صاحب ورائد مدرسة الفكر الإسلامي والتصوف في العصر الحديث، لقب بأبي التصوف في العصر الحالي، جمع بين الثقافة العربية والفرنسية، وتأثر بالمعارف الدينية وانتفع بالعلوم الفلسفية. وُلد الإمام عبدالحليم محمود في 12 مايو 1910م بعزبة أبو أحمد (قرية السلام حاليا) من ضواحي مدينة بلبيس بمحافظة الشرقية، ونشأ في أسرة كريمة عُرفت بالصلاح والتقوى، والده رجل علم ودين وثقافة وله أثر كبير في توجيه ابنه للدراسة بالأزهر، الحقه بكُتاب القرية، وأتم حفظ القرآن الكريم في سن مبكرة، والتحق بالأزهر الشريف في 1923م، تنقل بين حلقات الدرس به، ثم نُقل إلى معهد الزقازيق مع افتتاحه في عام 1925م، التحق في نفس الوقت بمعهد المعلمين المسائي فجمع بين الدراستين. ونجح في المعهدين وعُين مدرساً، إلا أن والده رفض؛ ليكمل الدراسة بالأزهر واستطاع اختصار المرحلة الثانوية من 4 سنوات إلى عامين فاتمها عام 1928م وكان الوحيد الناجح بين المتقدمين للامتحان من منازلهم، ثم استكمل دراسته العليا، وحصل على الشهادة العالمية سنة 1932م، ثم سافر على نفقته الشخصية لاستكمال تعليمه العالي في باريس بجامعة السوربون؛ لدراسة تاريخ الأديان والفلسفة وعلم الاجتماع، وحصل على الليسانس فيها في عام 1937م، ثم التحق في عام 1938م بالبعثة الأزهرية التي كانت تدرس هناك للحصول على الدكتوراه في التصوف الإسلامي، وأكمل رسالته بالرغم من نشوب الحرب العالمية الثانية وعودة زملائه وحصل على الدكتوراه في سنة 1940م . بدأ حياته العملية مدرساً لعلم النفس بكلية اللغة العربية، ثم نُقل أستاذًا للفلسفة كلية أصول الدين في 1951م، وظل بها حتى عين عميداً لها في 1963م، اُختير عضواً بمجمع البحوث الإسلامية في 1964م بلجنة التعريف بالإسلام وأصول الدعوة، ثم أميناً لمجمع البحوث الإسلامية فعمل على دراسة أهداف المجمع، وكوّن جهازا فنيا وإداريا من موظفي الأزهر ونظمه وأنشأ مكتبة خاصة به، واستطاع إقناع المسئولين لتخصيص قطعة أرض لتضم اجهزة المجمع العلمية والإدارية، فكان أول من وضع أسس مجمع البحوث الإسلامية. وأُختير أميناً لمؤتمر علماء المسلمين 1969م، عُين في 1970م عضواً في اللجنة العامة للجان المواطنين من أجل المعركة وعمل جاهداً في هذه الفترة على إصلاح الجبهة الداخلية عقب هزيمة 1967م و التعبئة المعنوية لرجال القوات المسلحة ثم صدر القرار الجمهوري بتعيينه وكيلاً للأزهر في العام نفسه. تولى وزارة الأوقاف غان 1972م ، فاهتم بالمساجد وأنشأ عدداً كبيراً منها، وضم 1500 من المساجد الأهلية بلغت تكاليف ضمه أكثر من مليون جنيه ،وخطط لضم باقي المساجد الأهلية إلى الوزارة على التوالي، وجدد المساجد التاريخية، وأنشأ ألفى حلقة لتحفيظ القرآن الكريم، وألف فصل دراسي لتقوية الطلاب، وبعد أن أنشأ في كل مسجد مكتبة إسلامية، كما سعى إلى استرداد الأوقاف الإسلامية التي كانت خاضعة للإصلاح الزراعي والمحليات، وأنشأ "هيئة الأوقاف المصرية" لإدارتها. وصدر قرار بتعيينه شيخًا للأزهر 27 من مارس 1973م، قدم استقالته من مشيخة الأزهر في 16 يوليو 1974م احتجاجًا على القرار الجمهوري بتنظيم شئون الأزهر وتحديد مسئولياته على أن يكون الأزهر تابعاً لمسئولية وزير شئون الأزهر؛ مما أفقد الأزهر استقلالَه، وقدم للرئيس السادات خطاباً شارح فيه موقفه، وأن الأمر لا يتعلق بشخصه، وإنما يتعلق بالأزهر وقيادته الروحية للعالم الإسلامي كله، ثم قدم طلبا بتسوية معاشه عندما تأخر الرد على استقالته، ووجه خطاباً إلى وكيل الأزهر د. محمد عبد الرحمن بيصار يطلب منه فيه أن يتولى أمور مشيخة الأزهر حتى يُعين شيخاً جديداً له، فأعاد الرئيس النظر في قراراته وأعاد الأمر إلى نصابه وحفظ لشيخ الأزهر مكانته، وحذف المواد التي رفضها الشيخ عبد الحليم الذي عاد لمنصبه في ديسمبر 1974م. عمل استاذاً زائراً بعدة جامعات منها جامعة بينداناوا بالفلبين، جامعة جاكرتا بأندونسيا، جامعة الخرطوم بالسودان، والمركز الأسلامي بماليزيا، باكستان، والكويت، مَثل الأزهر في مهرجان الأمام الغزالى بدمشق 1961م، وشارك في مؤتمر السيرة النبوية بباكستان في 1976م، ومهرجان العالم الإسلامي بلندن 1976م، مؤتمر رسالة المسجد بمكة المكرمة 1976م. اعتمد الإمام المنهج التربوي بجانب الفلسفي فقدم العديد من البحوث والدراسات الفلسفية والتربية السلوكية وقدم للمكتبة الإسلامية مؤلفات علمية قيمة من أهمها الوجود والخلود في فلسفة ابن رشد، والعقيدة والأخلاق في الفلسفة الإسلامية، تأملات في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، الإمكان والامتناع، الأسلام والمسيحية، وغيرها. حاول إعادة تشكيل هيئة كبار العلماء من الأكفاء ومِن حِسَان السمعة والعدول، وله دور عظيم في زيادة أعداد المعاهد الأزهري في مصر مما ساعد في نشر التعليم الأزهري وتطويره، منح اسمه وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى بمناسبة الاحتفال بالعيد الألفي للأزهر، وتوفي في 17 أكتوبر 1978م بعد ثلاثة أيام من إجرائه عملية استئصال المرارة