ينطلق "التيار الشعبي" رسمياً غداً في مؤتمر حاشد في ميدان عابدين في شكل تنظيمي جديد لم تعرفه الحياة السياسية في مصر من قبل، ولكن الأمل والهدف من ورائه هو تشكيل تنظيم سياسي واسع يضم آلاف المصريين من المنتمين، وغير المنتمين للأحزاب السياسية، ممن يؤمنون ب"مشروع وطني وأهداف ثورة 25 يناير" ويعملون على الأرض في الأحياء والقرى والمدن، وذلك في مواجهة تيار الإسلام السياسي الغالب حاليا وعلى رأسه جماعة الإخوان المسلمون. صاحب المبادرة والراعي الرسمي لتشكيل هذا التنظيم هو المرشح الرئاسي السابق حمدين صباحي، والذي يجمع المراقبون على أنه كان "الحصان الأسود" في جولة الانتخابات الرئاسية الأولى بحصوله على المركز الثالث بخمسة ملايين صوت مقارنة بمرشحي الإخوان والنظام السابق، الرئيس محمد مرسي وأحمد شفيق. فيما يلي مقتطفات من حوار أجريناه مع حمدين الصباحي في منزله البسيط الذي لم يغيره منذ أكثر من عشرين عاما. ** ما هي فكرة "التيار الشعبي" والهدف من ورائه؟ - أحد أعظم إنجازات ثورة 25 يناير هو أنها تمكنت من تشكيل كتلة تاريخية في مصر استطاعت تحقيق انجاز مهم جدا، هو إسقاط النظام القديم. هذه الكتلة كانت بالغة التنوع، وضمت فقراء وأغنياء، وكذلك مسلمين ومسيحيين، ورجال وسيدات، وسكان الريف والمدن. ومن ناحية المرجعية الأيديولوجية، فالأربع المدارس الأساسية في الحياة الفكرية العربية، بما فيها مصر كجزء من الوطن العربي، كانت موجودة: الإسلاميين والليبراليين واليساريين والناصرين. الفكرة الرئيسية وراء إقامة التيار الشعبي المصري هو كيف تقيم تنظيم يشبه الثورة، ويعبر عن هذه الكتلة التاريخية، وألا يكون مبنى على أيدولوجيا، بل مشروع للتغيير والنهضة، ويتبنى الأهداف الرئيسية للثورة و هي الحرية والعدالة الاجتماعية والاستقلال الوطني. ** لكن ما الخطأ في أن يتم إعلان التيار الشعبي كحزب، خاصة أن لكم جانبا تنظيميا؟ - التجربة الحزبية ضرورية للغاية، ولكن الحزب يؤدي إلى انتماءات في الأيديولوجية وعملية فرز تؤدي إلى تضييق هذه الكتلة. وهذا لن يفيد في مهمة اكمال الثورة او تحقيق اهدافها. الذي يفيد اكثر هو تشكيل كتلة مجتمعية واسعة، نحترم تنوعها، ولكنها تلتقي على عدة مشتركات. هذه المشتركات هي الدين والوطنية المصرية وأهداف ثورة يناير. ولكن إذا كان التيار سيضم أعضاء من أحزاب مختلفة، فلصالح من سيعمل هؤلاء، أحزابهم أم التيار؟ الأعضاء الحزبيون سيعملون للطرفين: حزبه والتيار الشعبي. هناك الآن مشروع للوطنية المصرية نريد للتيار الشعبي أن يكون تعبيرا عنه، وأن نقوم ببناء تنظيمي على المستوى القاعدي في القرية أو الحي، لأن فلسفتنا التنظيمية تبدأ من هنا. إذا لم يتم بناؤه هناك، فلن يكون هناك أمل أن يكون له قيادة في المركز أو المحافظة أو على مستوى القرية. **وماذا عن علاقتكم بحزب الدستور الذي يحمل مشروعا مشابها لكم. هل ستعملون سويا؟ - سنعمل سويا بالتأكيد، في التيار وكتحالف انتخابي. التيار الشعبي، بحكم أنه ليس حزبا أو جبهة، سيعمل مع شركاء رئيسيين، في صدارتهم الدستور. كما أن التيار الشعبي، كبنية تنظيمية، سيعمل في الكثير من القرى والأحياء، وسيكون بالتأكيد من بين أعضائه منتمون لأحزاب كالدستور والكرامة. ** ولكن كحزب سأكون راغبا في الحصول على النفع لي وتحت يافطتي؟ كما أن أنصار البرادعي سيدعون له، مقابل أنصارك. - هذه هي أهمية أن التيار الشعبي لا يكون حزبا، ولا يدخل في مجادلات من هذا النوع. نحن لسنا في حالة تنافس بل تكامل وتعضيد. لو تأملنا الموقف، سنجد لدينا مشروعين كبيرين مطروحين على مصر: مشروع للوطنية المصرية لإقامة دولة وطنية تقوم على الدين بتسامح، الوطنية المصرية بدون تقسيم، والثورة بأهدافها الكبرى، من ناحية، ومشروع إسلامي يحكم الآن، من ناحية أخرى. هذا الفرز بين مشروع وطني مصري عام، ومشروع لجماعات محددة منتسبة للإسلام السياسي، وليس كل الإسلام السياسي، هذان المشروعان سيدفعان الموجودين في مجرى تيار الوطنية المصرية إلى البحث عن صيغ متعددة لالتقائهم. هناك احزاب جديدة تقام، وهذا جيد، وأحزاب قائمة تزداد قوة، وهناك التيار الشعبي موجود كمشروع تنظيمي لا هو حزب ولا جبهة، ولكنه يعمل نوعا من أنواع تيسير لقاء أعضاء أحزاب متعددة على الأرض باعتبارهم شركاء متساويين في مجهود شعبي. **بقيادة حمدين صباحي؟ - لن أكون قائدا للتيار. أنا موجود فيه كداعية له ومؤيد له، ومطلقه، ولكن وضعي في التيار الشعبي سيكون مشابها لوضعي في حزب الكرامة. أنا عضو في التيار الشعبي وعضو في الكرامة، ولكن كما للكرامة رئيس، التيار الشعبي اختار مجلس أمناء وسينتخب رئيس لن يكون أنا. والقرار في المجلس التنفيذي سيكون في يد الشباب. بصراحة، أليس التيار الشعبي هو البنية التحتية لحملة حمدين للانتخابات الرئاسية المقبلة؟ هو أوسع بكثير من ذلك. لكي أكون دقيقا، ربما يكون الملائم لي كمرشح رئاسي ألا أشارك في اي عمل تنظيمي ولا أدعو لتيار شعبي أو غيره. الأكثر ملائمة لكسب الانتخابات أن أكون بالغ الاستقلال عن أي صيغة تنظيمية وحريصا على علاقات، في إطار تصوراتي ومشروعي السياسي، ودودة مع كل الناس. أنا رأيي أن اي مشروع تنظيمي عبء علي كمرشح وليس فائدة لي، بما في ذلك التيار الشعب. ** هل سيضغط التيار الشعبي على اللجنة التأسيسة للدستور لكي يتم إضافة مادة تدعو لانتخابات رئاسية جديدة بعد إقراره؟ - مفترض أن أي دستور جديد تنجم عنه انتخابات جديدة للسلطات التشريعية والتنفيذية، هذه هي القاعدة. اذا سرنا مع هذه القاعدة، ستكون هناك انتخابات. ولكن هناك آخرين يريدون وضع مواد استثنائية تمكن هذه المؤسسات من استكمال مدتها. ** لكن عموما التجربتين موجودتان، استكمال المجالس المنتخبة او انتخاب مجالس جديدة بعد الدستور؟ - بالضبط. في التقاليد الاثنان موجودان. ولكن يفترض أن القاعدة تكون أن تمكن الناس، بعد وضع أسس جديدة، أن تمكنهم من الاختيار بناء على هذه الأسس، خصوصا أن الدستور يتم إعداده في فترة تلي قيام ثورة في البلد، ونحاول فيها التوصل لصياغات جديدة تتعلق تحديدا بنظام الحكم، وعلاقات سلطة التشريع بسلطة التنفيذ. وهذا من المنتظر أن يؤدي إلى تعديل في الأوضاع الراهنة في مصر. ** وما هي المواد التي ستتمسكون بها في الدستور. هل النص على عقد انتخابات جديدة من ضمنها؟ - أهمها بالنسبة لنا الحرص على دولة وطنية ديمقراطية بها مساواة بين كل المصريين، التوزيع والفصل والتوازن بين السلطات، الحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حماية الحريات الرئيسية في البلد. ونحن مع أن تبقى المادة الثانية من الدستور كما هي بدون إضافة أو حذف. كما أننا لا ندعم مرجعية للأزهر لكي لا يكون لدينا سلطة ذات طابع ديني تتحكم في صياغة التشريعات. الكلام عن إجراء انتخابات رئاسية جديدة، من وجهة نظرنا، هو الأمر الطبيعي بعد دستور جديد. ولكننا نعتقد أن المصريين يحتاجون الآن إلى إجراء انتخابات البرلمان، على أمل أن هذا البرلمان اذا اتزن، وأخذ الجميع أنصبة تعبر عن قوتهم الحقيقية على الأرض، بما فيهم تيار الإسلام السياسي، سنكون قادرين على التوصل لبرلمان يحقق توازنا مع الرئيس اذا أكمل مدته. وهذا الكلام في صالح البلد. ** كيف سيواجه التيار الشعبي القوة التنظيمية لجماعة الإخوان المسلمون؟ أنت تواجه تنظيم عمره ثمانون عاما مقابل تجربتك الخاصة التي تزيد على العام بقليل؟ - أولا، الفرق في التصويت ليس ضخما رغم هذه الفوارق الهائلة في التنظيم والموارد البشرية. فالفارق بين ال 5 مليون صوت التي حققتها، وال 6 ملايين صوت لهم حق مرشح هذا التنظيم، لا يعكس مطلقا فارقا بين خبرة 80 سنة وسنة. كما أنه لا يعكس الفارق بين الآلة التنظيمية للإخوان بما فيها من طاعة، والموارد المالية بما فيها من تدفق، مقارنة بالإمكانات المحدودة التي كانت لدينا. هذا معناه أننا بدرجة من التنظيم، سنتمكن من حصد الأغلبية التي تؤيد هذا التيار. ** هل فوجئت بقرار مرسي إحالة المشير والفريق عنان للتقاعد، وتعتبره، كما البعض، أنه كان بمثابة هذه ضربة قاضية للقوى المدنية؟ - من كان يراهن على المجلس، ممكن أن يكون يرى ذلك، ولكنني لم أراهن مطلقا على المجلس العسكري. ولو كنت راهنت عليه، لم كنت لتحدثت عن خروج عادل. ولو راهنت عليه، كان أمامي فرص حقيقية في قضية الانتخابات للقيام بترتيبات كثيرة جدا. أنا حاولت اقدم الخطاب المحترم الذي يعبر عن الناس الذين منحوني أصواتهم. هؤلاء يريدون جيشا محترما لا يهان ولا تفتح معه معارك، كما يريدون احترام لحق الدم في هذا البلد. لا يمكن أن نقبل بأن يقتل أحد، ويترك المتهم بقتله بدون محاكمة عادلة. هذا هو الكلام المنطقي، وموقفي وقت الانتخابات واليوم وغدا. ** هل تخشى ما يثار حاليا حول ما يسمى بأخونة الدولة؟ - رأيي أن هذا البلد أكبر من أي طرف فيها. يستطيع الإخوان الاستيلاء على الدولة، ولكنهم بنفس الدرجة سيبتعدون عن الشارع. فالمزاج العام في مصر مزاج يكره الاستحواذ. وكلما رأى المواطنين جماعة ترى أنها أفضل من بقية المصريين، فإن ذلك يخلق عزلة بين هذه الجماعة وبين بقية الناس بشعورها بالتميز. **الإخوان بدأوا في استخدام الدين في كل شيء، هل تعتقد أن الشعب المصري سيصبر على الإخوان لأنهم يقدمون خطابا دينيا؟ - الشعب المصري يحترم دينه ويحبه. وهو غير مستعد لأن يتقبل أي إنجازات مهما كانت عظيمة من طرف غير مؤمن بدينه وثقافته. لكنه أيضا غير مستعد أن يقبل من طرف مؤمن مثله أن يقوم بظلمه اجتماعيا، أو ان يبقى فقير ومحتاج، ويمد يده، ويطلب منه أن يتقبل ذلك باسم الدين. الشعب أوعى من ذلك. المعركة سياسية وفي القلب منها تلات قضايا: العدالة الاجتماعية والديمقراطية والاستقلال الوطني. وأي رئيس يأتي لمصر، سيتم تقييمه بناء على هذه المعايير الثلاث. **وهل تعتقد أن الإخوان سيتمسكون بنفس السياسات الاقتصادية للنظام القديم؟ -أنا اعتقد إن الإخوان المسلمون، بحكم تكوينهم الفكري الأصلي، أكثر ميلا للفكر المحافظ بشكل عام، ورؤيتهم الاقتصادية تكاد تكون الوجه المتدين للنظام الذي أسقطناه. فهم يؤمنون بآليات السوق المفتوحة التي غالبا ما تنتهي الى إغناء الغني وإفقار الفقير. قد يقومون بإدخال تحسينات على هذا الأمر، ولكنها ستكون اقرب للصدقة منها لمنطق الحقوق للفقير. وهذا هو الفارق بين رؤيتنا لعدالة اجتماعية توجب أن تكون هناك حقوق نناضل من أجل أن ينص الدستور عليها، وما بين رؤية الإخوان. ** وما هي المعركة الرئيسية التي سيقودها التيار الشعبي في المرحلة المقبلة؟ - أنا رأيي ان أحد الصراعات الجوهرية في مصر الآن هي بين الأمل واليأس. هناك آمال عظيمة تفتحت مع الثورة، وإحباطات موجودة لدى قطاعات واسعة من المصريين الذين اكتشفوا أنه بعد أن تمكنت الثورة من تحقيق انجازات كإجراء الانتخابات واختيار أول رئيس مدني منتخب وتشكيل حكومة، اكتشفوا أن نفس آليات السلطة القديمة وأساليب علمها ومنهجها يعاد انتاجه، ولكن باسم مجموعة مختارة جديدة. في الماضي كانت الحزب الوطني، والآن أصبحت جماعة متدينة. مصر محتاجة وتستحق أفضل من ذلك، ورسالة التيار الشعبي هي أنه يجب أن يصر الناس على أن الأمل في تحقيق الأفضل الذي نحتاجه ونستحقه ما زال قائما، وهذه هي أهمية بناء تنظيمات قوية على الأرض تقوم بهذه المهمة.