دخلت المواجهة السياسية داخل الحزب العربي الناصري، مرحلة حرجة بالإعلان صراحة عن مواجهة مفتوحة بين جبهتي أحمد حسن، الأمين العام للحزب وسامح عاشور، القائم بأعمال رئيس الحزب ، فكلما أخذ طرف خطوة، يقوم الطرف الآخر بالرد عليها بصورة أكثر درامية. فخلال الأيام الماضية اشتدت قتامة المشهد السياسي داخل الحزب ، عندما فوض ضياء الدين داود ورئيس الحزب " المريض" سامح عاشور بالقيام بأعمال رئيس الحزب. الأمر الذي أثار احتقان قيادات كثيرة لديها تحفظات على أداء عاشور وطموحاته السياسية. حاول عاشور تثبيت الدور الذي منحه له داود، من خلال إضفاء سمة شرعية اعتقد أنها ضرورية ، فقام بعقد مؤتمر طارئ الجمعة، حشد له كل أعوانه ومؤيديه، لكن جبهة أحمد حسن حاولت قطع الطريق على القرارات المتوقعة، وأصدرت بيانا أكدت فيه خطأ هذا الاتجاه. ودعا حسن إلى إجراء انتخابات داخلية في فبراير المقبل، فى محاولة لتسكين الموقف وتهدئته حتى يتم ترتيب الأوراق الحزبية جيدا ، ويتمكن حسن من حشد أكبر عدد ممكن من القيادات الناقمة على عاشور ودوره الصاعد. فحسن هو القائم فعليا بأعمال رئاسة الحزب فى السنوات، التى اختفى فيها داود بسبب مرضه.. وهذا الدور ساعده على فتح قنوات سياسية مع جهات مختلفة، أدت حصيلتها إلى تعيينه بمجلس الشورى، وربما يكون ذلك هو السبب الخفى الذى جعل جبهة عاشور، تعلن تجميد عضوية الهيئة البرلمانية للحزب فى مجلس الشورى. بعد ساعات قليلة من إعلان جبهة أحمد حسن التعجيل بإجراء الانتخابات الداخلية، قرر المؤتمر الطارئ الذي عقدته جبهة عاشور تأجيلها لمدة عام، ويظل عاشور قائما بأعمال رئيس الحزب.. وهو ما جعل جبهة أحمد حسن ترد عليه مباشرة بتجميد عضوية سامح عاشور ومحمد أبو العلا وتوحيد البنهاوى فى كل هياكل الحزب. ترجع أحداث الصراعات القائمة حاليا بالحزب الناصري، إلى تفويض ضياء الدين داود رئيس الحزب لسامح عاشور النائب الأول له فى جميع الصلاحيات المخولة له كرئيس للحزب، وذلك للخروج بالحزب من الدائرة المظلمة التي يعيشها منذ فترة طويلة، سواء فى التوجهات السياسية أو الهياكل القيادية داخل الحزب. وقد رحبت جبهة الإصلاح بهذا التفويض ووقفت إلى جانب عاشور، على أمل ضبط أوضاع الحزب وعودته لممارسة دوره الغائب. ومن أبرز أسماء الجبهة: محمد أبو العلا ومحمود العسقلاني وتوحيد البنهاوي ، بينما رفضته الجماعة التي يقودها أحمد حسن، ومعه: الدكتور محمد سيد أحمد أمين الشئون السياسية بالحزب وأحمد الجمال، نائب رئيس الحزب وياسر حسن وعبدالسلام الألفى وفاروق عبدالوهاب. وتبنوا حملة داخل الحزب ضد تولي عاشور رئاسة الحزب، لأنه فى نظرهم لن يقدم جديدا ولن يخدم الحزب، بل يبحث عن مصالحه الشخصية، بعد فشله فى دخول البرلمان وسقوطه فى انتخابات نقابة المحامين. وفى رأى بعض المراقبين فإن الأحداث التي دخلها الحزب الناصري لها جذورها السياسية العميقة، حيث إنها جزء من حالة مرضية تعيشها معظم أحزاب المعارضة المصرية من خلافات وتراشقات واشتباكات مختلفة. وبصرف النظر عن أسبابها الحقيقية ودوافعها التنظيمية، فإن الأحزاب نفسها تتحمل جزءا كبيرا من المسئولية، سواء لعيوب فى هياكلها الداخلية أو لتقاعس فى أداء أدوارها السياسية، أو حتى لتصاعد الطموحات الشخصية وغلبتها على المواقف السياسية والحزبية. وفى اعتقاد خبراء متابعين للشأن الحزبى المصرى، فإن الحزب الناصري يعيش منذ ولادته قبل حوالى عقدين أزمة عميقة ، بسبب تعدد القيادات الناصرية ورغبة الكثيرين منهم في العيش داخل جلباب الرئيس الراحل جمال عبد الناصر.. الأمر الذي أدى إلى تشققات حزبية كبيرة وتباعد المسافات بين القيادات التاريخية، كان أكثرها وضوحا بين ضياء الدين داود وفريد عبد الكريم، حيث أعلن كل منهما عن تمثيله للتيار الناصري وتأسيس مقر للحزب المنتظر. لم تنته المواجهة السياسية باعتراف لجنة شئون الأحزاب بضياء الدين داود رئيسا للحزب العربى الناصرى، بل ازدادت المسألة غموضا عندما وافقت لجنة الأحزاب على حزب ناصري ثان، اسمه حزب الوفاق برئاسة رفعت العجرودي، لا يزال أيضا يعانى مرض الانقسام والخلاف. فى هذه الأثناء تفتت التيار الناصري إلى فرق شتى، ووزع على تيارات متباينة، وحاول حمدين صباحي، القيادي الناصري جمع شتات الناصريين من خلال حزب الكرامة تحت التأسيس ، لكنه فشل أيضا. وتحول الناصريون إلى زعامات وقيادات فردية دون غطاء سياسي يجمعهم أو لافتة سياسية تظللهم، تسمح لهم بممارسة دور سياسى فاعل وبصورة جماعية ومنظمة. ظهرت تجليات التفتت والانقسام فى الرسوب الكبير فى كل الانتخابات البرلمانية خلال السنوات الماضية ، وعدم الالتفاف حول قيادة - كاريزما تستطيع توحيد الصفوف وتعيد الاعتبار للتيار الناصرى، الذى كان يعول عليه كثيرون لتحريك المياه الراكدة فى المعارضة المصرية. ضاعف من المأزق غياب ضياء الدين داود عن الحزب لفترة طويلة لأسباب صحية، وهو ما أدى إلى المزيد من التشقق داخل جسد الحزب وارتفاع حدة الخلافات لدرجة غموض مصير الحزب فى هذه الفترة.. وعدم القدرة على توقع مصيره فى الفترة المقبلة، خاصة أن جريدة "الحزب العربى" مرشحة أن تدخل من باب الخلافات عقب إعلان عبد الله السناوى رئيس تحريرها استقالته أخيرا. فهل بهذا دخل الحزب الناصرى نفقا مجهولا، أم أنه لا تزال هناك بقايا من أمل فى رجل رشيد ينقذ الحزب من الانهيار؟.