمة التعقيب بتونس، ثم انخرط في العمل السياسي وهو فى العشرين من عمره، وتعرض من أجل نشاطه المعارض إلى ثلاث محاكمات من قبل محكمة أمن الدولة، التي أصدرت في حقه أحكاما بالسجن لمدة 32 عاما. وبعد مغادرة السجن عام 1970 أبعد لمدة عشر سنوات إلى مدينة باجة ثم مدينة السرس من ولاية الكاف.. وفي عام 1971 لجأ إلى الجزائر، ومنها ذهب إلى فرنسا، وهناك مكث حوالى سبع سنوات، وفي ديسمبر 1977 عاد سرا إلى تونس في ظروف أزمة جانفي 1978 وواصل العمل السري حتى عام 1981 الذي شهد انفتاحا سياسيا نسبيا عقب حادثة قفصة فى يناير عام 1980. وفي عام 1983 شارك، في تأسيس حزب "التجمع الاشتراكي التقدمي"، ثم بعد أربعة أعوام تعرض الشابي للمحاكمة بتهمة "الاحتفاظ بجمعية غير مرخصة" وصدر في حقه حكم بالسجن لمدة ستة أشهر، لم ينفذ منها سوى ستة أيام بسبب الاضطرابات السياسية التي كانت تمر بها البلاد في أواخر عهد الرئيس الحبيب بورقيبة. في عام 1988 انتخب السيد الشابي أمينا عاما من قبل المجموعة المؤسسة للتجمع الاشتراكي التقدمي بعد حصولها على الاعتراف القانوني وأمضى بهذه الصفة في شهر نوفمبر من السنة نفسها على "الميثاق الوطني" الذي طرحه النظام الجديد على قوى المعارضة. انقطعت علاقة الشابي مع النظام الجديد فى بدايات عقد التسعينيات من القرن الماضى، جراء معارضته للنهج الأمني الذي اختاره النظام في معالجة القضايا السياسية. ثم ترشح الشابي أن للانتخابات الرئاسية عام 2004، غير أن القانون الانتخابي استثنى الحزب الديمقراطي التقدمي من حق تقديم مرشح عنه لتلك الانتخابات وقصر حق تقديم مرشح على الأحزاب التي اختار النظام أن تكون ممثلة بالبرلمان. فقبل خمس سنوات من الآن، شارك الشابي في الإضراب عن الطعام الذي خاضته ثماني شخصيات تونسية لمدة شهر بمناسبة انعقاد "القمة العالمية لمجتمع المعلومات" في أكتوبر 2005، وبعد حوالى عامين خاض إضرابا ثانيا عن الطعام لمدة شهر، دفاعا عن حرية العمل الحزبي. وفي 2008 ترشح الشابي للمرة الثانية للانتخابات الرئاسية، وكان أحد أشد معارضي الرئيس التونسي زين العابدين بن علي آنذاك. قبل شهر من الانتفاضة الحالية كتب الشابي مقالة بصحيفة "القدس برس"، أكد فيه أن السلطة قد استغلت بعض الأخطاء البسيطة، التي ارتكبها الإسلاميون للإجهاز على أكبر خصم سياسي لها.. وهو ما اعتبره بعض الدوائر التونسية بمثابة نوع من الغزل السياسى بين الشابى والتيار الإسلامى. بينما يبدو الشيخ راشد الغنوشي، الذي أعلن فى ثانى أيام رحيل زين العابدين عن السلطة، عودته إلى تونس بعد فترة طويلة من الابتعاد القسرى.. لذلك رشح بعض الأوساط تصاعد دور زعيم حزب النهضة التونسية خلال الفترة المقبلة. أطل الغنوشى فى الأيام الأولى للانتفاضة التونسية من على شاشات بعض الفضائيات العربية، مشجعا الشعب التونسي علي مواصلة ثورته، واصفا إياه بأنه: شعب حريص علي حريته، ويدافع عن حق طبيعي أقره الإسلام وهو حقهم في الحياة. وقال إن محمد البوعزيزي مواطن لم تمكنه السلطة من العمل، وحتي عندما ذهب للشكوي احتقروه.. وطالب الغنوشى المواطنين بالصمود من أجل مواجهة الظلم والفساد، ونادي بوجوب توحد السلطة السياسية والنقابية والإعلامية للدفاع عن الشعب. السيرة الذاتية للغنوشى تقول إنه سياسي ومفكر إسلامي.. ولد عام 1941، وهو زعيم لحركة النهضة التونسية وعضو مكتب الإرشاد العالمي لجماعة الإخوان المسلمين.. ولد بجنوب تونس، وبعد أن نال الشهادة الثانوية انتقل إلى دمشق ليدرس الفلسفة، ثم قام بتأسيس حزب حركة النهضة المحظورة فى تونس. يتميز الغنوشي بقراءته التجديدية للإسلام السياسي، حيث ينادي بحقوق المواطنة، أي المساواة بين جميع المواطنين في الحقوق والواجبات بغض النظر عن المذاهب والديانة، وقد أصل لآرائه بصورة فقهية، في كتابه الشهير "الحريات في الإسلام" الذي يرفضه الكثيرون من التيار السلفى. حكم عليه في تونس عدة مرات بالسجن، ففي عام 1981 دخل السجن لمدة 11 سنة، لكن أخلي سبيله مع وصول الرئيس زين العابدين بن علي للحكم عام 1987.. ثم حكم عليه عام 1992 مجددا بالسجن المؤبد، إلا أنه تمكن من الفرار إلى الجزائر، ومنها انتقل إلى السودان وبقى فيها في ضيافة حسن الترابي. وحكم عليه مرة أخرى غيابيا عامي 1991 و1998 وفي المرتين كان الحكم بالسجن مدى الحياة.. أما الآن فهو مقيم في منفاه بلندن، وقبل ثلاثة أعوام أعيد انتخاب الغنوشى رئيسا لحركة النهضة. لم تتوقف التخمينات والتوقعات عند الشابى والغنوشى، بل طفت على السطح شخصية ثالثة لا تقل أهمية عنهما، والتى من المتوقع أن تسهم بدور بارز فى الحياة السياسية التونسية. فمصطفي بن جعفر الأمين العام لحزب التكتل الديمقراطي من أجل العمل والحريات، معروف فى كثير من الأوساط التونسية برغبته العارمة فى التغيير.. وقبل رحيل الرئيس التونسي بساعات فقط، جرى نفيه خارج البلاد، وكان على يقين حتى وقت قريب من أن الحوار لا يزال ممكنا من أجل أن تدخل تونس في مرحلة تغيير حقيقي مع أكبر ضمانات ممكنة. انتمى مصطفي بن جعفر منذ نهاية الخمسينيات، إلى الحزب الحر الدستوري الجديد، لكنه خرج عنه في السبعينيات ليؤسس حركة الديمقراطيين الاشتراكيين، كما كان من مؤسسي نقابة أطباء المستشفيات الجامعية سنة 1977. ومازالت التكهنات مفتوحة والاحتمالات قائمة لمن ظهروا علي الساحة السياسية وبرزت تصريحاتهم أثناء أيام الثورة، ومن ضمنهم المارزي حداد السفير التونسي في اليونسكو والذي قدم استقالته من منصبه قبيل رحيل الرئيس التونسي بساعات على خلفية الاحتجاجات التي تشهدها بلاده بسبب كثرة الباحثين عن عمل وغلاء المعيشة. وقال حداد وقتها إن استقالته جاءت بعد مرور أيام عدة من مناشدته زين العابدين "وقف حمام الدماء".