لأن رمضان شهر يجمع بين العبادة والعمل بل والترفيه عن النفس بأجوائه وروحانياته وطقوسه التى نشأنا عليها منذ الصغر، فله فى نفس كل منا ذكرى ترتبط بشخص أو مكان أو ابتهال أو أكلة "بوابة الأهرام" حاورت السفير أشرف إبراهيم سفير مصر بالمغرب حول كيف يقضي "رمضان" بعيدا عن أرض الوطن عبر 5 محطات نتيجة لعمله الدبلوماسي فى عدة دول وأمنيته هذا العام. واعتبر السفير أشرف إبراهيم سفير مصر بالمغرب، أن شهر رمضان الكريم شهر مميز لكل دبلوماسي أو مغترب، فهو الشهر الذى نفتقد فيه كل العادات والتقاليد التي تربينا عليها كمصريين، فأي بلد يكون فيها الدبلوماسي منا حتى وإن كانت إسلامية، فإن العادات والتقاليد والطقوس الرمضانية تختلف عما تربينا عليه وتعودناه في مصر، فلرمضان مذاق وطعم آخر في مصر. وتابع السفير"تعودنا في طفولتنا وشبابنا في رمضان على سماع صوت الشيخ محمد رفعت قبل الإفطار وتواشيح الشيخ النقشبندى، وتناول الإفطار مع العائلة والأصدقاء، وقضاء أمسيات رمضانية جميلة في الحسين والسيدة زينب، حيث نتناول السحور مع الأصدقاء قبل أن نصلي الفجر في المسجد الحسين، وأضيف إليها في سنوات لاحقة الخيم الرمضانية". ويروى سفير مصر فى المغرب ذكريات البدايات فى العمل خارج الوطن، حيث كانت البداية في باريس فيما بين الأعوام 1992-1996، وكانت أول محطة في عمله الدبلوماسي في الخارج، حيث كان في بلد غير مسلم فبالتأكيد كان الإحساس بالشهر الفضيل مختلفا تماماً ، حيث نفتقد لسماع القرآن الكريم قبل الإفطار كما تعودنا في مصر، ونفتقد سماع أذان المغرب والذى نفطر مع كلماته، كما لم يكن هناك أي مظهر يدل على الشهر الفضيل خاصة في تلك السنوات وقبل التقدم التكنولوجى الذى حدث بعد ذلك من ناحية، وتنامي الجالية الفرنسية في فرنسا أيضا وحرصها على الاهتمام بالشهر الكريم، كذلك كنا نفتقد الجو الأسرى سواء على مائدة الإفطار أو حول التلفاز لمشاهدة فوازير رمضان أو المسلسلات الرمضانية خاصة وأن البث الفضائى وقتها لم يكن قد انتشر بعد. ولكن مع كل ذلك فكنا نحرص على أداء صلاة التراويح مع بعض الأصدقاء المصريين والمسلمين سواء في منزل أحدنا أو في مسجد باريس الكبير، كما كنا نتجمع عدة مرات في رمضان مع الأسر المسلمة الصديقة حول مائدة الإفطار حتى نشعر معاً بمسحة من الجو الرمضانى. وانتقل السفير أشرف إبراهيم بعد ذلك للعمل في نيروبي عاصمة كينيا، مشيرا إلى أنه رغم أنها ليست بلد مسلمة، إلا أن بها جالية مسلمة كبيرة سواء من الكينيين أو الهنود المقيمين هناك أو الجاليات العربية والإسلامية إضافة إلى جالية مصرية صغيرة ولكنها مترابطة بالإضافة إلى بعثة كبيرة من الأزهر الشريف، وقد ساعد كل ذلك في خلق جو رمضانى بنكهة مصرية، بالتأكيد لم يكن يعادل متعة وبهجة رمضان في مصر، إلا أنه يشعرنا كمصريين ببهجة رمضانية في إطار مصري، حيث كنا حريصين كجالية مصرية على الالتقاء في رمضان على مائدة إفطار أحد افراد الجالية وكان يصحبنا شيوخ بعثة الأزهر الشريف حيث يأم أحدهم صلاة التراويح، إضافة إلى دعوات الإفطار من الجاليات الكينية المسلمة والتي كنا نشعر فيها بالأخوة التي تربط بين المسلمين رغم اختلاف البلاد والعادات. وتحرص الكنيسة القبطية المصرية في كينيا على مشاركتنا فرحة شهر رمضان، حيث كانت تنظم الكنيسة إفطار رمضان للجالية المصرية بمقر الكنيسة إضافة إلى مشاركة الأقباط المصريين المتواجدين في كينيا في كافة تجمعاتنا للإفطار والاحتفال بشهر رمضان المبارك. ثم جاءت المحطة التالية في رحلتنا الدبلوماسية والتى كانت الأصعب في ما يتعلق برمضان، فقد كانت الجالية المصرية بوارسو عاصمة بولندا وهى صغيرة للغاية كما أن الجاليات المسلمة فيها قليلة ولا يوجد بها أي مظهر من مظاهر شهر رمضان المبارك، يضاف إلى ذلك البرد القارص، ومع ذلك كنا نسعى إلى تنظيم إفطار رمضان مجمع مع أفراد الجالية الصغيرة لنشعر بلمحة من الشهر الفضيل، ولكن تطور التكنولوجيا والبث الفضائى كان يهون علينا كثيراً ويشعرنا بجو مصر الرمضانى من خلال متابعة القنوات الفضائية المصرية. انتقلت بعد ذلك للعمل في كينشاسا كسفير لمصر في الكونجو الديمقراطية، وهو بلد إفريقى في وسط القارة، إلا أننا سعدنا بوجود جالية مصرية صغيرة ولكنها مترابطة، إضافة إلى وجود مراقبين عسكريين من الجيش المصرى في بعثة الأممالمتحدة وثلاثة من شيوخ الأزهر الشريف، وهو ما أتاح لنا خلق جو رمضانى مصري جميل، وكنا حريصين على إقامة صلاة التراويح بمقر السفارة يوميا وكان يشارك فيها العديد من دبلوماسي السفارات العربية في الكونجو، كما إننا كنا حريصين كبعثات عربية في الكونجو على إحياء الشهر الفضيل بشكل يتيح لنا جميعاً تخفيف غربتنا في شهر رمضان، وكنا نتبادل إقامة الأمسيات الرمضانية خلال الشهر الكريم في منازل السفراء العرب. ووصلنا إلى المحطة الحالية في مسيرتنا الدبلوماسية وهى الأقرب إلى مصر في الاحتفال بشهر رمضان المبارك وهى المغرب، وبالطبع فإن المغرب بلد عربى مسلم يحتفل بشهر رمضان احتفالا كبيراً ونجد فيه كافة الطقوس الإسلامية المعتادة في رمضان من صلاة وتعبد وصلاة التراويح والاستماع إلى القرآن الكريم والآذان، كما اعتدنا في مصر، وفى الحقيقة فإننى وللمرة الأولى في مسيرتى الدبلوماسية التي أعمل بها في بلد عربى وإسلامى، وبالطبع هناك تقارب شديد بين مصر والمغرب شعبيا واجتماعيا لأسباب تاريخية عديدة أهمها الفكر الصوفى المتجذر في الشعبين المصرى والمغربي والإسلام الوسطي المعتدل، والتأثير المتبادل بين الشعبين على مدى عصور طويلة، إضافة إلى تأثر الشعب المغربى بالثقافة المصرية. ومن أهم طقوس رمضان التي رأيتها هنا فى المغرب هي الدروس الحسنية التي يقيمها الملك محمد السادس ملك المغرب خلال شهر رمضان ويدعو إليها علماء المسلمين من كافة الدول الإسلامية لإلقاء الدروس الدينية وعلى رأسهم علماء الأزهر الشريف، ويدعى إليها علية القوم ورموز المجتمع المغربى وسفراء الدول العربية والإسلامية. ورغم التقارب الشديد بين العادات والتقاليد المصرية والمغربية في رمضان إلا أن هناك اختلافا رئيسيا يتعلق بالإفطار، فالشعب المغربى يتناول وجبة خفيفة جدا للإفطار تتكون من شوربة الحريرة والبيض والعصائر، ثم بعد صلاة التراويح يتناولون ما يسمى بالعشاء وهى الوجبة الرئيسية في رمضان، وقد وجدت أن الأسلوب المغربى مريح للغاية حيث لا تشعر بعده بالتخمة أو الامتلاء. ويتميز شهر رمضان في المغرب بالأمسيات الرمضانية والتي يتبارى المغاربة في إقامتها في رمضان وتبدأ بعد صلاة التراويح لتنتهى قرب آذان الفجر، وتتميز تلك الأمسيات الرمضانية بالكرم الشديد والترحاب من جانب المضيف. وأوضح السفير أن شهر رمضان العام الماضي كان شديد الخصوصية، حيث جاء في ظل إغلاق كامل في المغرب بسبب انتشار فيروس كورونا وتوقفت فيه كل المظاهر الرمضانية، الا أننا كأعضاء سفارة جمهورية مصر العربية وأبناء الجالية المصرية عملنا على التخفيف على المصريين المقيمين في المغرب والذين واجهوا صعوبات بسبب ظروف كورونا والإغلاق وفقدهم لمورد رزقهم حيث قمنا من خلال تبرعات أبناء الجالية المصرية وأعضاء السفارة بتوزيع بعض المعونات لتساعدهم على مواجهة ضرورات الحياة خلال شهر رمضان وما بعده. وأعرب سفير مصر فى المغرب عن أمنيته فى أن يرفع الله عنا هذا الوباء وأن تعود الحياة إلى طبيعتها ونعود للاستمتاع بشهر الصوم وممارسة كافة أنشطتنا المعتادة في رمضان وعلى رأسها صلاة التراويح، فالمغرب ما زال في إغلاق جزئي في شهر رمضان الحالي لمواجهة تفشى وباء كوفيد 19.