على مدار 50 عاما، هي عمر المجمعات الاستهلاكية فى مصر تقريبا، وهذه المجمعات لم تذق طعم الاستقرار إلا قليلا .. يتوالى عليها المدراء، وتتواكب عليها الوزارات، تنتقل تبعيتها تارة من قطاع الأعمال إلى التموين وأخرى إلى قطاع الأعمال قبل أن ينتهي بها المطاف في قطاع الاستثمار، وبين الحين والأخر تفاجئنا عشرات القرارات الحكومية إزائها وتتوالى الأطروحات تارة ببيعها وأخرى بتأجيرها وثالثة بخصخصة إدارتها، ومازالت فصولها تتوالى بحثا عن نهاية منطقية ومع نهاية الشهر الماضي قرر المهندس رشيد محمد رشيد، وزير التجارة والصناعة والقائم بأعمال وزارة الاستثمار، تطوير نظام البيع بالمجمعات ليكون مقصورا على بيع السلع الأساسية فقط، والتى لايتعدى عددها 18 سلعة، بأقل الأسعار، وذلك ضمن خطة التطوير التى اعتمدتها وزارة الاستثمار منذ عامين بعد أن صرح بأنه ليس راضيا عن أداء المجمعات، لأن حجم المبيعات التى تحققها هزيل جدا خاصة فى سوق استهلاكي مثل مصر يقدر سنويا بحوالي 600 مليار جنيه، فى الوقت الذى أشارت فيه أرقام وزارة الاستثمار عام 2009 -2010 إلي أن المجمعات الاستهلاكية بكل فروعها حققت أرباحا قدرت ب11 مليون جنيه فقط. ويقول إبراهيم الدسوقى، نائب رئيس الشركة القابضة للأغذية ومسئول الجمعيات الاستهلاكية " خطة تطوير المجمعات الاستهلاكية بدأت منذ عامين، والمرحلة الأولى من خطة التطوير تستهدف 332 فرعا، وبالفعل تم تطوير 250 فرعا "، ويضيف " التطوير كان فى التجديدات وفى شكل الأفرع والتوسعات التى حدثت فيها وفى الثلاجات الحديثة وتدريب العمالة أيضا ". وقد ظهرت فكرة المجمعات الاستهلاكية فى الستينيات، عندما بدأت الحكومة بتأميم وتمصير بعض الشركات المتخصصة فى بيع السلع الغذائية كشركات تعبئة الشاى، وحققت أرباحا وصلت إلى 60 مليون جنيه، فقامت الحكومة بإنشاء الجمعية التعاونية الاستهلاكية التى أقامت أول مجمع استهلاكي عام 1961، لتصبح الآن 5 شركات مجمعات استهلاكية وهي " الأهرام، النيل، الإسكندرية " وشركتين جملة " المصرية للتجارة وهى تخدم الوجه القبلي وتضم فروع الجملة، والعامة للجملة وهي تخدم الوجه البحري وجزء من الإسكندرية "، ويصل عدد أفرعها ل 3225 فرعا للجملة فى مختلف المحافظات ويتعامل 1085 فرعا مع المستهلك مباشرة. وفى البداية طرحت المجمعات سلعها للمستهلك بأسعار مدعمة، وكانت طوابير المجمعات الاستهلاكية تزداد يوما بعد يوم، لكن ورغم ذلك الازدحام كان الفرد يستطيع أن يحصل منها على احتياجاته اليومية، ومرت السنون، وفى نهاية الستينيات وبداية السبعينيات كشفت الصحف عن عصابات المجمعات الاستهلاكية وأطلقت عليهم، آنذاك، " مافيا المجمعات الاستهلاكية" وهم بعض التجار الذين حصلوا على السلع المدعومة وقاموا ببيعها مرة أخرى فى السوق السوداء بأسعار مرتفعة، وكانت سياسة الانفتاح تبدأ بتثبيت أقدامها وخلخلة مفهوم الدعم، ومع بداية الثمانينيات ظهر مايسمى ب "دلالات المجمعات الاستهلاكية "، وفى تلك الفترة كانت تقوم الدلالات ببيع السلع المدعومة التى تحصل عليها عن طريق معارفها من بيض وسمن وأرز فى القرى والمحافظات بأسعار مرتفعة، ومع تلك المشكلات كانت تظهر مشكلة أخرى تتعلق بتبعية المجمعات الاستهلاكية ومن هي الجهة التى ستتولى الإشراف عليها؟ وفى التسعينيات بدأت المجمعات الاستهلاكية تتخلى عن دورها فى توفير سلع محدودي الدخل بالأسعار التى تناسبه، وأصبحت وسيطا لعرض وبيع سلع القطاع الخاص، بل وبدأت تنافس القطاع الخاص فى الأسعار المرتفعة، وكانت المجمعات فى ذلك الوقت تتبع وزارة قطاع الأعمال، وتجلت أزمة السكر الكبرى و أثير الكلام حول بيع المجمعات الاستهلاكية، إلا أنه تم التراجع عن الفكرة، وحققت المجمعات خسائر كبرى، وساد إتجاه حكومي ببيعها أو تأجيرها للقطاع الخاص، ثم انتقلت تبعيتها إلى وزارة التموين والتجارة الداخلية، وفى عام 1996 ظهرت مشكلة المجمعات الاستهلاكية و شركة "أيدج" فقد قامت وزارة التموين بعمل مناقصة عامة بين الشركات المتخصصة فى توريد السلع الغذائية للتعاقد مع الوزارة على توريد السلع المطلوبة، وإنتهت المناقصة بإسناد عملية التطوير إلى الشركة المصرية "إيدج" للتوزيع والاستثمار يمثلها رجل الأعمال عمرو النشرتي وأطلق الخبراء والاقتصاديين على تلك العملية " خصخصة الإدارة بالمجمعات " وهو مايعني احتفاظ الحكومة بالملكية وإشراف الوزارة عليها أما الإدارة للقطاع الخاص، وبالفعل بدأت عمليات التطوير حتى ظهور سلسلة سنسيبري ومشاركتها شركة أيدج فى المجمعات الاستهلاكية بشرائها 82% من الأسهم، وتمت إحالة القضية للنائب العام الذى تحفظ عليها لعدم وجود مخالفات فى العقد بين إيدج الشريك الرئيسي للوزارة وبين سنسبري وإيدج من جهة أخرى، وفسخت الوزارة العقد مع شركة أيدج ورحلت سنسبري من مصر فى عام 2000 مع حملات المقاطعة أثناء الانتفاضة الأولى . ويعلق الدسوقى " فى الوقت الحالي لا يوجد اتجاه لخصخصة الإدارة فى المجمعات الاستهلاكية، ولا حتى إسنادها للقطاع الخاص"، ويضيف " ولا توجد أى مشكلات حاليا فى المجمعات الاستهلاكية، والوزارة هي التى تتولى حملة التطوير، وقد شارفنا على الانتهاء من المرحلة الأولى للتطوير والتى تستهدف، أيضا إنشاء 112 مجمعًا منها 53 مجمعًا بالوجه القبلى و59 مجمعًا بالوجه البحري". ويضيف محسن زاهر، رئيس مجلس إدارة شركة النيل للمجمعات الاستهلاكية، " عندما نبدأ بالتطوير فلايوجد أى اتجاه للخصخصة نهائيا ". وفى عام 2000، ومع عودة المجمعات الاستهلاكية إلى وزارة قطاع الأعمال، حققت المجمعات خسائرا وصلت إلى 320 مليون جنيه، وأثير الكلام ، وقتها، عن أن سوء الإدارة من أهم أسباب الخسائر، وهروب الموردين الذين فضلوا عدم التعامل مع المجمعات بسبب تأخر صرف مستحقاتهم، أحد الأسباب كذلك، وظهرت مجموعات ضخمة من سلاسل سوبر ماركت مختلفة مثل خير زمان، أولاد رجب، كارفور وهايبر ماركت وغيرهم طرحوا أنفسهم بديلا للمجمعات الاستهلاكية، وقاموا بتقديم سلع مختلفة ومتنوعة وبأسعار تكاد تكون مقاربة لسلع المجمعات . ويقول زاهر: " لاتوجد منافسة بين المجمعات الاستهلاكية وسلاسل السوبر ماركت الأخرى، لأن المجمعات موجهة للطبقات الشعبية الكادحة، وهى تحافظ على أسعارها المدعومة للسلع التى تعرضها من لحمة وزيت وسكر وأرز وغيره، بينما السلاسل الأخرى موجهة لطبقات مستواها المادي مرتفع نوعيا، لكنها تتبع سياسات تسويقية فتقدم خصومات كبيرة فى بعض السلع والفرق يقوم المستهلك بدفعه فى سلع أخرى لايسري عليها الخصم، هى مجرد سياسة بيع ، فلا توجد مقارنة بين المجمعات وتلك السلاسل". ويكمل الدسوقي "وزارة الاستثمار بدأت الإشراف على المجمعات الاستهلاكية عام 2002، وتسلمتها الوزارة، وهي محققة خسائر وصلت لنصف مليار جنيه "، ويكمل " أما الآن الوضع تغير كليا وجزئيا وتوقفت الخسائر، والمجمعات الاستهلاكية الآن تحقق أرباحا .. لكن قليلة" .