د. هالة مصطفى بدأ سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى ستجرى مطلع نوفمبر المقبل، واحتدمت المنافسة بين الرئيس الحالى دونالد ترامب مرشح الحزب الجمهورى والطامح إلى ولاية ثانية، و جو بايدن المرشح عن الحزب الديمقراطى الذى شغل منصب نائب الرئيس فى عهد الإدارة السابقة لباراك أوباما، وكان عضوا بالكونجرس لسنوات، وله باع طويل فى العمل السياسى، وإن لم يتمتع ب«كاريزما» كزعيم جماهيرى، ورغم ذلك أظهرت استطلاعات الرأى العام الأخيرة تفوقه على منافسه الجمهورى بنسبة تؤهله للفوز بمقعد الرئاسة. أسباب هذا التطور الذي يُعده البعض فجائيا، تعود فى مجملها لسوء أداء ترامب، خاصة فيما يتعلق بمواجهة أزمة وباء كورونا، وما خلفته من تداعيات شديدة السلبية على الاقتصاد، الذى يعتبر الورقة الرابحة المضمونة لاجتذاب أصوات الناخبين، وهى نفسها الورقة التى كثيرا فاخر بامتلاكها بحكم الإنجازات التي حققها على هذا الصعيد خلال الفترة الأولى لولايته، بالإضافة إلى تزايد أعداد الحوادث العنصرية التى اتُهم بالتحريض عليها بتبنيه خطابا يشيد بتفوق العرق الأبيض فى بلد يموج بالاختلافات الإثنية والعرقية والدينية، ومجتمع يعتمد فى الأساس على مجموعات هائلة من المهاجرين، ولا شك أن واقعة مقتل المواطن الأمريكي الأسود جورج فلويد على يد شرطى أبيض، وما تلاها من احتجاجات ضخمة عمت أغلب المدن كان لها أثر كبير نال من شعبيته، ناهيك عن تجاوزه لدور المؤسسات فى صنع واتخاذ القرار ما يُعتبر انتهاكا صارخا لقواعد واحد من أهم وأعرق الأنظمة الديمقراطية، بعبارة أخرى فإن التفوق النسبى لبايدن أتى في الأساس من عيوب شابت سياسة الرئيس الحالى بأكثر ما جاءت على خلفية مواقفه السياسية. فى المقابل، يشكك أنصار ترامب فى صحة تلك الاستطلاعات، كونها أجريت بمعرفة مراكز أبحاث وشبكات إعلامية مثل السى إن إن، وإيه بى سى نيوز، والواشنطن بوست وغيرها، مما عُرف عنها انحيازها التاريخى للديمقراطيين، ويضربون مثالا بما حدث فى انتخابات الرئاسة 2016 والتى روجت فيها نفس تلك المراكز لهيلارى كلينتون وتوقعت فوزها بفارق كبير، ومع ذلك آلت النتيجة النهائية لغير مصلحتها، وهو ما يعنى أن فرص ترامب مازالت قائمة. لا جدال أن سياسات الإدارة الراهنة باتت معروفة وستستمر فى حال الفوز بالولاية الثانية، وبالتالي فمن المنطقي التعرض لبعض أفكار المرشح الديمقراطي وأجندته المفترضة. جو بايدن هو مرشح تقليدى يعكس بامتياز مواقف حزبه الكلاسيكية، إذ ليس صحيحا أنه ينتمى للتيار التقدمى أو ما يُطلق عليه اليسار الراديكالى كما يصوره خصومه، أو مثلما كان الحال مع المرشح الديمقراطى السابق بيرني ساندرز، وبالتالى فإن آراءه ومواقفه لن تخرج عن خط الحزب الذى يراهن على إحياء النزعة «المثالية» وإعلاء القيم الأمريكية فى الحرية والمساواة وعدم التمييز، كما أرساها الآباء المؤسسون، وفى مقدمتهم إبراهام لينكولن الرئيس السادس عشر للولايات المتحدة والذي حكم في الفترة ما بين 1861 و1865 وقاد بلاده وقت الحرب الأهلية ثم دفع حياته ثمنا لتشريعه قوانين ضد العبودية والعنصرية، حتى أصبح رمزا لهذه المبادئ، وليست مصادفة أن اندلعت المظاهرات الشعبية المناهضة للتعصب العرقى الأسبوع الماضى فى ذكراه عند نصبه التذكاري والتي أيدها بايدن بقوة، واعتبرها ترامب على العكس من ذلك مدعاة للفوضى وانعدام الأمن، والأمر ذاته ينطبق على موقفه المساند للأقليات ودعمه للطبقة الوسطى ودفاعه عن دولة الرعاية الاجتماعية وتدخلها من خلال السياسة الضريبية لتحقيق العدالة بين جميع فئات المجتمع، وهو النهج الذي يصفه ترامب بالعودة إلى الاشتراكية. هذه السمات، وإن كانت تختص بالداخل الأمريكى، إلا أن بعضها ينعكس بالضرورة على السياسة الخارجية، خاصة فى الشرق الأوسط إذا ما عادت الإدارة الديمقراطية، وربما على رأسها تبنى أجندة نشر الحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان كقيم عليا، تعطى لها نوعا من التميز عن الإدارات الجمهورية، ومن ثم فالمتوقع أن هذا العنصر سيحدد علاقاتها بالدول الأخرى، لتصبح أداة من أدوات الضغط والتدخل فى شئونها الداخلية وفرض عقوبات عليها، بل قد تتم التفرقة بين جماعة الإخوان ووصفها بالاعتدال من ناحية، وتنظيمات الإسلام السياسي المتطرفة والإرهابية من ناحية أخرى، مثلما كان الوضع زمن إدارة أوباما قبيل وفى أثناء ما عُرف بثورات الربيع العربى. أما من الناحية الإقليمية، وتحديدا ما يتعلق بالدول غير العربية كإسرائيل وتركياوإيران، فقد تتغير السياسات نسبيا ولكن ليس بشكل مطلق، فبالنسبة للأولى ستستمر العلاقات القوية باعتبار أن الحزب الديمقراطى كان ومازال أكبر داعم لها، ومعروف أن اللوبى اليهودى الأمريكى كان بدوره يصوت تلقائيا له، وربما التصويت لترامب يعتبر الاستثناء من هذه القاعدة، صحيح أن بايدن تحدث عن اعتقاده فى حل الدولتين (فلسطينية وإسرائيلية) لكنه أكد أن هذا الموقف ينطلق من حرصه على أمن واستقرار الأخيرة، لذا فقد حرص على تأييد خطوة نقل السفارة الأمريكية للقدس كعاصمة لإسرائيل، ولم يتطرق فى وثيقته الانتخابية إلى حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية، ولا اتخذ موقفا صريحا من مسألة ضم مزيد من أراضى الضفة الغربية لمصلحة المستوطنات الإسرائيلية فى إطار تبادل الأراضى كما جاء فى الخطة الأمريكية للسلام رغم سخريته منها، وكأن الأمر لا يعدو مجرد المزايدة على خصمه الذى قدمها، حتى عندما تكلم عن احتمال عودة المساعدات للسلطة الفلسطينية ربطها بما تسمح به القوانين الأمريكية! وعن إيران، فالمرجح مثلما أشار أن يعود للدبلوماسية عوضا عن الصدام أو المواجهة العسكرية، ما يحمل معه احتمالات عقد صفقة جديدة معها فيما يتعلق فقط ببرنامجها النووى ليكون أشد صرامة من اتفاق (5+1) فى 2015 الذى ألغاه ترامب، دون أن يتطرق إلى سياساتها التوسعية فى المنطقة، وفى السياق ذاته، طالب بالإنهاء الفورى لحرب اليمن ووقف أى دعم أمريكى لها، خاصة ما يتعلق بمبيعات السلاح لدول الخليج، وهو ما يطابق موقف النواب الديمقراطيين فى الكونجرس. وفيما يخص تركيا، فقد وصف رئيسها أردوغان بالاستبداد، وأعلن عزمه مساندة المعارضة التركية ضده، لكن اللافت للنظر أنه لم يتعرض لدورها الإقليمى وزيادة تدخلها العسكرى فى أكثر من دولة وآخرها ليبيا. إذا كانت تلك هى قراءة للملامح العريضة لأفكار بايدن كرئيس محتمل، فإن التخوف الحقيقى الآن أن تستغل هذه الأطراف فترة الانشغال فى الانتخابات الأمريكية لتعزيز نفوذها على الأرض بما يضمن لها موقعا تفاوضيًا أفضل بعد ذلك، بغض النظر عمن سيجلس فى البيت الأبيض. * نقلًا عن صحيفة الأهرام