استبعاد مدير مدرسة اعتدى على مسئول عهدة في بورسعيد    المجلس القومي للشباب ببني سويف يحي ذكرى المولد النبوي الشريف    أحمد موسى: الرئيس السيسي يقدر العلماء وأهل العلم    الحق اشتري .. تعرف على خارطة استثمار الذهب الفترة القادمة    تعرف على أقل سعر لرحلات العمرة هذا العام    أديب عن محاولة اغتيال ترامب الثانية: سيحقق رقم قياسي    «بعد زيارة مدبولي».. عمرو أديب: العلاقات المصرية السعودية دائما قوية مبهرة وجبارة    احتجاج آلاف الإسرائيليين بعد تقارير عن اتفاق "ساعر" و"نتنياهو" على الانضمام للحكومة على حساب وزير الدفاع    الشرطة الفنلندية توقف 3 أشخاص يشتبه بتورطهم في أنشطة لتنظيم داعش    حزب الله يستهدف ثكنتين عسكريتين لجيش الاحتلال بصواريخ كاتيوشا    "الجارديان" تحذر بريطانيا من ارتكاب خطأ فادح ستدفع ثمنه "نوويا"    محسن هنداوي: تركت العمل في كرة القدم لشعوري بالظلم.. ومبادرة من رئيس غزل المحلة    كرة نسائية - رغم إعلان الأهلي التعاقد معها.. سالي منصور تنضم ل الشعلة السعودي    محسن صالح: كنت أتجسس على تدريبات المنافسين لهذا السبب    أحمد سليمان: الزمالك يدعم فتوح.. واللاعب خارج مباراة السوبر    "ريمونتادا" رايو فاليكانو تهزم أوساسونا في الدوري الإسباني    عضو الرابطة: الأهلي طلب تأجيل استلام درع الدوري.. واجتماع الأندية سيحسم شكل الدوري    صحة أسوان تنفي شائعة وجود مصابين بنزلات معوية لوجود تلوث بمياه الشرب    إصابة شخصين إثر تصادم دراجة نارية وسيارة فى بنى سويف    محامي أحمد فتوح: اللاعب خرج من محبسه ونبحث ذهابه لعزاء أسرة المتوفي    محافظ المنيا يشهد احتفالية الليلة المحمدية بمناسبة المولد النبوي    تكريم 100 طالب والرواد الراحلين في حفظ القرآن الكريم بالأقصر    الشوفان بالحليب مزيجا صحيا في وجبة الإفطار    بني سويف تدشن اليوم فعاليات المبادرة الرئاسية "بداية جديدة لبناء الإنسان"    سعر الحديد والاسمنت بسوق مواد البناء اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    رسميًا.. سعر الدولار اليوم مقابل الجنيه المصري قبل ساعات من اجتماع الفيدرالي الأمريكي    سعر الزيت والأرز والسلع الأساسية بالاسواق اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    تعرف على إحصائيات التنسيق الفرعي لمرحلة الدبلومات الفنية بمكتب جامعة قناة السويس    قطر: الإبادة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني مثال صارخ لتردي وغياب سيادة القانون    محافظ البحيرة تشهد فعاليات مبادرة «شباب يدير شباب» بمجمع دمنهور الثقافي    إبراهيم عيسى: 70 يوم من عمل الحكومة دون تغيير واضح في السياسات    الفوري ب800 جنيه.. أسعار استمارة بطاقة الرقم القومي 2024 وكيفية تجديدها من المنزل    نشأت الديهي: سرقة الكهرباء فساد في الأرض وجريمة مخلة بالشرف    «توت بيقول للحر موت» .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الثلاثاء 17 سبتمبر 2024    المنافسة بالمزاد على لوحة "م ه م - 4" ترفع سعرها ل 13 مليون جنيه فى 6 ساعات    الإعدام غيابيا لمتهم تعدى على طفلة بكفر الشيخ    مصرع طالب سقط من قطار في منطقة العجوزة    ننشر صور ضحايا خزان الصرف الصحي بإحدى قرى المنيا    أخبار 24 ساعة.. إتاحة رابط لتظلمات الدفعة الثانية بمسابقة 30 ألف معلم    وزير الثقافة يفتتح "صالون القاهرة" في دورته ال 60 بقصر الفنون.. صور    شيرى عادل عن الانفصال: أهم شىء أن يتم باحترام متبادل بين الطرفين.. فيديو    قرار من نقابة المهن التمثيلية بعدم التعامل مع شركة عمرو ماندو للإنتاج الفني    أحمد موسى: إحنا بلد ما عندناش دخل مليار كل يوم.. عندنا ستر ربنا    3 علامات تدل على أن الرجل يحبك أكثر مما تتوقعين    استشهاد 3 فلسطينيين جراء قصف الاحتلال منزلًا في مدينة غزة    دار الإفتاء: قراءة القرآن مصحوبة بالآلات الموسيقية والتغني به محرم شرعًا    د. حامد بدر يكتب: في يوم مولده.. اشتقنا يا رسول الله    حملة تضليل روسية لصالح اليمين المتطرف الألماني    وكيل صحة الإسماعيلية تبحث استعدادات مبادرة "بداية جديدة لبناء الإنسان"    المصري مهدد بإيقاف القيد، رد ناري من التوأم على هجوم المصري والتهديد بالشكوى في المحكمة الدولية    حدث بالفن| خطوبة منة عدلي القيعي ومصطفى كامل يحذر مطربي المهرجانات وعزاء ناهد رشدي    السيرة النبوية في عيون السينما.. الأفلام الدينية ترصد رحلة النبي محمد    أسعار سيارات جاك بعد الزيادة الجديدة    «أمرها متروك لله».. شيخ الأزهر: لا يجوز المفاضلة بين الأنبياء أو الرسالات الإلهية (فيديو)    حصر نواقص الأدوية والمستلزمات الطبية بمستشفى أبوتشت المركزي بقنا لتوفيرها    هيئة الدواء: ضخ 133 مليون عبوة دواء في الصيدليات    وحدة الرسالة الإلهية.. شيخ الأزهر يؤكد عدم جواز المفاضلة بين الأنبياء    تقي من السكري- 7 فواكه تناولها يوميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اختارته اليونسكو احتفالا بمئويته الثانية.. 2021 عام دستويفسكى فى العالم
نشر في بوابة الأهرام يوم 11 - 03 - 2021

أعلنت منظمة اليونسكو اعتماد عام 2021 عاما للروائى الروسى دستويفسكى (11 نوفمبر 1821 – 28 يناير 1881) احتفالا بالذكرى المئوية الثانية لميلاده، ليعود إلى صدارة المشهد الثقافى، ليس فى روسيا وحدها، بل فى العالم كله، حيث ترك أثرا كبيرا برواياته:"الإخوة كارامازوف، الجريمة والعقاب، الأبله، الشياطين، المراهق، المساكين".
كان دستويفسكى هو الأخ الثانى بين سبعة أبناء لطبيب جراح، سكير، وقد سكنت العائلة فى حى فقير، بالقرب من مستشفى للمجانين، وبيت لرعاية الأيتام، وكانا مصدرين دائمين لإبداعه، إضافة إلى تعرضه لنوبات صرع، بدأت حين كان فى التاسعة من عمره، لتفاجئه بعد ذلك فى فترات متفرقة من حياته.
لم يلتحق دستويفسكى بأية وظيفة، تناسب دراسته للهندسة، وأصدر فى بداية حياته عددا من الأعمال، كالمساكين والليالى البيضاء، قبل أن ينضم فى عام 1848 إلى جماعة ثورية، فقبضت عليه السلطات، وقدمته إلى المحاكمة، وصدر عليه حكم بالإعدام، كاد أن ينفذ، لكنه خفف إلى السجن مع الأشغال الشاقة، والنفى إلى سيبيريا.
بعد أربع سنوات من سجنه أفرج عنه، وألحق بخدمة الجيش، مبعدا عن بلاده، ولم يسمح له بالعودة إلى روسيا، إلا بعد عشر سنوات، استأنف بعدها كتاباته، وكان لتلك الفترة أثر كبير على صحته، لكنها زادت من قدرته على الإنتاج الأدبى.
وفى المرحلة الأخيرة من حياته أثمرت تجربته الإنسانية، نصوصا خالدة، تحدث عنها العالم، ثم ازدادت شهرته بعد الخطاب الذى ألقاه فى مراسم افتتاح تمثال الشاعر الروسى بوشكين، وحين توفى خرجت الحشود الكبيرة فى جنازته.
نشر أولى تجاربه عام 1846 بعنوان "الفقراء" ووصفت وقتها، بأنها أولى الروايات الاجتماعية الروسية، وحققت مبيعات كبيرة، ثم توالت بعد ذلك إصداراته، حتى غدا ظاهرة أدبية، يحكى عنها الجميع، على الرغم من رداءة أسلوبه كما يرى البعض وضعف صياغته، وهو الأمر الذى كان هو شخصيا يبرره، باضطراره للإسراع بنشر الروايات، لتسديد ديونه، لكن ذلك لم يؤثر فى عمق الرسائل الإنسانية، التى كان يرسلها فى نصوصه.
رجل من الجحيم
أثر الأدب الروسى فى حركة الأدب العالمية تأثيرا كبيرا، وظل دستويفسكى نجما فى سماء هذا الأدب، وكانت روايته "الجريمة والعقاب" درة التاج، فهى تطرح الجدل الأزلى حول الخير والشر، حول مرتكب الجريمة، والغصة التى تطارده، حول صرخة البرئ التى تظل عالقة فى الفضاء، حتى بعد رحيله.
وصفت "الجريمة والعقاب"بأنها رواية فلسفية ونفسية، وفى كل الأحوال فإنها روايته الطويلة الثانية، التى كتبها، بعد عودته من المنفى فى سيبيريا، وقد صدرت لأول مرة عام 1867، لتعبر عن مكنونات النفس البشرية وهواجسها وأحلامها وخطاياها، وكان فى الخامسة والأربعين من عمره، عندما أخذ فى كتابتها.
كان فى رحلة استشفاء خارج روسيا، واختار لها اسم «روديون رسكولنكوف» حين نشرت مسلسلة فى إحدى المجلات، وكانت فكرتها تراوده طوال سنوات، وهو فى سيبيريا، وقد كتب إلى أخيه الأكبر ميشيل، ينبئه بمساعيه للاتصال ببعض الأدباء الذين أنشأوا مجلات، وكيف أن أحدهم نقده مبلغا من المال، على أن يكتب قصة مطولة فى أى وقت يشاء، وهو يقول لأخيه إنه لن يكتب تلك القصة، التى تلوح فى خاطره، إلا بعد مغادرته سيبيريا.
ظل دستويفسكى سبع سنوات يفكر فى رسكولنكوف وجريمته، قبل أن يكتب فيها حرفا، كيف يحصل على المال لتحقيق غاياته، فلا يهديه تفكيره المريض إلا إلى ارتكاب جريمة، بقتل امرأة عجوز مرابية، وقد ارتكب الجريمة، بل ارتكب جريمتين، وحصل على المال، لكن شبح إثمه بقتل نفس بشرية يطارده، حتى يعترف بجريمته.
وصف أحد النقاد الروس دستويفسكى قائلا: «إن القارئ ليقف مندهشا من قدرته الفائقة على معرفة كل شيء، واختراقه ضمير شخص غريب عنه، فكثيرا ما نرى فى كتاباته صورة من تلك الأفكار التى تنزوى فى أعماق أنفسنا، ولا نبوح بها للصديق، بل لا نحب أن نجهر بها لأنفسنا».
يقول فى إحدى رسائله لأخيه:»يجب على المرء ألا يسرع، فلا يصدر غير الجيد، وقد كتبت أنت إلىّ من قبل تقول إنى كثير الغرور، إذ أحب أن أتقدم بقصة ممتازة، ولذلك أرقد فى صبر على بيض حتى يفقس ما هو جيد، فليكن، صدقنى إن الجهد ضرورى فى كل الأمور، كل أمر يتطلب جهدا كبيرا، وإنى مثلا أكتب كل منظر بمجرد ما يخطر لي، وأنعم به، ثم أعمل شهورا، بل سنوات، فى صقله وتحويره، واستوحيه أكثر من مرة، وأنعم بحبه، وأضيف هنا عبارة، وأمحو عبارة، وصدقنى إن المنظر يستنير دائما من هذا الجهد».
رحلة فى قطار
أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب ترجمة أنور إبراهيم لرواية «صيف فى بادن» للكاتب ليونيد تسيبكين، حيث يلتقى قراء هذه الرواية منذ الصفحة الأولى من الرواية، فى القطار المسافر إلى ليننجراد، ويكشف لنا المؤلف، استنادا إلى اهتمامه البالغ بوصف تفاصيل أحد الكتب العزيزة على نفسه، من خلال وصفه لغلاف هذا الكتاب والشريط الموشى بالرسم الذى يحفظ الصفحة للقارئ، أن هذا الكتاب القديم المهترئ تقريبا، هو طبعة من مذكرات أنا جريجوريفنا ديستويفسكايا زوجة دستويفسكى الثانية، استعاره «تسيبكين» من خالته التى تقتنى مكتبة كبيرة، وكان يضمر فى داخله رغبة دفينة ألا يعيده إليها.
بدأ المؤلف كتابة روايته عام 1977 لينهيها عام 1980، وقد سبق كتابة الرواية سنوات من الإعداد لها: العمل فى المكتبات، والتردد على الأماكن وثيقة الصلة بدستويفسكى وأبطاله، التقط الكاتب صورا فوتوغرافية للأماكن التى وصفها، إذا ما كانت قد وردت فى رواياته، كان “تسيبكين” هاويا للتصوير منذ شبابه، وبعد أن أنهى كتابة الرواية قدم ألبوم الصور إلى متحف دستويفسكى فى ليننجراد.
لم يكن القمار وحده ولا الإبداع والتدين هو الذى حدد الاتجاه الرئيسى فى تصوير حياة دستويفسكى فى هذه الرواية، لا يوجد فى الرواية أى شىء مختلق، وفى الوقت نفسه فهى رواية مبتكرة فى كل شىء، الأحداث مبنية حول رحلة إلى أماكن دستويفسكى ورواياته.
تسجل الرواية نبض التاريخ، وفيها نجد بوشكين وتورجنيف فى مشهد الجدل الحاد بينه وبين دستويفسكي، ونجد الشخصيات العظيمة التى مثلت النقيض الأخلاقى لمعايير الأدب السوفيتى فى القرن العشرين.
فور أن تنتهى من القراءة ستتساءل: ما الذى بإمكانك أن تفعله إذا كنت تحب دستويفسكى؟ وما الذى يمكن أن يفعله اليهودى وهو يعلم أن دستويفسكى لا يحب اليهود؟ كيف يمكن تفسير هذه المعاداة التى يعبر عنها شخص شديد الحساسية فى رواياته تجاه معاناة الناس؟ هناك قائمة طويلة من اليهود المتخصصين فى الدراسات الأدبية احتكروا تقريبا دراسة إبداع وتراث دستويفسكي، ومنهم تسيبكين (مؤلف هذه الرواية).
برغم عبقريته الروائية، فإن السوفييت كادوا يسدلون على أعماله الستار حتى عام 1956 وهو العام الذى هاجم فيه خروتشوف ستالين بضراوة، وبسبب حرصهم على عدم الإساءة بشكل علنى إلى الأقلية اليهودية، التى تعيش فى روسيا، لجأ السوفييت إلى حظر أية دراسة، تتناول اليهود فى كتابات دستويفسكي، فضلا عن أنهم تعمدوا عند نشر تراثه، حذف بعض الخطابات والإشارات التى تعالج المشكلة اليهودية فى هذا التراث.
ليلة وفاة دستويفسكى
فى عام 1920 ظهرت الطبعة الأولى من كتاب "لوبوف دستويفسكايا" بالألمانية، وعنوانه "أبى فيودور دستويفسكى" ليصدر بعد ذلك فى طبعات أخرى بالفرنسية والروسية، لقد وضعت ابنة الكاتب الأشهر أمام نفسها هدفا واضحا، هو أن تقدم للقراء حياة أبيها كاملة من الميلاد حتى الوفاة، وقد نجحت فى أن تبعث إلى الوجود الحكايات التى قصتها عليها أمها.
اللقاء الأول بينهما، خطبتهما، علاقاتها المتوترة مع أهل زوجها، السنوات الصعبة التى قضياها فى الخارج، الأحداث التى سبقت ميلاد لوبوف، ما حكاه أبوها لأمها عن طفولته، المعلومات ذات الطابع الحصري، التى يتعرف إليها القارئ هنا للمرة الأولى.
تحكى الابنة عن طفولتها وشبابها، عن والديها، وعن المحيط الذى عاشت فيه، وتكشف فى هذا الكتاب الذى ترجمه إلى العربية د. أنور إبراهيم، وصدر عن الدار المصرية اللبنانية، عن مشاهد من حياة أبيها، لم تكن معروفة إلا لأفراد العائلة، فالكاتب الكبير توفى فى عام 1881 وهو فى الستين من عمره، وكانت ابنته قد تخطت الحادية عشرة بقليل، لكن صورة الأب كانت مطبوعة فى ذاكرتها، فعندما كان يسافر للعلاج فى ألمانيا كان يتواصل مع أطفاله من هناك فى صورة خطابات، خصوصا أنه كان يعرف أن حياته لن تستمر طويلا على نحو جيد، كان يشعر بدنو أجله، ولذلك كان متعجلا فى نقل ولو قدر بسيط من خبرته الروحية لابنته وابنه الصغيرين.
هزت وفاة دستويفسكى المجتمع الروسى بأسره، وعلى الرغم من أنه كان مريضا منذ زمن بعيد، فقد كان موته بالنسبة لروسيا حدثا مفاجئا، وقع فى مرحلة صعود إبداعية جديدة، بعد بضعة أسابيع تماما من انتهائه من رواية “الإخوة كارامازوف” مات الكاتب الكبير فى شقة متواضعة فى المنزل رقم 5 حيث يقع الآن المتحف الذى يحمل اسمه.
تجمع نصف سكان بطرسبورج لوداع كاتبهم المحبوب المهيمن على عقولهم وأفكارهم، وعندما نقلوا النعش وبداخله جسد الكاتب، من البيت الذى لفظ أنفاسه الأخيرة فيه إلى الكنيسة، سار فى موكبه أناس من جميع الفئات، بلغ عددهم حوالى 40 ألفا.
فى يوم الدفن تجمع عدد هائل من البشر، حتى اضطرت الشرطة لوقف تيار القادمين بإغلاق البوابة، وقد كتب أحد النقاد: "يمكن القول بكل شجاعة إنه قبل ذلك اليوم لم تشهد روسيا على الإطلاق مثل هذه الجنازة".
وصف أحد الأدباء الحاضرين الابنة لحظة الوفاة قائلا:"اندفعت الفتاة نحوى وهى فى حالة شديدة من اليأس، تشبثت بيدي: "صل، أرجوك، صل من أجل أبى حتى يسامحه الله إذا كانت لديه ذنوب، ليغفر الله له"قالت ذلك بتعبير يخلو من نبرة الطفولة، لتنهمر من عيونها دموع هستيرية.
كانت تنتفض من شدة الارتعاش، وبالقرب من النعش، كانت تقف لتوزع الزهور والأوراق على من جاءوا لوداع إنسان، استطاع بكل دقة وحب أن يصف روح الطفولة، وعندما بدأوا فى إنزال النعش إلى المقبرة، مست الابنة مشاعر الجميع ببكائها، وهى تقول:"سامحنى يا أبى العزيز الحبيب الطيب سامحنى".
بعد ذلك بسنوات حكت الابنة عن الحلم المفزع، الذى تملكها بعد إنزال النعش إلى القبر، حينما أغلق الضريح بالأحجار، واختفى ركام المدفن تحت باقات الزهور، تقول: "كنت أحلم أن أبى لم يمت، وأنهم دفنوه حيا، وأنه كان فى حالة سبات، وأنه سرعان ما سيستيقظ فى قبره، وأنه سيصيح طالبا النجدة من حارس المقابر، ثم يعود إلى البيت».
تخيلت سعادتنا، ضحكنا، القبلات، والكلمات الرقيقة، التى ستغمر بعضنا بعضا، لم يكن عبثا أن أكون ابنة لكاتب، لقد ظلت الأحاديث حية بداخلي، وقد منحنى هذا الإبداع الطفولى متعة هائلة، على أنه بقدر ما كانت الأيام تمر، ثم من بعدها الأسابيع، انبعث العقل فى رأسى الطفولى، ليقتل كل الأوهام، ويلهمنى أن الإنسان لا يمكن أن يظل طويلا تحت الأرض، دون هواء أو غذاء، وأن سبات أبى قد طال أكثر مما ينبغي، وأنه ربما قد مات حقا، عندئذ فقط شعرت بألم الفراق".
بعد أن كتبت الابنة هذه السطور عادت لتعانى هذه المشاعر من جديد بعد مرور أربعين عاما تقريبا على هذا الحادث المأساوى، الذى سجلته وهى طفلة، فور وفاة أبيها، ثم عادت للكتابة على علبة سجائره:"28 يناير 1881 اليوم مات بابا فى التاسعة إلا ربع"لقد شطرت وفاة الأب حياة ابنته على نحو قدرى إلى شطرين غير متساويين وغير متكافئين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.