سعر الذهب في مصر اليوم الأحد 29-9-2024 مع بداية التعاملات الصباحية    تصعيد مكثف.. تجدد الغارات الإسرائيلية على مدينة صور اللبنانية    طائرات الاحتلال تشن غارة جوية على مدينة الهرمل شرقي لبنان    حالة الطقس ودرجات الحرارة المتوقعة اليوم الأحد 29-9-2024    مصرع شخص صدمته سيارة نقل في سوهاج    "أسفة بعتك بأرخص تمن".. شيرين عبد الوهاب تعتذر لشقيقها    وزير الخارجية يوجه بسرعة إنهاء الإجراءات لاسترداد القطع الآثرية من الخارج    انفجارات عنيفة تهز مدينة ديرالزور شرق سوريا    الجيش الأردني: سقوط صاروخ من نوع غراد في منطقة مفتوحة    «الأهلاوية قاعدين مستنينك دلوقتي».. عمرو أديب يوجه رسالة ل ناصر منسي (فيديو)    شريف عبد الفضيل: «الغرور والاستهتار» وراء خسارة الأهلي السوبر الإفريقي    إصابة ناهد السباعي بكدمات وجروح بالغة بسبب «بنات الباشا» (صور)    أصالة ل ريهام عبدالغور: انتي وفيّه بزمن فيه الوفا وين نلاقيه.. ما القصة؟    ضبط 1100 كرتونة تمر منتهية الصلاحية في حملة تموينية بالبحيرة    الفيفا يعلن عن المدن التي ستستضيف نهائيات كأس العالم للأندية    أمير عزمي: بنتايك مفاجأة الزمالك..والجمهور كلمة السر في التتويج بالسوبر الإفريقي    رئيس موازنة النواب: نسب الفقر لم تنخفض رغم ضخ المليارات!    عاجل| «هاشم صفي الدين» بين الولاء لإيران وتحديات الداخل هل يكون خليفة نصر الله المنتظر؟    المنيا تحتفل باليوم العالمي للسياحة تحت شعار «السياحة والسلام»    بعد اغتيال نصر الله.. كيف تكون تحركات يحيى السنوار في غزة؟    أحدث ظهور ل يوسف الشريف في مباراة الأهلي والزمالك (صورة)    لافروف يرفض الدعوات المنادية بوضع بداية جديدة للعلاقات الدولية    نتنياهو: لا يوجد مكان في الشرق الأوسط لن تصل إليه ذراع إسرائيل    سحر مؤمن زكريا يصل إلي النائب العام.. القصة الكاملة من «تُرب البساتين» للأزهر    أول تعليق من محمد عواد على احتفالات رامي ربيعة وعمر كمال (فيديو)    "حط التليفون بالحمام".. ضبط عامل في إحدى الكافيهات بطنطا لتصويره السيدات    حكاية أخر الليل.. ماذا جرى مع "عبده الصعيدي" بعد عقيقة ابنته في كعابيش؟    مصر توجه تحذيرا شديد اللهجة لإثيوبيا بسبب سد النهضة    الصحة اللبنانية: سقوط 1030 شهيدًا و6358 إصابة في العدوان الإسرائيلي منذ 19 سبتمبر    الأوراق المطلوبة لتغيير محل الإقامة في بطاقة الرقم القومي.. احذر 5 غرامات في التأخير    القوى العاملة بالنواب: يوجد 700 حكم يخص ملف قانون الإيجار القديم    حدث في منتصف الليل| السيسي يؤكد دعم مصر الكامل للبنان.. والإسكان تبدأ حجز هذه الشقق ب 6 أكتوبر    أسعار السيارات هل ستنخفض بالفترة المقبلة..الشعبة تعلن المفاجأة    ورود وهتافات لزيزو وعمر جابر ومنسي فى استقبال لاعبى الزمالك بالمطار بعد حسم السوبر الأفريقي    «التنمية المحلية»: انطلاق الأسبوع التاسع من الخطة التدريبية الجديدة    راعي أبرشية صيدا للموارنة يطمئن على رعيته    برج السرطان.. حظك اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024: عبر عن مشاعرك بصدق    يوسف الشريف يبدأ تصوير فيلم ديربى الموت من داخل مباراة كأس السوبر.. صورة    نشرة التوك شو| أصداء اغتيال حسن نصر الله.. وعودة العمل بقانون أحكام البناء لعام 2008    "100 يوم صحة" تقدم أكثر من 91 مليون خدمة طبية خلال 58 يومًا    في عطلة الصاغة.. تعرف على أسعار الذهب الآن وعيار 21 اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    قفزة كبيرة في سعر طن الحديد الاستثمارى وعز والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الأحد 29 سبتمبر 2024    «شمال سيناء الأزهرية» تدعو طلابها للمشاركة في مبادرة «تحدي علوم المستقبل» لتعزيز الابتكار التكنولوجي    وزير التعليم العالى يتابع أول يوم دراسي بالجامعات    اتحاد العمال المصريين بإيطاليا يوقع اتفاقية مع الكونفدرالية الإيطالية لتأهيل الشباب المصري    تعرف على سعر السمك والكابوريا بالأسواق اليوم الأحد 29 سبتمبر 2027    «الداخلية» تطلق وحدات متنقلة لاستخراج جوازات السفر وشهادات التحركات    تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. تعرف على برجك اليوم 2024/9/29.. «الحمل»: لديك استعداد لسماع الرأى الآخر.. و«الدلو»: لا تركز في سلبيات الأمور المالية    سيدة فى دعوى خلع: «غشاش وفقد معايير الاحترام والتقاليد التى تربينا عليها»    ضبط 27 عنصرًا إجراميًا بحوزتهم مخدرات ب12 مليون جنيه    باحثة تحذر من تناول أدوية التنحيف    خبير يكشف عن السبب الحقيقي لانتشار تطبيقات المراهنات    كيف تصلي المرأة في الأماكن العامَّة؟.. 6 ضوابط شرعية يجب أن تعرفها    أحمد عمر هاشم: الأزهر حمل لواء الوسطية في مواجهة أصحاب المخالفات    وكيل صحة الإسماعيلية تتفقد القافلة الطبية الأولى لقرية النصر    دعاء لأهل لبنان.. «اللهم إنا نستودعك رجالها ونساءها وشبابها»    رئيس هيئة الدواء يكشف سر طوابير المواطنين أمام صيدليات الإسعاف    في اليوم العالمي للمُسنِّين.. الإفتاء: الإسلام وضعهم في مكانة خاصة وحثَّ على رعايتهم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يوسف شاهين بعد عشر سنوات من الرحيل.. حكايات لا تنتهي مع قبلة الانتحار
نشر في بوابة الأهرام يوم 27 - 07 - 2018

الذكري تبقي، بعد فناء الجسد، والإبداع يستمر علي الرغم من الرحيل، والحكايات لا تنتهي لمن يترك بصمته الخاصة في عمله، والمخرج الكبير يوسف شاهين من هؤلاء الذين تَرَكُوا ملامح بلادهم وملامحهم فيما قدموه، فامتلك الخلود بأعماله التي لن تموت، واليوم ال 27 من يوليو يكون قد مضي عشرة أعوام علي رحيل شاهين أو "جو" .
وهو مصري سكندري، من أصول مختلطة فالأم يونانية، والأب محامي كاثوليكي ولد في مدينة زحلة بلبنان، وهاجر إلي الإسكندرية مع بداية القرن التاسع عشرة، ولذلك جاءت نشأة شاهين في أسرة منفتحة ثقافيًّا علي العالم كله، من خلال معرفتها بأربع لغات، حيث كانت الأسرة تتحدث باللغة العربية والإنجليزية والفرنسية واليونانية، وداخل هذا الوضع كانت نشأت شاهين الثقافية، وحصل علي مبادئ الثقافة الفرنسية من خلال دراسته في المدرسة الفرنسية بالإسكندرية والمستمرة حتي الآن "سان مارك" بالمرحلتين الابتدائية والإعدادية، ثم نهل من الثقافة الإنجليزية من خلال التحاقه بمدرسة "كلية فيكتوريا" الثانوية والتي تخرج منها عام 1946.
ومن الثقافة الفرنسية ثم الإنجليزية، انتقل شاهين إلي ثقافة الليبرالية الأمريكية، عندما ذهب إلي ولاية كاليفورنيا لدراسة فن التمثيل بكلية "باسادينا"، وخلال دراسته قدم له والده كل ما يمكنه من دعم مادي، لكن بعد عام واحد طلب منه والده أن يعود بسبب أعباء المعيشه، وقبل أن يقرر شاهين ترك الدراسة في أمريكا فوجئ بأن والده أرسل له مبلغا أكبر من المعتاد، وعاد مجددا ليستكمل دراسته، وفى الشهر التالي أرسل له نفس المبلغ في المواعيد المحددة، وساعده ذلك على دراسة الإخراج والتمكن من الإلمام بتفاصيل المهنة وصقل موهبته، عن تلك الأموال اكتشف شاهين بعد سنوات، أنه مدين للجامعة بمبلغ 700 جنيه، لأن الجامعة أرسلت له هذه الأموال عن طريق الخطأ، ولولا هذا الخطأ ما كان شاهين ليستكمل دراسته في أمريكا.
ومع عودته إلي مصر وعمله مساعدًا في التصوير السينمائي مع مدير التصوير الإيطالي "ألفايس أورفانيلّي" قدم للمسرح مسرحيتين هما " The Magnificent Vanes" و "Ibsen's Love Comedy "، ثم خرج أول أفلامه السينمائية، والذي راهن فيه علي منح حسين رياض دور البطولة لأول مره ، ومنح دورا شاسعا في الأحداث للنجمة الشابة فاتن حمامة وذلك عام 1950 ، وكان عمره في ذلك الوقت 23 عامًا، وكان فيلم هي فوضي عام 2008 هو آخر أفلامه، والتي تنبأ من خلاله بثورة 25 يناير 2011.
وقد انشغل قلب شاهين في بداية حياته بالنجمة فاتن حمامة، وكان يريد أن يتزوجها بالفعل، ولكنه لم يستطع أن يصارحها بهذا الحب، وبرغبته في الزواج منها، وكان يتراجع خوفًا من رفضها لهذا الحب، وذلك قد يجعله تعيسا، لذلك فضل أن يكتم حبه، ويخفيه وهو يشاهد القصة العاطفية الملتهبة بين حبيبته والفنان الشاب عمر الشريف، بل وعمل على تنميتها بالقبلة التي أنهى بها فيلم "صراع في الوادي".
واحتفظ شاهين بسرّ الحب الخالد لسيدة الشاشة لأنها لم تبادله نفس الإحساس لكن حبها لعمر الشريف سبب له إحساسًا بالخيانة من صديقه الذي وضعه على أول طريق الفن، خاصةً وأنه كان سبب معرفتهما ببعضهما البعض، لدرجة أن يوسف شاهين حاول الانتحار وفشل بعد انتهاء تصوير الفيلم، وأعلن عن ذلك في لقاءات صحفية بنهاية ثمانينات القرن الماضي.
وبعد محاولته للانتحار ارتبط عاطفيًا ثم تحول الارتباط إلي زواج لنهاية العمر مع الفرنسية "كوليت فافودون" المولودة بالإسكندرية عام 1955.
ومرورًا بالعلاقات النسائية التي تركت أثرًا في يوسف شاهين كانت علاقته بالسيدة أم كلثوم والتي غلفتها بعض الغرابة، وبدأت عندما كرّمه الرئيس عبد الناصر، وأرادت كوكب الشرق رؤيته، فتحدث معه الكثيرون وقالوا له الست عاوزة تشوفك، وكانت إجابته الصادمة عليهم، "ما تعوز!.."
ومع الإلحاح المستمر ممن حوله، قرر شاهين أن يلبي رغبة أم كلثوم ويذهب إليها، وعندما تقابلا تحدثت معه فى كثير من الأمور العامة، حتي قاطعها قائلا: أنا هنا ليه؟، فقالت له أنها تريده أن يخرج لها أغنية، فسألها عن الأغنية، فقالت "طوف وشوف"، فرد عليها لها: هبلة أووى يعني، شوف وطوف والعجلة والمدخنة؟! دى أى حمار يعملهالك، فردت عليه قائلة: يابن المجنونة.
وعن ذلك يقول شاهين: من هنا بدأت أحبها وأحببت خفة ظلها وتركيزها وروحها المرحة، لدرجة أننى كنت أقول للممثلين تعلمّوا من إحساس أم كلثوم فى أغنياتها.
وخلال مسيرته الإبداعية قدم يوسف شاهين "أو - جو - اسمه الدارج منذ الصغر" للسينما 40 فيلما، وقام بتأليف 20 عملا، كما شارك في تجسيد بعض الأداوار ب 10 أفلام، في الفترة من عام 1950 وحتي 2008، وخلال ذلك المشوار الفني الكبير عبر شاهين عن العديد من المواقف السياسية بمعظم أفلامه، والتي جعلته في مواجهة سهام الإرهاب والتطرف، كما قدم نفسه وحكي تاريخه الشخصي في أربعة أفلام هي " إسكندرية ليه 1978، حدوتة مصرية 1982، إسكندرية كمان وكمان 1990، إسكندرية نيويورك 2004"، واستطاع في ثاني أفلامه ابن النيل عام 1951 أن يترشح لجوائز مهرجان كان السينمائي.
وعلي مدار حوالي نصف قرن استطاع شاهين أن يكون صوت السينما العربية، من خلال إنتاجه الغزير والمتنوع، وإنجازه في ذلك لا يختلف عما قدمه نجوم ومبدعي أمريكا والغرب لبلادهم من حيث القيمة الفنية والإبداعية، والتي كانت ظاهرة وواضحة في تعبيراته داخل معظم أفلامه عن ضمير بلده، فلقد وقف ضد الإمبريالية والأصولية على حد سواء، واحتفى بحرية الجسد والروح، ووهب حياته لوطنه وأصبح رمزًا له.
ولم يكن رمزًا فنيًّا إلا بعد أن قدم تاريخ مصر الحديث بصورته الحقيقية في جميع أعماله. ففي الفيلم الأول له "بابا أمين" قدم فيه مصر وهي مازالت مستعمرة إنجليزية عام 50، وبعد ذلك بعام قدم الحياة الريفية ليصل بها إلي العالمية في فيلم "ابن النيل"،وفِي عام 1952، قدم فيلمين هما "المهرج الكبير"، و"سيدة القطار"، وبالعام التالي قدم فيلمه "نساء بلا رجال"، أما في فيلم "صراع فى الوادي" عام 53 فاستعرض صورة الإقطاع المسيطر علي الحياة الريفية بصورته الحقيقية،وفي نفس العام أخرج فيلم "شيطان الصحراء"، ليتوقف عام قبل أن يقدم فيلمي "صراع في الميناء" و"ودعت حبك"، وفي عام 1957 قدّم "أنت حبيبي"،أما في عام 58 فاخترق الحاجز السياسي وقدم فيلم "جميلة أبو حريد" المناضله الجزائرية ضد الاحتلال الفرنسي، ولم يتناول قصتها من خلال رواه أو مؤرخين عرب بل تناولها في فيلمه عن قصة للكاتب الفرنسي "جاك فيرج"، والذي استعرض جميع تفاصيل وجوانب الثورة الجزائرية واحتفي بالمرأة من خلال شخصية جميلة.
وبعدما قدم المهمشين في الريف المصري، اتجه إلي المهمشين في المدينة، وظهر ذلك في فيلم "باب الحديد"، والذي يعتبر نقلة نوعيه في مسار شاهين حيث عرض الفيلم المشاكل الاجتماعية بعد ثورة 52، من خلال مثلث حب متفجر بين ثلاثة أفراد يعملون ويقطنون في محور السكك الحديدية المزدحم وسط المدينة.
أما النقلة التالية في إبداع شاهين فتتمثل في فيلم "صلاح الدين" عام 1963، حيث قدم فترة من تاريخ مدينة القدس ودفاع المسلمون عنها في القرن الثاني عشر ، ضد الحملة الصليبية المسيحية، وكان ذلك في هذا التاريخ رمزًا لملحمة الزعيم جمال عبدالناصر حول القومية العربية، وعلى الرغم من أنه مسيحي كاثوليكي، ولكنه قدم شخصية صلاح الدين كنموذج للسلام والتسامح الديني.
وفيلم "الناصر صلاح الدين" كان من المتفق عليه أن يخرجه عز الدين ذو الفقار، لكن المرض جعله يطلب من شاهين أن يخرجه إذا وافته المنية، ورفض شاهين وقال له ستحيا وتقدم الفيلم بنفسك، لكن كلمة القدر كانت أقوى، فقرر شاهين أن يقدمه وفاًء وتنفيذًا لوصية عز الدين ذو الفقار، ولكن بعد بعض تعديلات على السيناريو، وذلك بالرغم من مطالبة شقيق عز الدين بإخراج الفيلم.
وبعد الاقتراب من صناع القرار السياسي، كان التصادم مع السلطة الحاكمة، عقب إخراجه للفيلم الوثائقي "الناس والنيل" والذي يعرض خلاله مراحل بناء سد أسوان، والذي إنتج في بداية عام 1964 ولم ينته منه إلا عام 1968، ولم ير النور إلا بعد عشر سنوات في عام 1978، وكانت قضية الفيلم تتمحور حول أنه ابتعد عن تقديم السد علي أنه أسطورة وطنية، واتجه نحو تقديم صورة تأثير السد على حياة الأفراد والمجتمعات المحيطة.
وفِي عام 1965 قرر الذهاب إلي بيروت، وإخرج في تلك الفترة فيلمين موسيقيين من بطولة المطربة العظيمة "فيروز" والأخوان رحباني، هما "بائع الخواتم"، و"رمال من ذهب"، وخلال تصوير بائع الخواتم تعرض شاهين لكثير من المشاكل بسبب عاصي الرحباني زوج فيروز، والذي كان دائما ما يتدخل في الإخراج وإداء الممثلين، لأنه هو من كتب السيناريو بالفيلم، حتي وصل الأمر في مرة من المرات أن ترك شاهين اللوكيشن، وقرر ترك الفيلم بسبب تدخلات عاصي المستمرة، ووافق على العودة بعدما تعهد بعدم التدخل نهائيا في العمل مجددا، وكانت المشاكل وتضارب الآراء سببًا في عدم خروج الفيلم بالشكل اللائق.
وبعد عودته للقاهرة بواسطة من عبد الرحمن الشرقاوي عاد إلي مصر، ليقدم فيلمه العالمي الرائع "الأرض".
ومن بوتقة الفكر السياسي المغلفة بالألغاز ، قدم فيلم "الاختيار" عام 1970، وتناول فيه لغز جريمة قتل، ليطرح من الأحداث مفهوم الانقسامات الفكرية في مصر في أعقاب النكسة، وتلي ذلك تقدم فيلمه "العصفور" عام 1973، والذي منع لمدة عامين بسبب تناوله أوجه الفساد في المؤسسة السياسية.
وحاول من خلال الفيلمين إيصال أفكاره الاجتماعية والسياسية من وراء الكاميرا، وطرح خلالهما رؤيته لأسباب هزيمة 67، وبعد النصر قدّم فيلمه الهام "عودة الابن الضال" عام 1976، واختار ماجدة الرومي لبطولته، وسلط فيه الضوء على تسلط القوى المهيمنة على الساحتين السياسية والاقتصادية، وقمعها المستمر لطموح وأحلام أفراد الطبقة العاملة.
وقد اعتمد شاهين من ذلك الوقت على نفسه في تمويل أفلامه، خاصةً بعد توقف دعم الدولة له بسبب أعماله السياسية المنتقدة للنظام، وقام بتأسيس شركة إنتاج سينمائية باسم "أفلام مصر العالمية" عام 1972، لتمويل أفلامه بالمشاركة مع المنتجين الفرنسيين.
وأخرج في عام 1985 فيلمه "وداعًا بونابرت"، الذي تحدث فيه عن الاصطدام الثقافي مع الحملة الفرنسية على مصر ، وفي العام الذي يليه قدّم فيلمه "اليوم السادس"، من بطولة النجمة الفرنسية العالمية المصرية المولد "داليدا".وأثناء تواجده ببداية التسعينيات في فرنسا عرض علية مدير مسرح لكوميدي فرانسيز اختيار مسرحية لإخراجها بالموسم الصيفي لعام 1992، كان حنين شاهين لبداياته المسرحية ووافق علي الفور، وقدم مسرحية "كاليجولا" للكاتب "ألبير كامو".
وفي عام 1994 قدم فيلم "المهاجر" الذي طالما حلُم بتقديمه، وهو مستوحى عن قصة نبي الله يوسف، الأمر الذي صنع جدلًا واسعًا حوله، وتم منعه من العرض لاتهام المخرج بتجسيد نبي من أنبياء الله علي الشاشة.
وداخل هذا الجدل الكبير قدم شاهين في عام 1997 فيلم "المصير"، الذي تناول فيه بلغه عامية فترة حياة المفكر الإسلامي ابن رشد اثناء حكم الدولة الفاطمية للأندلس، وأعقبه بفيلم "الآخر"عام 1999، وقد اعتاد شاهين على استخدام الموسيقى والغناء كعنصرين أساسيين في جميع أفلامه، ومنح المطرب محمد منير لقب صوت السينما المصرية أو صوت شاهين، وقد بدأ منير السينما في فيلم حدوتة مصرية وقدم أغنية الفيلم المشهورة حتي الأن، وفِي فيلم المصير ظهر صوت منير من جديد وعبر عما يريده شاهين من خلال أغنية "علي صوتك بالغنا".
وكما تناول شاهين الشخصيات التاريخية القديمة وإلقي الضوء علي الشخصيات الحاكمة والإقطاعية والمتمرده، تناول سيرته الذاتية في رباعية أفلام متتالية، بدأها بفيلم "إسكندرية ليه" عام 1978، وكان هو الصبي يحيي في الأحداث والذي كان يحلم أن يصبح مخرجًا، وذلك في فترة الحرب العالمية الثانية ودخول الألمان الحدود المصرية واقترابهم من الإسكندرية، عام 1942 بينما كان السكان المحليون يخطفون الجنود البريطانيين أو يتوعدونهم بأن "هتلر سوف يحولهم إلى راقصات"، ويحلم يحيى بإخراج أفلام غنائية، كما تلتهب مختلف المشاعر غير المشروعة بين يهودي وشيوعي مسلم، وكانت المواجهة بين عم يحيى وجندي بريطاني شاب.
وعقب أن أجرى شاهين جراحة القلب المفتوح المُضنية، حول تجربته إلى فيلم سينمائي على شكل محاكمة حياة يحيى نفس اسمه في الفيلم الأول وذلك بفيلم "حدوته مصرية" عام 1982، وهو أكثر أفلامه غموضًا وشبها بالنمط الإخراجي لفلليني المخرج الإيطالي الشهير، وخلال أحداث الفيلم اتهم ضميره بخيانة مثالية شبابه، واستعرض علاقاته ومعالم مساره الفني على خلفية التحولات التي شهدتها مصر بعد الحرب.
وفِي فيلمه "إسكندرية كمان وكمان" عام 1990، قدم الخيال الموسيقى الاستعراضي، وتعرض لمشاكل صناعة السينما في مصر، وخلال الأحداث إضراب عن الطعام من أجل الديمقراطية.
وعبر عن حلمه بأن يكون له ابن في فيلم اسكندرية نيويورك عام 2004، من خلال قصة مخرج عربي عالمي يتم دعوته إلي إمريكا للحصول علي جائزة، وأثناء ذلك يفاجأ بإن له ابن، وخلال تلك الأحداث التي شاركت في كتابتها مع شاهين خالد يوسف كانت تستدعي ذكريات شاهين وعلاقاته النسائية أثناء فترة دراسته للتمثيل هناك.
وقبل ذلك وفي عام 1970 حصل على الجائزة الذهبية من مهرجان قرطاچ بتونس، وحصل على جائزة الدب الفضي في برلين عن فيلمه "إسكندرية ليه؟"، وبالإضافة لجائزة الدُب الفضي ، ترشح فيلم "المصير" عام 1997، للسعفة الذهبية بمهرجان كان، وحصل في نفس الدورة علي جائزة "إنجاز العمر" في دورة المهرجان رقم 50، وحصل على جائزة الدولة التقديرية في مصر أيضا عام 1994، وجائزة اليوبيل الذهبي لمهرجان كان عن مجمل أعماله عام 1997، وجائزة "فرانسوا شاليه" عن فيلمه "الآخر" 1999، ومنحته الحكومة الفرنسية وسام شرف من رتبة الفارس في 2006، وتم تكريمه كأهم مخرج في الوطن العربي بمهرجان السينما الدولي عام 2007.
وبعد 46 عامًا من تاريخيه الفني تم إطلاق اسمه على شارع في ضاحية "بوبيني" الفرنسية باسم يوسف شاهين، كما دُشّنت جائزة دولية باسمه في مهرجان سينما المؤلف بالرباط.
وبدأت الحالة الصحية لشاهين تنهار من مساء يوم 15 يونية عام 2008 اثناء إخراجه لأخر أفلامه، حيث دخل في غيبوبة بمستشفي الشروق، ثم انتقل علي اثرها إلي فرنسا بطائرة ألمانية خاصة ودخل للمستشفي الإمريكي في باريس ولكن لم يحدث تحسن في حالته حتي عاد للقاهرة وتوفى نتيجة نزيف دموي بالمخ في مستشفي المعادي العسكري، وكان ذلك في يوم الأحد الموافق 27 يوليو 2008، عن عمر 82 عامًا ودفن في مقابر عائلته بالإسكندرية، وكان مولده في 25 يناير 1926.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.