تعد مؤسسات تلقى الشكاوى أو ما يعرف بديوان المظالم إحدى الآليات المهمة لحماية المواطنين من انتهاك حقوقهم وإساءة استخدام السلطة، إلا أنها لم تحظ بعد بالاهتمام الواجب والانتشار الكافى فى الدول العربية، برغم أن جذورها الأولى موجودة بعمق التراث العربى والإسلامى. ويقول محمد فائق، نائب رئيس المجلس القومى لحقوق الانسان والمنسق الإقليمى للشبكة العربية "الأمبودسمان"، إنه برغم أهمية الدور الذى تلعبه تلك المؤسسات فى نموذجها النمطى أو فى إطار المؤسسة الوطنية لحقوق الإنسان إلا أنها لا تحظى بالقدر الكافى الذى يتناسب ودورها فى مجال العدل والانصاف، كما لا تزال هناك بعض الالتباسات لدى الرأى العام بينها وبين مكاتب الشكاوى الحكومية. وتأخذ مؤسسات تلقى الشكاوى أسماء متعددة وأشكالا متنوعة ربما كان أكثرها شيوعا مكاتب "الأمبودسمان" على نحو ماهو شائع بشمال أوروبا "ومحامى الشعب أو المدافع عن الشعب" على نحو ما يطلق على بعض المؤسسات بإسبانيا والدول الناطقة باللغة الإسبانية أو "المفوض البرلمانى" بالمملكة المتحدة وسيرلانكا، "ووسيط الجمهورية" بفرنسا والدول الناطقة بالفرنسية فى الجابون والسنغال، "ولجنة الشكاوى" بنيجريا. وأخذت تالك المؤسسات أسماء متنوعة على الساحة العربية مثل "ديوان المظالم" بالمغرب "والموفق الادارى" بتونس "ووسيط الجمهورية" بموريتانيا وجيبوتى "وديوان الحسبة" بالسودان "ومكتب الشكاوى" بمصر. من جانبه، قال محسن عوض عضو المجلس القومى لحقوق الإنسان والذى أعد دراسة حول مؤسسات تلقى الشكاوى فى العالم العربى، إن مهمة تلك المؤسسات تتمثل فى تلقى الشكاوى المقدمة من الجمهور والتعامل معها اعتراضًا على قرارات وأفعال من جانب الإدارة وحماية الناس من انتهاك حقوقهم من إساءة استخدام السلطة أو الأخطاء أو الإهمال أو القرارات الجائرة وسوء الإدارة وذلك بغية رفع هذه المظالم وتحسين الإدارة العامة وإضفاء قدر أكبر من العلانية على تصرفات الحكومة واخضاعها والعاملين فيها إلى قدر أكبر من المساءلة من جانب الجمهور. وأضاف: يتم النص أحيانًا على تأسيس مؤسسة تلقى الشكاوى فى دستور الدولة ودعمه بتشريع قانونى وأحيانا أخرى تنشأ بقانون يصدره البرلمان، كما يتم اختيار رئيس تلك المؤسسة من جانب البرلمان أو من رئيس الدولة أو من رئيس الحكومة بالتشاور مع البرلمان. ويكمن حجر الزاوية بالنسبة لمؤسسة تلقى الشكاوى فى استقلالها عن الفرع التنفيذى والإدارى للحكومة والمحافظة على حيادتها ونزاهتها حتى تحظى تحقيقاتها بثقة كل من الجمهور والحكومة. وفيما يتعلق بالخبرة الدولية لمؤسسات تلقى الشكاوى، تشير الدراسة التى اعدها محسن عوض عضو المجلس القومى لحقوق الانسان، إلى أن تلك المكاتب تم تأسيسها باسم "الامبودسمان" وهى كلمة تعنى بالسويدية محامى الشعب وديوان المظالم بالسويد وذلك فى عام 1809 وقد احتاج الأمر لأكثر من قرن حتى انتقلت الفكرة إلى فنلندا حيث تم انشاء مؤسسة لتلقى الشكاوى فى عام 1919 ثم الدانمارك عام 1955،تلتها النرويج عام 1962 وقد اقتصر الأمر على دول شمال أوروبا حتى عام 1970 . وأضافت الدراسة أنه منذ عام 1970 وحتى عام 1985 تم تأسيس مثل تلك المؤسسات بعدد من دول الكمنولث البريطانى بنيوزيلاندا وكندا وأستراليا ودول غرب أوروبا وبريطانيا وفرنسا والبرتغال والنمسا وأسبانيا وهولندا. وأوضحت أنه اعتبارًا من منتصف الثمانينيات حظى نوذج مؤسسات تلقى الشكاوى باعتراف عالمى وانتشر فى أرجاء اخرى من العالم بالولايات المتحدةالأمريكية وأمريكا اللاتينية وإفريقيا ووسط وشرق اوربا ودول أسيا المطلة على المحيط الهادى وقفز عدد الدول التى أنشأت مؤسسات ديوان المظالم الى 21 دولة فى عام 1985 لأكثر من 100 دولة فى عام 2004. ولفتت إلى تزامن ذلك مع تأسيس عدد كبير من المؤسسات والمجالس الوطنية لحقوق الانسان الذى يتولى الكثير منها التعامل مع الشكاوى المشابهة كما هو الحال فى ، منوهة بأنه يرجع السبب الاساسى لطفرة إنشاء تلك المؤسسات لموجة التحول الكبير نحو الديمقراطية التى شهدتها الكثير من دول العالم، حيث لجأت الدول إلى إنشاء مثل هذه المؤسسات كجزء من عملية الإصلاح والتحول الديموقراطى ورغبتها فى الاصلاح وتحسين الإدارة الحكومية وإضفاء قدر أكبر من الشفافية والعلانية على تصرفات الحكومة وإخضاعها والعاملين فيها إلى قدر أكبر من المساءلة من جانب الجمهور.