كان البعض يعتبر وجود الخلافات توابل تعطى الحياة الزوجية قبلة الحياة من حين إلى آخر وتقضى على الرتابة والملل، لكن الأمر لم يعد كذلك مع تزايد حدة الخلافات وغياب روح التسامح والاحتواء لدى الأزواج. وأصبح الحل هو الطلاق الذي سجل أعلى معدلاته فى مصر مما شكل خطرا حقيقيا يهدد مؤسسة الزواج. وفقا لأحدث إحصائيات صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فى أغسطس الماضي فإن حالات الطلاق زادت عام 2019 بمقدار 6.8 ٪ عنها فى 2018. كما سجلت أعلى نسبة طلاق فى الفئة العمرية من 30 إلى أقل من 35 سنة. هذه النسب المرتفعة للطلاق شغلت الرأي العام المصري من جمهور ومتخصصين حيث أرجع البعض أسباب الطلاق إلى السوشيال ميديا التى قضت على لغة الحوار والتواصل بين أفراد الأسرة. وتقول دينا حمدى مدرسة: إن السبب الرئيسي فى الطلاق حاليا عدم حل المشكلات التي تحدث مبكرا وتركها حتى تتفاقم، لأن كل طرف مشغول مع تليفونه وحياته الخاصة فى العالم الافتراضي بعيدا عن شريك حياته. بينما رأت سلمى «ربة يبت» أن العناد والندية بين الزوجين والتمسك بالرأي دون مناقشة ومحاولة كل طرف إثبات صحة رأيه من أسباب زيادة حالات الطلاق. حاولنا إلقاء الضوء أكثر على هذه القضية ومعرفة أسباب ارتفاع الطلاق خصوصا في سن الثلاثين كما أكدت إحصاءات جهاز التعبئة والإحصاء. الدكتورة داليا الشناوي دكتوراه فى علم النفس ومتخصصة فى الإرشاد الزواجى تقول:الزواج حاليا يتم فى سن متقدمة وبالتالي إذا ما تم يطلق عليه الطلاق المبكر ومن أسباب حدوث ذلك إما أن البعض تزوج بسبب تقدمه فى السن فلم يحسن الاختيار أو أن الزواج تم عن عاطفة دون وجود تصور للحياة بعد ذلك فيحدث أيضا طلاق مبكر.. أيضا هناك توجه نراه بين السيدات للأسف وهو أنه أصبح لديهم جرأة فى اتخاذ قرار عدم الاستمرار فى زواج به مشكلات وخلافات زوجية ولسان حالها يقول لماذا أقضى سنوات ثم أنفصل في حين يمكنني الانفصال مبكرا وتجربة حياة زوجية أخرى وفى كثير من الحالات لا تكون تلك الفكرة صائبة. وتضيف الشناوى: من أسباب الطلاق المبكر أيضا الخيانة الزوجية خصوصا الخيانة الإلكترونية مع التطور التكنولوجي ووسائل التواصل الاجتماعي.. وكل تلك الأسباب تجعل هناك إقبالا على الانفصال بوجه عام خصوصا فى هذه المرحلة العمرية التى ذكرها جهاز التعبئة والإحصاء ونحن منذ سنوات نطالب بتخصيص برامج تثقيفية إجبارية قبل الزواج وأن يكون هناك نموذج مقنن تُقدَّم فيه أساسيات الزواج وسبل الاختيار، على أن يدرس ذلك النموذج فى الجامعات ومراحل التعليم المتوسط.. لذلك علينا أن نضيف مواد تعلم الناس معنى الحياة الزوجية بدلا من تصعيب الأمور وتعقيد الزواج نفسه، بتكبيل الرجل بمطالب مالية. أيضا أتمنى أن يتم تقنين ظهور أولئك الأشخاص غير المتخصصين الذين يعطون النصائح عن الحياة الزوجية في وسائل الإعلام، وما يقولونه هو مجرد آراء وليست حقائق علمية، وللأسف هناك طبقات تأخذ هذا الكلام على أنه مقدس ويطبقونه فى حياتهم، وهو سبب الكثير من المشكلات التى يعانى منها المجتمع حاليا. التنمر ضد الرجل ويقول كريم الشاذلي الباحث فى العلوم الإنسانية والمتخصص فى التنمية البشرية : هذه الفئة العمرية التى ذكرت فى الإحصائية هى الفئة غير المستقرة فى عملها وهى الأكثر تضررا في ظل الظروف الحالية من الناحية الاقتصادية بسبب الوباء وتراجع فرص العمل وهذا بالتالي انعكس على الأزواج وأثر على أسرهم بطبيعة الحال لأن الرجل بطبعة لا يستطيع الفصل بين عمله وحياته الخاصة فإذا عاد إلى المنزل وهو يعلم أن عليه التزامات عليه الوفاء بها يشعر بالضيق والاختناق والزوجة أيضا تشعر بالضيق بسبب ذلك، ولأن الزوجين خصوصا الفترة الماضية كانا يقضيان الكثير من الوقت معا فى المنزل فى ظل وضع متوتر وقله النقود مما تسبب فى كثير من المشكلات وهذا أعتقد من أسباب كثرة حالات الطلاق الفترة الماضية. ويضيف كريم الشاذلى أن أكثر نسب الطلاق تحدث فى أول ثلاث وخمس سنوات من عمر الزواج بسبب سقف التوقعات المرتفع واختلاف الطبائع الشخصية بين الطرفين ولأن كل طرف الآن أصبح أكثر وعيا باحتياجاته النفسية والعاطفية ولم يعد يمتلك الصبر على أى شىء يراه تقصيرا من الطرف الآخر، وهذا لا يحدث فى مصر فقط بل فى كل الدول العربية، وللأسف النسب فى مصر هى الأعلى ومع ذلك الذين ينفصلون هم فقط من يمتلكون شجاعة اتخاذ القرار أو التهور فى اتخاذ القرار، فى حين أن بيوتا كثيرة فى مصر مازالت الحياة الزوجية مستمرة فيها من أجل الأبناء أو من أجل الحفاظ على المظهر الاجتماعي ولأنه ليس لديهم الإمكانات المادية التى يتطلبها الطلاق. وللأسف يوجد فى مصر طلاق عاطفى أكثر بكثير من أرقام الطلاق المعلنة والطلاق أصبح مشكلة عالمية ومؤسسة الأسرة أصبحت فى خطر حقيقي لأن القيم التي كانت تحكمنا لم تعد موجودة حاليا وعلى رأسها أن الإنسان أصبح وعيه برغباته كبيرا فوالدتى مثلا كان أقل شىء يرضيها بينما الزوجات حاليا لم يعد من السهل إرضاؤهن لأنهن أصبحن يفهمن حقوقهن ويطلبنها فلا بد أن يستوعب الرجل ذلك وكذلك نجد على الجانب الآخر هناك نغمة تنمر أصبحنا نراها ضد الرجل نعم نحن مجتمع ذكوري ومع ذلك لا يصح أن تكون كل أسلحتنا فى مواجهته أن نسبه وأن نكون مجتمعا نسويا كل دوره سب الرجل طول الوقت كما نرى على الشاشات ومواقع التواصل والبرامج، وعلينا أن نفهم أن الرجل لديه قيم ذكورية ورثها من المجتمع ولكى نفتت ذلك علينا تعريف الرجل بالمفاهيم النفسية والدينية والاجتماعية الصحيحة. ويضيف كريم الشاذلى أن الحل لتقليل نسب الطلاق فى المجتمع أن نتعلم ونعرف ويكون لدينا شجاعة تغيير أفكارنا ويكون لدينا المرونة لذلك، وأن نستعيد القيم الثابتة التي تربينا عليها من الصبر والتحمل وسعة الصدر، وعلينا معرفة أن الزواج علاقة مقدسة عند الله لذلك وصفها بالمودة والرحمة، ولا بد أن يكون هناك خطاب دينى ونفسى واجتماعي محترم وأنادى دائما بمنح الشباب «رخصة قيادة الحياة الزوجية» التى لا بد أن يحصل عليها المقبلون على الزواج، حتى نقلل من الخلافات التى تحدث بين الطرفين لذلك أرى أن هناك دورا كبيرا على الدولة ومنظمات المجتمع المدنى المشغولة بالسياسة وحقوق الإنسان، لأن ذلك من صميم هذه الحقوق. أزمة منتصف العمر ومن جانبها تقول الدكتورة سامية قدرى أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس :أعتقد أن ذلك بسبب ما يطلق عليه أزمة منتصف العمر التى تبدأ بين سن ال30 وال35 سنة، وفى هذه المرحلة قد لا يشعر البعض بأنهم حققوا طموحاتهم وأحلامهم، وفيها أيضا يكون الأبناء قد كبروا بعض الشىء، فيبدأ الزوجان يشعران بالفراغ العاطفي فيدخلان فى أزمة منتصف العمر، ويحدث فتور فى العلاقة الزوجية. وفى الثقافة المصرية هناك مفهوم خاطئ أنه بعد كبر الأبناء لا يكون للزواج جدوى فتحدث الفجوة، وكل طرف يعيش حياته كما يريد وبالطريقة التى يفضلها، وقد يكون من نتائجها حدوث الطلاق. وتنصح د. سامية قدرى بما يسمى بتنشئة الزواج بزيادة الوعى لدى الأجيال الحالية بأهمية الأسرة وحسن اختيار شريك الحياة وأن نعلم الشباب صورة صحيحة عن طبيعة العلاقات وأن الصور التى يروج لها الإعلام ليست هى الصور الحقيقية، وأيضا لا بد من وجود مؤسسات تقدم المشورة الأسرية كتلك الموجودة في كل دول العالم، فقد أصبحت ضرورة قصوى فى عالم أصبح كما يسميه علماء الاجتماع «عالم بلا روابط». وفي ظل هذا فإن رابطة العلاقة الزوجية هى أهم رابطة يجب الحفاظ عليها.