آخر النجوم الساطعة فى سماء التلاوة القرآنية فى مصر والعالم العربى، آخر عباقرة دولة التلاوة، وأبرز القراء، هو الصوت العبقرى، سلطان التلاوة ونقيب القراء، صاحب الشخصية القرآنية المتفردة، شهرته جابت الآفاق وتسجيلاته غطت أنحاء البلاد حتى قبل اعتماده بالاذاعة، وصف الموسيقار محمد عبد الوهاب أحباله الصوتية بأنها معجزة؛ لأنها تؤدي النغمة المستحيلة. ولد محمد محمود الطبلاوي في 14 نوفمبر 1934م بقرية ميت عقبة في مركز إمبابة بمحافظة الجيزة، ترجع أصول أسرته إلى قرية"صفط جدام" التابعة لمركز تلا بمحافظة المنوفية، كان الابن الوحيد لابويه؛ ولذلك عامله والده بشدة منذ نعومة أظافره رغم فرحته الشديدة بقدومه. ألحقه والده بكتاب القرية لحفظ القرآن الكريم، وبعد حفظه جوده على يد الشيخ غنيم الراوى، وعندما بلغ الثانية عشرة من عمره دُعى لإحياء الذكرى السنوية لرحيل والدة عمدة القرية وانبهر الحضور بصوته، ونصحه شيخه بالالتحاق بمعهد القراءات بالأزهر وأتم دراسته بعد ست سنوات. أحيا المأتم والسهرات الدينية مقابل خمسين قرشا لليلة، عُين بشركة موتسيان للدخان لقراءة القرآن ورفع الأذان بمسجد الشركة، وفى إحدى المرات استمع إليه الشيخ ابراهيم المنصورى وأعجب بصوته وأخذه معه إلى الشيخ الحصرى الذى وجهه لتجويد القران وفقا لأحكام التلاوة. تقدم إلى لجنة الاختبار بالإذاعة تسع مرات متتالية خلال تسع سنوات، ولكنه رُفض بسبب عدم تنقله بين النغمات ولا بين المقامات، واعتُمد فى المرة العاشرة عام 1970م، وسبب شهرته الحقيقة التسجيلات التي سجلتها له شركة المنتصر التي كان يشرف عليها مأمون الشناوي الذي قال عن صوته عندما سمعه (إن هذا الشيخ سيكون قارئ الزمن الآتي) وأدت هذه التسجيلات إلى شهرته ووصوله إلى وسائل الإعلام في الداخل والخارج. انطلق صوته عبر الاذاعة بسرعة البرق إلى كافة أنحاء العالم الإسلامى، سافر إلى ثمانين دولة لإحياء ليالى رمضان مبعوثا من الاوقاف أو بدعوات خاصة، وكانت أولى رحلاته عام 1973م للأردن بدعوة من وزارة الأوقاف الأردنية وكرمه خلالها الملك حسين، وتلقى دعوة لإحياء مأتم الملكة "زين الشرف" والدة الملك حسين ملك الأردن فى قصر رغدان، وأقام هناك لمدة سبع أيام، ودُعى من الملك خالد لغسيل الكعبة وحمل مفتاح الكعبة من آل شيبة، وقرأ القرآن داخل الكعبة، وصلى فى كل أركانها ويعد هو قارئ القرآن الوحيد الذي قرأ داخل الكعبة وأُهدى له قطعة كبيرة من كسوة الكعبة. دعاه الملياردير اليوناني "جون لاتسيس" ليتلو القرآن أمام جميع المسلمين لأول مرة فى تاريخ اليونان، وقرأ القرآن فى مدينة روما لأول مرة أمام جموع المسلمين من أبناء الجاليات العربية والاسلامية، كما شارك فى العديد من المسابقات الدولية التى تقام بين حفظة القرآن الكريم باعتباره مُحكما، وقرأ فى مأتم المشاهير والساسة ونجوم المجتمع. عينه وزير الأوقاف زكريا البرى قارئا للسورة فى الجامع الأزهر بعد رحيل الشيخ مصطفى اسماعيل 1978م ثم عُين شيخا لعموم المقارئ لشئون القراء خلفا للشيخ عبدالفتاح القاضي 1982م، عُين عضوا بالمجلس الأعلى للشئون الإسلامية، ثم أصبح نقيبا لقراء ومحفظي القرآن فى مصر. سجل المصحف المرتل والمصحف المجود للعديد من الإذاعات العربية، كرمته لبنان بمنحه وساما رفيعا فى احتفالية ليلة القدر تقديرا لجهوده فى خدمة القرآن الكريم، وكذلك تم تكريمه فى العديد من الدول العربية والاسلامية. تزوج ثلاث مرات الأولى كان فى عمر السادسة عشرة من "أم إبراهيم"، والثانية فى عمر التاسعة عشرة وأنجب منها 8 أولاد و 5 بنات، وأولهم محمد الذي ورث عنه صوته الجميل، وله حفيدته آية الطبلاوي التى اكتشفها جدها وشجعها على الابتهالات والإنشاد الدينى، وتزوج الثالثة لكبر سن زوجته الثانية. توفي في 5 مايو 2020م عن عمر 86 عاما بعد صراع مع المرض، وأدى المئات صلاة الجنازة عليه أمام منزله بالعجوزة، وشارك فى الصلاة عدد كبير من مشايخ نقابة قراء القرآن الكريم، وشُيع الجثمان إلى مقابر العائلة بالبساتين، وقد نعته دار الإفتاء المصرية عبر حسابها الرسمى على تويتر والفيسبوك، ونعاه الدكتور شوقى علام مفتى الجمهورية.