قدم الكاتب هشام الخشن روايات من نوع خاص، فقد استطاع بأسلوب متميز أن يجعل من فكرة الذكريات محورا للأحداث، ومنحها دور البطولة الرئيسى فى «تلال الأكاسيا». بين تفاصيل مرسومة يبدأ رحلة إلى عالم خاص مفعم بالمشاعر، وتقنية فنية درامية عالية المستوى يصورها وكأنها شريط سينمائى يأسر خيال القارئ. يظهر ذلك فى أعماله «حكايات مصرية جدا» و « ما وراء الأبواب» و«7 أيام فى التحرير» و«آدم المصرى» و«دويتو» و«جرافيت» التى نافست على الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر» فى قائمتها الطويلة بدورة 2015، وأخيرا فى روايته الأحدث «شلة ليبون» التى تكشف عن تناقضات المجتمع وأوجاعه. كان لنا هذا الحوار مع الخشن حول رواياته وشخصياتها. هناك دائما ذكريات تكون مرتبطة بالأعمال الأدبية... ما أحّب هذه الذكريات إليك ؟ التجارب الأولى والإثارة حول بدايات النشر والتعرف على القارئ وآرائه فيما قدمت دون شك ذكرى تظل عالقة بالذات لو أن هذه البدايات ناجحة فتصبح حلوة المذاق دائمة الأثر. لكن أحب ذكرى لى تتعلق بروايتى الأولى «ما وراء الأبواب» كانت يوم استيقظت فى أواخر ديسمبر 2010 لأجد الراحل الدكتور جلال أمين وقد اختارها كأفضل ما قرأ خلال العام وذلك فى حديثه آنذاك مع صحيفة «الأهرام» الغراء ما سبب انشغالك بقضية النسيان والذاكرة كما عالجتها فى روايتك «تلال الأكاسيا» ؟ طالما اعتقدت أن النسيان من النعم التى حبانا الله بها. فلو الإنسان لا ينسى أى تفصيلة حياتية مر بها سواء حزينة أو مفرحة، لو كان هذا الحال لأصبحت حياة البشر غير محتملة. لكن حين يصبح هذا النسيان نتاج عرض مرضى وحين نفقد القدرة على استعادة ما نختاره من ذكرياتنا يصبح الألم شديدا سواء لفاقد تلك الذاكرة ولمن حوله. انشغالى بفكرة فقد الذاكرة والذكريات هو ما جعلنى أقدم على كتابة رواية تلال الأكاسيا وتناولها من خلال بطل مصاب بمرض الزهايمر. لماذا حققت «جرافيت» رد فعل قويا عن غيرها من الأعمال؟ لا أستطيع أن أميز ردود الأفعال لأحد أعمالى مقارنة بأعمالى الأخرى. «جرافيت» عمل فى الأساس يتمحور حول شخصية أيقونية فى تاريخ تحرر المرأة المصرية وهى العظيمة درية شفيق. نعم أستطيع أن أقول إننى مشغول بأوجاع المرأة ومسيرتها نحو التحرر والتى مازالت تواجه الكثير من العراقيل. أما فيما يخص التعايش بين الأديان فذلك أيضا موضوع محورى فى العالم الذى نعيش فيه بل هو موضوع محورى عبر التاريخ والحضارات فلا عجب ان يكون موضع اهتمام ليس لى فقط ولكن كالكثير من الكُتاب سواء فى الشرق أو الغرب لماذا تصر على تقديم الشخصيات النسائية كأبطال لرواياتك ؟ فى رواية «حدث فى برلين» كان شاغلى الأساسى معاناة البشر على يد بشر مثلهم ووجدت فى شخصيات الرواية النسائية سبيلى إلى تعضيد هذا الطرح. المرأة مشاعرها دائما أقوى من الرجل وتقديم مثل هذه المشاعر به ثراء يصبح مدادا بيد الروائى. اضيف إلى هذا أيضا أن بعض الاحداث لم تكن لتنال تعاطف القارئ لو أن من مر بها رجل وليس امرأة. لماذا اخترت أن يكون الغرب مسرحا لكامل أحداث رواية «آدم المصرى» ؟ الرواية فيها محور أساسى يدور حول موت الرحمة وتطبيقاته وقد كان هذا الموضوع أحد أسباب كتابتى للرواية. ولأن الموضوع فى هذه الحالة بعيد بعض الشيء عن عالمنا فى الوقت الذى هو موضوع مناقشات مجتمعية فى الغرب اخترت أن أطير بأبطال الرواية إلى هناك مع احتفاظى بكونهم جميعا إما من المصريين المهاجرين إلى إنجلترا أو من المصريين المولودين هناك. فى روايتك الأخيرة «شلة ليبون» ناقشت كثيرا من المتغيرات الاجتماعية التى أصابت المجتمع المصرى..ما الذى جذبك لذلك؟ أهتم جدا فى رواياتى بالتغييرات الاجتماعية التى مر ويمر بها المجتمع المصرى وقد تناولت ذلك فى أكثر من رواية. فى «شلة ليبون» ونتيجة أن زمنها ممتد من نهاية ثمانينيات القرن العشرين وحتى زمننا هذا ومن خلال تنوع الشخصيات فقد رصدت أحداثها عن طريق غير مباشر كثيرا من المتغيرات التى مرت بها مصر اجتماعيا؛ لذلك تنوعت شخصيات أبطالها فرسمت ورصدت نوعيات متنوعة من الشخصيات المصرية ذات الهموم شديدة المصرية مما أعطاها مذاقا أظنه قريبا من قلوب القراء. كما أن إسلوب التناول ربما كان جديدا إلى حد ما على القراء من خلال استخدام أوراق الكوتشينة فى مضاهاة مجريات حياتنا مما أضفى للرواية تمييزا حداثيا. ما هى آخر التطورات فى تحويل «شلة ليبون» إلى عمل سينمائي؟ حاليا يجرى تحويل الرواية إلى فيلم سينمائى من إخراج ساندرا نشأت، وسيكتب السيناريو والحوار تامر حبيب، وبالنسبة لأبطال الفيلم المقترحين حتى الآن كل من الفنانين أحمد عز، أحمد السقا، ماجد الكدوانى، ومنة شلبى، ومازال العمل مستمرا لاستكمال اختيار باقى أبطال الفيلم، حيث من المقرر أن يبدأ تصويره مطلع العام الحالى. من وحى الكثير من أعمالك، هل سيظل الصراع بين المختلفين وقود حياتنا ؟ هذا صحيح جدا وأنا فعلا منشغل بتلك العلاقة. وأجد أن انشغالى هذا صحى وطبيعى فى ضوء العولمة التى تحيط بنا وتقلب العالم بسرعة نتيجة التكنولوجيا وتحوله إلى قرية واحدة كبيرة. أسئلة كثيرة تطرح نفسها على مثل : كيف سنتعايش؟ هل سنصل كبشر إلى توافق تام؟ أم سيظل الصراع بين المختلفين هو وقود حياتنا؟ هل من الممكن أن تتزاوج الحضارات؟ وإن حدث ذلك ما نوعية المشاكل التى سيفرزها هذا التقارب الذى يكاد يصبح فرضا على المجتمعات المختلفة ولا يمكن تجاهله.