شهادة الزور عدَّها النبى صلى الله عليه وسلم - كما فى الصحيح - فى أكبر الكبائر، فلما ذكر الإشراك بالله، وقتل النفس التى حرَّم الله إلا بالحق وعقوق الوالدين، ثم قال صلى الله عليه وسلم: «ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور، ألا وشهادة الزور» وكان متكئاً صلى الله عليه وسلم ثم قعد عندما ذكر هذه لخطورتها وكرَّرها، حتى إن الصحابة رضى الله عنهم لما رأوا شدة انفعال النبى صلى الله عليه وسلم وهو يخبر بخطورة شهادة الزور، تمنَّوا أنه سكت، ومعنى هذا ليس كراهة لهذا التنبيه؛ لأن بعض الناس يقول: إن الصحابة كرهوا هذا التكرار والتأكيد، لا، الصحابة شق عليهم ما نزل بالنبى صلى الله عليه وسلم من انفعال بسبب تحذيره، وأما ما يتَّصل بأثر شهادة الزور والكذب على الصيام: فشهادةُ الزور هى من أعظم القول بالزور، وقد قال الله جل وعلا: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ» البقرة: 183 أى : لأجل أن تتقوا، ومعلوم أن شهادة الزور والكذب مما يخرج به الإنسان عن حدود التقوى وينفكُّ عن خِصالها ، وفى صحيح البخارى من حديث أبى هريرة رضى الله عنه أن النبى صلى الله عليه وسلم قال: «مَنْ لم يدع قول الزور والعمل به ، فليس لله حاجة فى أن يدع طعامه وشرابه» ومعنى هذا : أنَّ من لم يدع القول الباطل - ومنه شهادة الزور- فإنه لم يأت بالمقصود والغرض من الصيام ؛ لأن المقصود والغرض من الصيام هو التوقى للشرور والفساد ف « الصوم جُنُّة » كما قال النبى صلى الله عليه وسلم فى حديث أبى هريرة وإذا كان الصائم قد امتنع عن أكل وشرب وجماع، ثم أطلق جوارحه فى المحرمات التى تحرم عليه فى كل وقت، فإنه لم يحقق الغرض والغاية من الصوم، إذ الغرض والغاية من الصوم أن يمتنع الإنسان مما حرمه الله تعالى عليه سواء كان ذلك مما يباح له فى وقت ويحرُم فى وقت، أومما كان محرماً - وهو من باب أولى - فى كل وقت كالغيبة وشهادة الزور والكذب وسماع المحرمات والنظر إلى المحرمات وسائر ما نهى الله تعالى عنه ، فإن قول النبى صلى الله عليه وسلم: « قولَ الزور والعمل به » يشمل كل قول محرم وكل عمل مُحرَّم. وأما تأثيرُ هذا على الصوم فهو يُنقِص الأجر بلا شك ؛ لأن مَن صام وحفظ صومه ليس كمن صام وأسرف على نفسه بألوان المعاصى والسيئات فإنه وقع فى خلاف ما من أجله شُرِع الصوم. وهل يَفسُد صومه بارتكاب المعاصى ؟ جماهير علماء الأمة وعامة الفقهاء من أصحاب المذاهب الأربعة على أن ارتكاب المعصية لا يُؤثِّر فساداً فى الصوم فلا الغيبة ولا النميمة ولا السرقة ولا الكذب , ولا النظر إلى المحرمات ولا سماع المحرمات ولا أكل المال بالباطل ولا غير ذلك من المنهيات يفسد الصوم ، لكنه يُنقِص الأجر بلا شك ولا ريب ؛ لأنه لم يحقق الغاية من الصوم خلافا لابن حزم.