أحدث حكم تثبيت حكم الإعدام على المتهمين في أحداث مذبحة بورسعيد، حالة من الارتباك بين القوى السياسية والثورية، فالكل غاضب وإن اختلفت الدرجة وآليات التعبير عن هذا الغضب، ولكن الجميع انتقد الحكم ووصفه بكونه مُسيسا، محملين السلطة مسئولية تدهور الأوضاع السياسية والأمنية. الأمر الذي يعكس حالة غريبة يواجهه المشهد المصري حالياً، حالة أشبه بالرفض لكل شيء، رغم أن الأصل في القضاء وغيره من حالات الاحتكام للخلاف، تغليب وإنصاف طرف على الآخر، وليس إرضاء الاثنين معاً. من ثم تباينت الآراء وردود الفعل على الحكم، ما بين مؤيد بوصفه إحقاقا للحق، ومرضيا ليس لجماهير النادي الأهلي والألترس وإنما لشعب مصر كلها، وآخر معارض لكونه برأ السلطة وتحديداً وزارة الداخلية من الجريمة، قائلين إن الحكم أتى في مجمله تشوبه شبهة سياسية، مؤكدين أن الغضب يمكن أن يعم جميع نواحي مصر، إن لم تتدخل الدولة والحكومة بشكل عاجل، وإنهاء حالة الاحتقان السياسي التي هي سبب كل الأزمات التي تعاني منها مصر حالياً. إذ انتقد جورج إسحاق عضو لجنة التسيير بحزب الدستور، أداء الدولة بعد صدور الحكم، وتساءل: لماذا الدولة شبه غائبة عن الحدث، رغم ما يحمله من نذر خطيرة على الاستقرار الوطني..؟ كأن ما يحدث ونشاهده، يقع في مكان آخر غير مصر. وطالب الدولة والرئاسة معاً في تلك المرحلة الحساسة من تطور الأزمة والاحتقان السياسي بسرعة الدعوة إلى مبادرة للمّ الشمل الوطني وإعادة الوفاق السياسي -الاجتماعي بين مختلف الأطراف، بوصفها الآلية الأقدر على مواجهة الفوضى التي تحدث في مصر الآن وتحديداً في بور سعيد. وجاء موقف حزب الدستور رافضا التعليق على أحكام القضاء، وعبر عن الموقف الرسمي رئيسه الدكتور محمد البرادعي بقوله: نحن في انتظار حيثيات الحكم لنعرف العقل المدبر لمذبحة بورسعيد حتى نفهم حقيقة ما يدور في مصر. وأضاف عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي "توتير" نرجو ألا يكون اللهو الخفي الذي يطاردنا منذ عامين هو العقل المدبر. لكن إسحاق وصف أداء الدولة في أعقاب الحكم باللا مسئولية التامة وسوء الأداء السياسي. وطالب مؤسسة الرئاسة بأن تطل على المشهد السياسي وتطرح مبادرة جادة للمصالحة الوطنية، تزيل ليس الاحتقان الاجتماعي داخل بور سعيد بعد الحكم رغم أن هناك درجات أخرى للاستئناف القضائي، وإنما معالجة أيضاً الأزمات الحقيقة التي يعاني أهالي بور سعيد، ومصر معهم أيضاً، منها اعتبار شهداء المدينة طوال الفترة الماضية شهداء باعتراف رسمي مثل شهداء ثورة 25 يناير، وسرعة إنجاز مشاريع التنمية في ممر القناة، والأهم مواجهة أهالي بورسعيد وإزالة شعورهم بالغين وأنهم مستهدفون سياسيًا. من جانبها، قالت كريمة الحفناوي مؤسس حركة مصريات من أجل التغير، وعضو التحالف الشعبي الاشتراكي، وقالت: إن ما حدث بعد 25 يناير يماثل ما حدث قبلها من حوادث مثل كنيسة القدسيين، وقضيه خالد سعيد، الشعب يريد معرفة الجناة الحقيقيين، فهذا وحده الكفيل بأحداث الرضا عن الأحكام القضائية، فممن خطط ومول لتلك الجرائم لابد من معرفته وتقديمه للعدالة وليس هؤلاء المدانين الآن ككبش فداء. ومن دون معرفة هؤلاء، فإن الفوضى والغضب كما تقول الحفناوي سوف يسودان الشارع المصري وفي وبورسعيد أيضاً سواء بين جماهير النادي المصري وجرين إيجلز أو أهالي الشهداء أو أهالي المحكوم عليهم. مشيرة إلى أن المشهد السياسي سيظل أسوأ طالما لم تحقق العدالة الاجتماعية. كما ندد طارق الخولى وكيل مؤسس حزب 6 أبريل بالحكم الصادر، لكونه حسب توصيفه لم يطل الفاعلين الحقيقيين للجريمة وهم قيادات الداخلية وأعضاء المجلس العسكري، وأن المحاكمة تمت بنظرية كبش الفداء، وعدم محاكمة المحركين والمسئولين الفعليين عن مجزرة بورسعيد. ومن ناحية أخرى، قال عمرو حامد المتحدث باسم الاتحاد العام لشباب الثورة إن الحكم يبرئ السلطة السياسية من الجريمة، وأيضًا المؤسسة العسكرية ووزارة الداخلية الذين اعتبرهم المسئولين الرئيسين في مذبحة بور سعيد، قائلاً: إن الجريمة كانت منظمة بشكل كبير والحكم للأسف جاء سياسيًا و برأ قيادات الشرطة والمسئولين عن الإستاد، الذين أغلقوه على جماهير الأهلي، وهؤلاء ألقوا ببعض الصبية في هذه الجريمة المنظمة، لكي يخرجوا منها دون عقاب. موضحًا أن المسئول الرئيسي عن الجريمة قيادات المجلس العسكري، الذين شارك الألتراس في التظاهرات للمطالبة برحيلهم، والداخلية التي قالت بالحرف الواحد للجماهير وهي تقتل أمام أعينهم أحموا نفسكم حسب شهادة الشهود بالقضية. فيما قال خالد المصري المتحدث باسم حركه شباب 6 أبريل جبهة احمد ماهر، أنه لا تعليق على الحكم القضائي لكونه يستند إلى أدلة، إلا أنه لم يقدم المجرمين الحقيقيين، الذين دبروا وحرضوا على مذبحه بورسعيد، التي راح ضحيتها العديد من شباب الوطن، موضحًا أن ما يحدث هو تكرار لمشهد اعتدناه منذ الثورة، بعدم قدرة السلطة على تقديم الجناة الحقيقيين للعدالة وعدم ترك القضايا القتل خارج الشرعية مفتوحة. فيما خالفهم رحب مصطفى يونس النجمي المتحدث الرسمي للاتحاد العام للثورة، الذي وصف الحكم، بكونه جاء مرضيًا لجماهير الألتراس، وقطاع كبير من الشارع المصري، وأنه لا تعليق على أحكام القضاء .إلا أنه في نفس الوقت أكد أن ما تشهده الساحة المصرية الآن من اختلافات وإسالة لدماء المصريين إنما يتحمل مسئوليتها بالكامل القيادة السياسية، لكونها فشلت فشلاً ذريعًا في احتواء الأزمة وهو الأمر المحزن في المسألة كلها، مطالبًا بمحاسبة كل من يثبت تورطه في أي أعمال عنف أو يحرض عليها، سواء كان مسئولا أو من فلول النظام السابق.