عطفًا على احتفالنا بمولد نبينا متمم الأخلاق ومكارمها، خير من تجسدت فيه الخيرية للكون كله، وتواصلًا واتساقًا مع سيرته وأخلاقه السمحة المهجورة من الكثير منا - إلا من عصم ربي - حيث الناظر والمتأمل في واقع سلوكنا وتعاملنا معًا، يرى العجب العجاب، من تفشي الأخلاق المذمومة، بمجتمعاتنا المسلمة، من غيرة، وحسد، وحقد، وعدم حب الخير للغير، وغل، وبغض، وغلظة، وتدين شكلي مظهري، وحجاب لا يستر، بل يبرز عورات ومفاتن دون حياء، وأكل لحقوق الغير، وافتراء وكذب على خلق الله، وغيرها عافانا الله تعالى منها. وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ضجت منذ أكثر من أسبوع بالتهاني والمعايدات، تهنئة بمولد نبينا الحبيب "صلى الله عليه وسلم"، حبًا فيه، واحتفاءً واحتفالا به، لكن ما يحزنني أن يكون حبنا له، واحتفاؤنا به أصبح دربًا من الشكليات التي اعتدنا عليها في ذكرى ميلاده من كل عام، ذلك أننا بعدنا عن سيرته وأخلاقه التي جاء لنا وللبشرية كلها بها منقذًا وهاديًا وبشيرًا. أعلم يقينا أن كل واحد منا يحوي الكثير من الحكايات والنماذج العديدة، لأناس تسيىء للدين ولنبيها أكثر مما تسيىء لأنفسها ومن حولها، فصرنا نرى نموذجًا للبعض لا يعرفون لنسائهم حقًا إلا العلاقة الحميمية والمأكل والمشرب، ويتبارون فيمن ينجب أكثر من الآخر، حتى صارت زوجاتهم مرضى لا حول لهن ولا قوة، ترتع بأجسادهن وبأولادهن الأنيميا والوهن. ونسيىء لأقرب الناس إلينا ولمن حولنا والله تعالى يأمرنا: "ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ"، و" ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم"، ورسولنا صلى الله عليه وسلم يحذرنا: "من أحسن فيما بقي، غفر له ما مضى، ومن أساء فيما بقي، أخذ بما مضى وما بقي"، وكان بعض السلف يقول: "ما أحسنت إلى أحد، وما أسأت إلى أحد، وإنما أحسنت إلى نفسي، وأسأت إلى نفسي"، وكان الحسن البصري يقول: "إن المؤمن جمع إحسانًا وشفقة، وإن المنافق جمع إساءة وأمنا". وصار الحسد متفشيًا بيننا، حتى بات الأخ حاسدًا لإخوته أشقائه، والزميل لزميله، والجار لجاره، لا يحب الخير للآخر، ونسينا وغفلنا عن نهي ربنا سبحانه لنا عن الحسد قائلا: "أأَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ"، وقوله سبحانه: "وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"، ونحينا تعاليم رسولنا الحبيب "صلى الله عليه وسلم" جانبا القائل: "لَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَىٰ بَعْضٍ ۚ لِّلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبُوا ۖ وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِّمَّا اكْتَسَبْنَ ۚ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِن فَضْلِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا"، ومن مضار الحسد ما جعل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما يقول: (كل الناس أستطيع أن أرضيه إلا حاسد نعمة، فإنه لا يرضيه إلا زوالها)، وقال أبو حاتم في روضة العقلاء: (الواجب على العاقل مجانبة الحسد على الأحوال كلها، فإن أهون خصال الحسد هو ترك الرضا بالقضاء، وإرادة ضد ما حكم الله جل وعلا لعباده، ثم انطواء الضمير على إرادة زوال النعم عن المسلم، والحاسد لا تهدأ روحه، ولا يستريح بدنه إلا عند رؤية زوال النعمة عن أخيه، وهيهات أن يساعد القضاء ما للحساد في الأحشاء). وأضحى الكثير منا يحقد على من حوله، قريب وغريب ، ونسينا أيضا ضاربين بعرض الحائط ما روى عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنه قال: "قيل يا رسول الله، أي الناس أفضل؟ قال: كل مخموم القلب صدوق اللسان، قيل صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد"، وكان جابر رضي الله عنه يقول: "تعرض الأعمال يوم الإثنين والخميس، فمن مستغفر فيغفر له، ومن تائب فيتاب عليه، ويرد أهل الضغائن -الأحقاد- بضغائنهم حتى يتوبوا"، وغفلنا عن تحذير سيدنا عثمان رضي الله عنه لنا قائلا: "ما أسرَّ أحد سريرة إلا أظهرها الله - عز وجل - على صفحات وجهه وفلتات لسانه" أخلاق ذميمة دميمة كثيرة باتت سمتًا أصيلا في شخصيات وسلوكيات وأفعال الكثير منا - للأسف - حتى إن الذي لا ينطق عن الهوى "صلى الله عليه وسلم" حذرنا قائلا: "لا إيمان لمن لا أمان له ولا دين لمن لا عهد له"، وما سطرته إنما يأتي نبعا من قول رسولنا "صلى الله عليه وسلم": "من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم"، ولست بمعصوم من الذنوب، وليغفر الله لنا ما أسررنا وما أعلنا. ولنحذر أن نكون ممن قال فيهم فضيل: (في آخر الزمان قوم بَّهاتون، عيَّابون، فاحذروهم؛ فإنهم أشرار الخلق، ليس في قلوبهم نور الإسلام، وهم أشرار، لا يرتفع لهم إلى الله عمل)، ولنترفق بمن حولنا، ولندع الغلظة عن أخلاقنا وسمتنا، ولنرقق قلوبنا ونخشعها لله، ولله دره الداعية الإسلامي فضيلة الشيخ محمد مختار الشنقيطي حين يقول: "إن رقة القلوب وخشوعها وانكسارها لخالقها وبارئها منحة من الرحمن وعطية من الديان تستوجب العفو والغفران، وتكون حرزًا مكينًا وحصنًا حصينًا مكينًا من الغي والعصيان".. فاللهم أصلحنا وديننا ودنيانا وآخرتنا. [email protected]