تبدو فلسطين عبر التاريخ كجسد طويل ممتد يلاحقه الزمن بالطعنات، ويأبى الجسد إلا أن يكمل رحلته بالصمود. وربما لا يعرف الكثيرون أن السينما الفلسطينية تحتفل هذا العام بعيدها الخامس والثمانين. فأول فيلم أخرجه فلسطينى كان عام1935، حيث إبراهيم حسن سرحان هو رائد السينما الفلسطينية ومؤسس استوديو فلسطين. ويذكر حسان أبو غنيمة فى كتابه فلسطين والعين السينمائية رائداً فلسطينيا آخر هو أحمد حلمى الكيلانى الذى درس فى القاهرة قبل ان يعود لبلاده ليؤسس الشركة العربية لإنتاج الأفلام السينمائية عام 1945 لكن يظل أول فيلم روائى فلسطينى هو حلم ليلة إخراج صلاح الدين بدرخان عام1946. ومن رواد السينما الفلسطينية أيضا محمد صالح الكيالى الذى درس السينما بإيطاليا ثم عاد لفلسطين ليقوم بإخراج فيلم عن القضية الفلسطينية عام1947 بعنوان أرض السلام من إنتاج جامعة الدول العربية. ويقول تيسير خلف فى كتابه الاستثنائى دليل الفيلم الفلسطينى أن النكبة وضعت حدا لكل المحاولات التى هدفت إلى إنشاء صناعة سينمائية فلسطينية. ثم عادت السينما الفلسطينية للظهور مرة أخرى مع بدايات الكفاح المسلح عام1967 عبر وحدة أفلام فتح التى أشرف عليها المخرج مصطفى أبوعلي..لذا لم يكن غريبا أن يكون من بين شهداء معركة عينطورة عام1976 المصور السينمائى هانى جوهرية، ولاحقا استشهد المصوران عمر مختار ومطيع إبراهيم فى أثناء تصويرهما الاجتياح الإسرائيلى لجنوب لبنان عام1978. وفى عام1973 تأسست جماعة السينما الفلسطينية وأنتجت فيلما وحيدا هو مشاهد من الاحتلال فى غزة.. ثم قام قاسم حول بإخراج أول فيلم روائى تنتجه الثورة الفلسطينية هو عائد إلى حيفا.. ومع اندثار موجة الأفلام الثورية ذات الطابع المباشر، بدأت تولد من جديد موجة جديدة حفر خطاها الأولى المخرج الفلسطينى ميشيل خليفى بعد دراسته الإخراج السينمائى ببلجيكا.. ونقل الكاميرا من معسكرات الفدائيين إلى داخل البيوت الفلسطينية تحت الاحتلال.. ثم بدأت تتوالى أجيال السينمائيين الفلسطينيين حتى العصر الحالى وأبرزهم مى المصري، وعزة الحسن، ونزار حسن، وآن مارى جاسر وغيرهم.. لكن يظل الثلاثى ميشيل خليفى ورشيد مشهراوى وهانى أبوأسعد.. هم الذين جعلوا للسينما الفلسطينية مكانة مميزة فى سينما العالم. لم يترك السينمائيون الفلسطينيون شاردة أو واردة فى حياة شعبهم إلا وقدموها فى أفلامهم.. من مخيمات اللاجئين.. لوحشية المحتل الإسرائيلى ومذابحه.. لحماية التراث والتاريخ الفلسطيني.. أكثر من 300 فيلم روائى وتسجيلى قدمها أكثر من65 مخرجا طوال تاريخ السينما الفلسطينية كسلاح مقاومة غير مستهان به فى مواجهة الاحتلال، ولهذا يحارب الاحتلال الصهيونى السينما الفلسطينية بأكثر من وسيلة ومنها سرقة الجيش الإسرائيلى أرشيف الثورة الفلسطينية ومنها الأفلام عام1982 بعد أن سطت قوات شارون على مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير ببيروت.. ولهذا ففى الوقت الذى نحيى فيه صمود المقاومة الفلسطينية.. لابد لنا ألا ننسى السينمائيين الفلسطينيين الذين يكافحون هم أيضا لحماية شعبهم وأرضهم. ومن أهم الأفلام الفلسطينية فيلم 3000 يوم لمخرجة الأفلام التسجيلية مى مصري. وهى تعنى هنا مدة ثمان سنوات قضتها ظلما شابة فلسطينية بأحد السجون الإسرائيلية التى دخلتها وهى حامل وتصر على الحفاظ على حملها وتنجب الطفل فى السجن. وفى عنبر المناضلات الفلسطينيات، نرى أجمل اللحظات بينهن، حيث تتسابق كل منهن لكى تجعل السجن جنة بالنسبة للطفل. ومن الافلام المهمة أيضا فيلم يا طير الطاير للمخرج الفلسطينى الكبير هانى أبوأسعد الذى أخرجه عن حياة نجم الغناء الغزاوى محمد عساف الفائز بجائزة محبوب العرب. ونرى كيف أشعل عساف الأمل فى نفوس الفلسطينيين، ليقول الفيلم إن بأمكان طفل صغير من غزة قادر على الحلم أن يكون من نجوم الغناء فى العالم العربي. وهناك أيضا فيلم غريبة فى بيتى لشهيرة درباس ويقدم 8 لاجئين فلسطينيين يدلون بشهادتهم حول تدمير حى المغاربة بمدينة القدس ويتذكرون منازلهم التى احتلها الاسرائيليون, ويذهبون لتلك المنازل القديمة ويتحدثون مع الإسرائيليين الذين يقطنونها. ونذكر كذلك الفيلم الفلسطينى ملح البحر جاء كقصيدة شعر مليئة بالرثاء على ما وصلت إليه حال الفلسطينيين تحت الاحتلال الإسرائيلي.. والفيلم مستوحى من حياة المخرجة آن مارى جاسر نفسها حيث يحكى عن فتاة فلسطينية طردت أسرتها بعد نكبة 1948 وهاجرت للولايات المتحدة حيث تربت البطلة هناك، ويبدأ الفيلم بعودتها لبلادها وشعورها بالغربة فى وطنها. فالإسرائيليون يعاملونها كأمريكية والأكثر مرارة أن تاريخها يتم تدميره ومحوه بالكامل أمام اعينيها.