د. خالد بدوي عضو تنسيقية شباب الأحزاب والسياسيين لستُ خبيراً اقتصادياً حتى أُحدثكم عن تداعيات أزمة كورونا الجائحة؛ ولكني سأحدثكم من منطِق انسان يحاول ان يفهم ماذا يجري حوله؛ أو بالأحرى أنه يبحث عن اجابة لتساؤلاته المُلحة التي يواجهها يومياً في خِضم العُزلَة والتباعُد الاجتماعي الذي نُمارسه جميعاً في عالمنا. وسيبدوا لَك عزيزي القارئ انه سيكون حَتماً هناك نهاية لما يحدث حالياً في كل دول العالم؛ وهذا ان كُنت متفائلاً سيكون خلال أسابيع أو شهور قليلة قادمة؛ كما مرّت أزمات أخرى مُشابهة ولكنها ستترُك أثراً أو تصدعاً انسانياً واقتصادياً يبدوا صعباً. نَعم لن يكون العالَم قبل كورونا كما بعده؛ ستقاوم دول وستنهار دول وستتعافى دولاً أُخرى قبل قريناتها؛ وهذا كله تبعاً لآثار التضرر من الأزمة من حيث اعداد الوفيات والاصابات وحتى الإمكانات التي أُهدرت؛ ويبدوا ان أولويات التعافي ستختلف ايضاً بين الدول. وعلى صعيد التعاملات الانسانية أرى ان الامر بعد كورونا لن يعود لما كان قبل كورونا؛ كما أتصور ان العديد من البشر سيتخلّون عن بعض عاداتهم اليومية في مقابل تطبيق نظرية التباعد الاجتماعي حتى بدون داعي أو تهديد؛ ستتشكل اتجاهات جديدة لدي الانسان نتيجة تعرضه لضغوط العُزلة الإجبارية؛ وعدم التحرر من المسئولية المجتمعية؛ وستكون التعاملات في نطاق أكثر ضيقاً مما كان وأكثر حصراً مما بدا قبيل الأزمة الحالية. لنا في تاريخ تعرض العالم للأزمات الاقتصادية والوبائية والعسكرية عِبر نستذكرها في أزمتنا الحالية رُبّما تخفف من وطأة الصدمة بعد مرور هذه الأزمة؛ ومن الممكن ن نستذكر ايضاً نظريات التعافي لبعض الدول بعد الحرب العالمية الثانية مثلاً؛ وكيف تعرضت هذه الدول للهزيمة والتدمير وهي الآن في مقدمة الدول المتطورة؛ أو أن نستذكر مصير بعض الدول إبان ثورات ما يسمونه بالربيع العربي وكيف انهارت دولاً في أياما عدة. نظريات عديدة يمكن أن نحللها ونفسرها ولكني لستُ مُتنبئاً او عالم فَلَك أو من يؤمن بالأبراج والحّظ؛ بينما أجد نفسي مُستكيناً أمام المنطق والتحليل العلمي المدروس والقائم على التجربة والتطبيق؛ وأستطيع أن أقول أن العالم سيتأثر بشكل كبير جداً في محاور متعددة؛ ويمكن لأي شخص فينا تخمينها بحُكم وجوده على قائمة الأحياء في هذا الكوكب. أول ما سيتأثر به العالم ستكون العلاقات الاجتماعية وسلوكيات الافراد؛ بينما سيكون مصيرها محتوم بالتغيّر والاتجاه نحو الضِيق نوعاً ما؛ وسيكون التعامل أكثر من خلال السوشيال ميديا أو استخدام المنصات الالكترونية الأخرى؛ إلى جانب استعمال الخدمات الرقمية والتكنولوجيا؛ وسيتجه البشر إلى تطبيق نظيات التباعد الاجتماعي في نطاقات العمل والأسرة والممارسة اليومية. كما سنخرج من هذه الأزمة في مسيرٍ نحو مأرب حميد للتعافي من الملل والاكتئاب والركاكة التي عاشها الإنسان خلال الفترة الحالية. وعلي صعيد السياسة أتصور أن وطأة التفكير في الاصلاحات السياسية ستتلاشى بعد الأزمة؛ كما ستتلاشى اهتمامات السياسيين والقادة نحو إعادة ترتيب أوطانهم وفقاً لأولويات التعرض لسيناريوهات أكثر سوءً أو أشد حِدة؛ فلن يفكر العالم بعد الازمة في البحث عن قادة سياسيين بحجم ما سيكون مصير العالم محتوم بالاستعدادات الطبية كالقدرة على توفير جهاز للتنفس الاصطناعي او الاستعداد البحثي نحو الامصال واللقاحات المحتملة للأوبئة الأكثر انتشاراً في العالم. أما على الصعيد الدولي فستختل موازين القوى والتحالفات؛ كما ستتجه الدول إلى البحث عن معالجات للبنى التحتية التي فضحتها تداعيات هذه الجائحة التي فتكت بما يقرب من نصف مليون إنسان ويزيد. كما ستتلاشى العولمة تدريجياً نتيجة الانغلاق الحادث في الدول؛ وسيتجه العالم لصياغة سياسات جديدة نحو التكامل بين الدول في التكافل الصحي والاجتماعي وعقد بروتوكولات بين المؤسسات قائمة على تقديم الخدمات وليس احتكار السوق أو التوسع في الاقتصاديات الضخمة وسيطرة رأس المال. سيكون مصير العالم كله بعد كورونا كمصير الطفل الوليد؛ لا يعلم عن مستقبله شيئاً سوى أنه سيعيش على ظهر البسيطة مُسيراً بأقدار تفوق طاقة العلم والتطور والتسليح والانفتاح؛ وسيكتب عليه مواجهتها ولو بالصبر والعُزلة؛ لتتلاشى اهتماماته بالمادة في مقابل الانسانية وطباعها التي افتقدناها جميعاً؛ ولتظهر له اتجاهات أخرى أولى له ان يتبعها في مستقبله الغامض. [email protected]