هو "عبد الهادي" الفلاح الشجاع الشهم الذى يعرض حياته للخطر من أجل الأرض والعرض فى فيلم "الأرض"، وهو أيضا "عبد الموجود" الفلاح المقهور الذى يقبل أن يقدم ابنه فداء لابن العمدة عمر الشريف فى فيلم "المواطن مصري". وهو الكفيف فى فيلم "قنديل أم هاشم"، والبصير بحقيقة التطرف والأفكار الرجعية فى مسرحية "أهلا يا بكوات". هو صاحب الاختيارات الذكية والتنوع المبهر فى أدواره، العملاق عزت العلايلى الذى رحل مؤخرا . عرفته عن قرب قبل 25 عاما عندما شرفت بكتابة إعداد إذاعى لمسلسل "الأمير والدرويش"، عن قصة الكاتب الكبير أحمد بهجت. ولعب العلايلى دور الأمير إبراهيم بن أدهم، بينما لعب الأستاذ محمود مرسى دور الدرويش الذى يقود الأمير المرفه إلى طريق الزهد والصلاح. كان النجم الراحل بسيطا إلى أبعد الحدود، يتحدث إلى تلاميذه، وأنا منهم، كأنهم زملاء وأصدقاء مقربون. وكان موسوعى الثقافة، لديه ذوق رفيع فى الأدب بأنواعه والموسيقى. سألته مرة عن سر عشقه للموسيقى ومعرفته بألوانها، فأجاب بأنه حرص على مصادقة موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وذات مرة كان مسافرا إلى باريس لتصوير مشاهد من فيلم فعرض على عبد الوهاب أن يشترى له ما يرغب فيه. وأعطاه الموسيقار ورقة بأسماء اسطوانات قديمة وحديثة بعضها لأغانى، وبعضها لمعزوفات موسيقية خالصة. فقرر العلايلى أن يشترى نسختين من كل اسطوانة، حتى يستمع لما يعجب عبد الوهاب، موسيقار الأجيال بالتأكيد ينتقى الأفضل. وبالمثل كان قريبا من عمالقة الأدب والفن، يحرص على مجالسة توفيق الحكيم ونجيب محفوظ ويحيى حقى ويوسف شاهين، الذى رأى فيه نموذج البطل المصرى الأصيل. ويقول عنه زميل الدراسة ورفيق رحلته الفنية القدير، رشوان توفيق للأهرام :"عندما علمت بخبر وفاته سقطت على الأريكة ومنعنى خالد النبوى، الذى هو بمنزلة ابن لى، من التوجه إلى المدافن خوفا على من عدم التحمل. العلايلى كان بجوارى يحتضننى عند دفن ابنى توفيق، وكان إلى جوارى فى دفن زوجتى، وكنا نتواصل تليفونيا باستمرار. وقبل وفاته بيوم واحد تحدثنا طويلا، وكان مرحا مداعبا كعادته. دخلنا معا معهد الفنون المسرحية، وتخرجنا معا وتم تعييننا مديرى أستوديو فى ذات اليوم بالتليفزيون فى 24 يوليو 1960 وبراتب 19 جنيها لكل منا. وقبل التخرج شاركنا فى فرقة مسرحية قامت بالجهود الذاتية، وأسسها عبد الرحمن أبو زهرة. فدفع كل منا ونحن طلبة مبلغ 25 قرشا اشتراكا شهريا، حتى نتمكن عند التخرج من توفير مبلغ 200 جنيه، فننتج مسرحية ونشترك فيها جميعا، وكان معنا حسن يوسف ودكتور أنور رستم وآخرون. وأضاف رشوان توفيق: "عمل العلايلى فى التليفزيون مخرجا ومعدا للبرامج التسجيلية الرائعة والتى طاف من أجلها جميع المحافظات. ولبراعة أسلوبه أعد مسرحيتين هما "شيء فى صدري"، و"ثورة قرية"، التى أخرجها حسين كمال فى أول تجربة فنية له قبل أن يتجه للسينما. ثم اشتقنا جميعا إلى التمثيل فذهبنا عزت العلايلى وفايق إسماعيل وأنا لمقابلة الدكتور عبد القادر حاتم ،وزير الإعلام وقتها بمقترح إنشاء فرقة مسرحية لموظفى التليفزيون وأعجب بالفكرة وطورها فصارت بداية مسرح التليفزيون". ويكمل متذكرا: " قدمنا مسرحية الأرض ولعب عزت دور الشيخ يوسف بقال القرية الذى لعبه بعد ذلك فى السينما عبد الرحمن الخميسى، ثم تبناه يوسف شاهين وأقنعه بخفض وزنه ورأى فيه نموذجا للبطل الوسيم بملامح مصرية أصيلة". أما المخرج الكبير عصام السيد، فيحكى للأهرام: " لم أكن أعرف الأستاذ العلايلى قبل مسرحية "أهلا يا بكوات" معرفة شخصية، وكان مقررا أن يقوم بدوره الفنان محمود ياسين. ولكن شاء القدر أن يتولى محمود ياسين رئاسة المسرح القومى الذى ينتج المسرحية، فاستشعر الحرج من تقديم الدور ورشح لى الفنان العلايلى بحب وحماس شديدين. وكنت متخوفا لما أسمعه من تدخل العلايلى فى عمل المخرج، ولكن بعد عدة بروفات جمعته بالفنان حسين فهمى لم أجد منه أى تجاوز وصارت بيننا جميعا مودة كبيرة " . ويكمل السيد حكايته مع العلايلى، قائلا: " ثم فوجئت فى يوم بمقال للأستاذ موسى صبرى فى الأخبار وفيه محاورة مع عزت العلايلى يتحدث فيها عن مسرحيته الجديدة ويقول إنه يعمل مع مخرج شاب ولكنه عبقرى. كان التعاون بيننا مثاليا وسافرنا لعرض البكوات إلى تونس ولقى نجاحا باهرا". ويضيف المخرج الكبير عن الراحل: "العلايلى على خشبة المسرح ممثل غير عادى كما تؤكد مشاهدتى له فى عروض "دماء على ملابس السهرة"، للمخرج نبيل منيب، و"تمر حنة"، مع وردة الجزائرية وإخراج جلال الشرقاوى، و"الشحاتين" أيضا للشرقاوى، وشارك فيها العلايلى فى البطولة صلاح منصور. وبالطبع الأداء الاستثنائى فى عرض "الإنسان الطيب"، مع سيدة المسرح سميحة أيوب وإخراج سعد أردش". وعن صعوبة دوره فى "أهلا يا بكوات"، يوضح عصام السيد أنه كان تجسيدا لشخصية جادة مؤمنة بأفكارها، فإذا لم يكن الممثل صادقا كل الصدق فى تجسيدها تحول الأداء إلى الخطابة والمباشرة، وهو ما لم يقع فيه العلايلى، مضيفا: "كنت أستمتع بمشاهدته فى الحوار الختامى، وفوجئت به ذات ليلة يعرج على خشبة المسرح ودخلت أطمئن عليه فى غرفته، فقال ابتكرت المشية العرجاء هذه لأننى فى المشهد السابق تعرضت للتعذيب، وطبيعى أن يترك التعذيب بعض آثاره. ودهشت لأنه أقنعنى أنا مخرج المسرحية بأنه يعرج بالفعل". سيظل بطلنا عزت العلايلى رمزا مضيئا من رموز الفن المصرى. عزت العلايلي وحسين فهمى والمخرج عصام السيد فى بروفات «أهلا يا بكوات»