مهرجان الموسيقى العربية.. ريهام عبد الحكيم تتألق تحت قيادة الموجي على مسرح النافورة    محافظ الإسماعيلية يشهد احتفال العيد القومي (صور)    2 مليون زائر في الليلة الختامية لمولد السيد البدوي    تحرك برلماني بشأن قصور مركز المعلومات في أداء دوره المنوط به    الأزهر ينعي «شهداء المقاومة الفلسطينية» الأبطال    ماذا وجد بجانب جثمان السنوار؟    من" يحيى عياش" إلى يحيى السنوار ..أبرز قادة حماس الذين اغتالهم الكيان الصهيونى    حزب الله: خسائر إسرائيل بلغت نحو 55 قتيلا وأكثر من 500 جريح من الضباط والجنود    قبل بطولة السوبر المصري.. ماذا قدم قطبي الكرة المصري بصافرة الحكام المحليين    ضبط شخص يدير كيانًا تعليميًا بدون ترخيص في الدقي    إصابة 6 أشخاص في تصادم سيارتين على طريق بنها الحر    الحماية المدنية تسيطر على حريق هائل أسفل كوبري خزان إسنا الجديد جنوب الأقصر    دلالة على قوة مصر.. وزير الري الأسبق يكشف لمصراوي مكاسب أسبوع القاهرة للمياه    هل كان هناك قصة حب؟.. محمود شاهين يكشف حقيقة علاقته ب إلهام صفي الدين    دينا عن تعدد زيجاتها: "مش أكتر من تحية كاريوكا واتجوزت كتير عشان مصاحبتش"    "أسوان بتغني".. "الثقافة" تطلق فعاليات مهرجان الفنون الشعبية احتفالًا بتعامد الشمس (فيديو وصور)    نشرة التوك شو| تصفية السنوار وأصداء الافتتاح التجريبي للمتحف المصري الكبير    يد - انتصارات مصرية في دوري أبطال أوروبا.. وإصابة مرعبة    محمد فاروق: الاستعانة بخبير أجنبي لرئاسة لجنة الحكام «مشروط»    وزارة الرياضة: وجدنا مخالفات في بعض الاتحادات تم تحويلها إلى النيابة    ازدحام غير مسبوق على محطات الوقود تحسبا لرفع أسعار البنزين (صور)    البنك الدولي: ألبانيا تحافظ على نموها الاقتصادي في 2024    الإمارات تطلق مسرّع تكنولوجيا التجارة العالمية    لمدة 30 يوماً.. غلق كلي لنفق محمد نجيب أسفل الدائري الأوسطي    السجن المشدد 6 سنوات لعامل مدان بالإتجار في المخدرات بكفر الشيخ    النيابة العامة تذيع مرافعتها في قضية مقتل «رضيعة» على يد والديها| فيديو    بايدن يشكر الجيش الإسرائيلي على اغتيال السنوار    خاص| ماذا قال مساعد القائد العام للجيش السوداني عن الإسلاميين في السودان؟    تقرير أممي: ما يقرب من نصف فقراء العالم يعيشون في مناطق الصراع    استمرار غياب طارق حامد حتى نهاية أكتوبر    ثروت سويلم: جدول الدوري سيتم إعلانه كاملا.. وهذه التعديلات تمت في اللائحة    عيار 21 يقفز ريالين.. أسعار الذهب اليوم فى السعودية ببداية تعاملات الجمعة 18 أكتوبر 2024    ماكرون يدعو إسرائيل لوضع حد لعملياتها العسكرية في لبنان    الإندبندنت : هل يمكن أن يؤدى مقتل يحيى السنوار إلى إنهاء حرب إسرائيل فى غزة ؟    المتسابق موريس يبهر فريق برنامج كاستنج.. وعمرو سلامة: "هايل.. ايه الحلاوة دي"    حذف أغنية "ابتسمت" ل شيرين عبد الوهاب بعد طرحها بدقائق    المتسابقة شروق تخفق في مشهد "الأكشن" ببرنامج كاستنج.. وتعلق: "معرفش إيه اللي حصل"    بطريرك الروم الأرثوذكس يختتم زيارته الرسمية بقبرص.. صور    سعر الجمبري (جامبو ووسط) والسمك بالأسواق اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2024    سعر طن الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم الجمعة 18 أكتوبر 2024    مدن لها النصيب الأكبر من الأمطار .. بيان مهم بشأن حالة الطقس اليوم الجمعة (تعرف عليهم)    أشهر جزار في الدقي "سارق كهرباء".. ما القصة؟ (صور)    محمود فتح الله ل "تليفزيون اليوم السابع": الزمالك أكبر قلعة رياضية جملة متزعلش حد.. فيديو    محمد ممدوح: محمود عبد العزيز بكى بعد دوري ب«جراند أوتيل».. ومنى زكي مدرسة في التمثيل    فاروق جعفر: صعب نشوف بيراميدز وسيراميكا فى نهائى السوبر    أستاذ بجامعة الأزهر: هذه الأمور لتفوز بساعة الاستجابة يوم الجمعة    هل تزين المرأة بالرموش والاكستنشن جائز شرعًا؟.. أمين الفتوى يوضح    شهاب الأزهرى لقناة الناس: الانشغال بالرزق قد يبعدنا عن ما طلبه الله منا    حملة «100 يوم صحة» قدمت أكثر من 122 مليون خدمة مجانية خلال 77 يوما    رئيس الإنجيلية يهنئ الوزير عباس كامل بمنصبه الجديد    محافظ الدقهلية يشهد الجلسة الافتتاحية لورشة العمل "سلامتك تهمنا" (صور)    عضو ب«الشيوخ»: مؤتمر الصحة والسكان منصة مهمة لتبادل الخبرات والأفكار    بسعة 300 سرير.. تفاصيل مشروع المجمع الطبي للأطفال بمدينة 6 أكتوبر وموعد الانتهاء منه    انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الخامس لجراحة العظام بكلية طب الأزهر بأسيوط    «بداية جديدة».. توقع الكشف الطبي على 1301 حالة بكفر الشيخ    من هو رئيس المخابرات العامة الجديد خليفة عباس كامل؟    ترسيخ الهوية الوطنية في ندوة لبيت العائلة بأسيوط    تقسيم ذهب الأم بعد وفاتها: الأحكام الشرعية والإجراءات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أحمد صلاح الدين يكتب.. "رجل الحروف" في ذكرى أنطون تشيخوف
نشر في بوابة الأهرام يوم 16 - 07 - 2018

أرى دائما أن أنطون تشيخوف هو الأجدر بلقب "رجل الحروف"، كما يطلق الإنجليز على الأدباء، فهو رجل الحرف النابض، الصورة المثالية للأديب صاحب الحس المرهف، المحب المخلص، حتى سخريته اللاذعة ليست سوى تعبير صادق من رجل يرى ما لا يراه غيره، رجل يعشق الإنسان، ويحب أن يراه بحال أفضل. في كل مرة أقرأ كلماته أشعر بميلاد جديد. فهي تمنحني رؤية مختلفة لكل شيء، أصعد معه سلما حريريا ناعما نحو الخلود. معه عرفت كيف يمكن للانسان أن يبقى، أن يمحو فكرة الموت ويواصل الحوار مع الإنسان في كل مكان وزمان.
في خطاب إلى أنطون تشيخوف، طلب مكسيم جوركي من الله أن يمد في عمرتشيخوف حتى يدوم مجد الأدب الروسي، وعبر له عن محبته وتقديره وإعجابه قائلا: "أود أن أعبر لكم صراحة عن محبة كبيرة أكنها لكم منذ نعومة أظافري؛ أن أخبركم بكم المتعة التي تمنحنا إياها موهبتكم الفذة، تلك الموهبة الآسرة للروح، التراجيدية، البديعة دوماً، والرقيقة كذلك.ثم واصل "كم من لحظات رائعة عشتها مع كتبك، وكم ذرفت الدموع فوق صفحاتها، ويصيبني السعار كذئب وقع في فخ، ثم لا ألبث أن أضحك طويلاً وقد مس روحي الأسى".
وأكد جوركي أيضا، أن حضور تشيخوف يمنح أي إنسان شعوراً بالراحة والطمأنينة ويجعله أكثر صدقاً، وغالباً ما يتخلص الناس في حضرته من تلك الرغبة الرخيصة في استعارة عبارات جميلة، تلميحات ذكية من الكتب، على سبيل الوجاهة والظهور كمثقفي أوروبا. وقد كان تشيخوف ينزعج بشدة عندما يرى بني جلدته يحاكون الأجانب رغبة في التباهي، وكان يدفعه ذلك إلى محاولة تحريرهم من هذا القهر الذي يمارسونه على أنفسهم، ومحاولة التوصل إلى الوجه الحقيقي والروح الحية الأصيلة التي بداخلهم. ولا تروق لتشيخوف تلك الحوارات التي يتحدث فيها أحباؤه الروس عن الملابس المخملية في حين أنهم لا يجدون كسرة خبز تسد جوعهم. إنه إنسان صادق بسيط يحب كل ما هو أصيل، ويملك المقدرة على نقل هذه الصفات الجميلة للناس.
إن إبداع تشيخوف له سحر خاص، وشخصية متفردة، ليس مثل تالستوي أو داستيفسكي، فإنك تشعر مع قراءة تشيخوف أن هناك قدرا كبيرا من الحميمية ينشأ بينك وبين كلماته، لا يراوغك أو يضعك في حيرة، إنما يأخذك في رحلة بصحبة رجل نبيل يضع يده على معايب النفس الإنسانية، ويساعدك على اكتشاف ذاتك، دون أن تشعر بالغضب الشديد الذي يعتصر قلبه لكل ما أصاب النفس البشرية من فساد أو تشوه، ويحاول جاهدا أن يتماسك في وسط عالم صار الشر فيه سائدا. إن تشيخوف يحمل مفاتح الشخصية الروسية، بل سر روسيا بأكملها، وفي ذات الوقت تشعر وكأنه يخاطب الإنسان في كل مكان، وقد استطاع بهذه الصفات الإنسانية الراقية أن يصل للقراء في كل اللغات في أركان الأرض وعبر العصور المختلفة، حتى مع تغير العالم عدة مرات. ولم يقتصر تأثير تشيخوف الكبير على القراء والمثقفين، بل له تأثير عظيم على مبدعي المسرح والقصة والرواية في العالم أجمع، وهذا ما أكده الكاتب البريطاني الشهير برنارد شو، حين أكد عظمة تأثير تيشخوف عليه ككاتب مسرحي، وكما أشار أيضا انجمار برجمان إلى قدرة تشيخوف التي انعكست على صناع الفن في العالم. وقد أكد كاتب روسيا العظيم ليف تالستوي على أهمية تشيخوف وتأثيره الكبير في الأدب العالم، وليس في روسيا فحسب.
تشيخوف الذي ولد في مدينة تاجانروج الصغيرة، تمسك بمهنة الطب إلى جانب الأدب، وواصل علاج المرضى وكتابة القصص والمسرحيات. استخدم اسما مستعارا "انطوشا تشيخونتا"، ولكنه بعد ذلك استخدم اسمه الحقيقي. نقلته قصة "العسل البري" نقلته إلى العواصم الأوروبية من خلال الترجمة، وعرضت على المسرح بلندن. وحصل تشيخوف على جائزة بوشكين عام 1988 عن مجموعته القصصية "الغسق." وقام تشيخوف بمغامرة مفاجأة حين رحل إلى جزيرة سخالين في أقصى شرق روسيا. استهدف تشيخوف من رحلته إلى سخالين رؤية معاناة الناس والحياة الصعبة في هذه البقعة السوداء من روسيا، حيث كانت تلك المنطقة هي مكان الأشغال الشاقة ومنفى المغضوب عليهم من القيصر، إلى جانب أن جوها في منتهى القسوة. وقد كان لتشيخوف مساهمات إنسانية رائعة على مدار حياته، حيث قرر في وقت ما أن يمارس مهنة الطب بالمجان، وبنى عدة مدارس ومستوصفات للمحتاجين من الناس. إضافة إلى أنه قام بعمل شاق وقت انتشار الكوليرا وخدم الناس بكل ما أوتي من قوة. وعندما اشتد المرض بتشيخوف رحل إلى القرم ويالطا للاستشفاء، وفي تلك الفترة كان يستقبل عظماء الأدب والفن الروسي مثل تالستوي، شاليابين، رحمانينوف، جوركي، بونين.
ما لا يعرفه الكثيرون عن شخصية تشيخوف، أنه كان دائم المرح، يسخر من كل شيء، رغم كل العناء الذي مر به في حياته. وقد غادر دنيانا بكل كبرياء وعزة نفس وبساطة دون ضجيج. عاش حياة قصيرة جدا، فقد مات في سن الرابعة والأربعين، لكنه ترك تراثا خالدا للعالم أجمع، وليس لروسيا فحسب. وقد كتب عن تشيخوف المئات، وربما الآلاف من الكتب، سواء من معاصريه أو ممن جاء بعده، في روسيا والعالم. وقد صنعت هذه الكتابات صورة شبه كاملة عن تشيخوف من زوايا مختلفة لم يرها الناس، انما شاهدها أصدقاءه من الكتاب والمبدعين والفنانين ممن عاشوا معه وعرفوه عن قرب.
ولأنطون تشيخوف تأثير كبير على الأدب العربي في مراحله مختلفة، وقد حدث أنه من فرط تأثير تشيخوف على يوسف إدريس أن قرر الكاتب المصري الكبير الثورة على هذا التأثير والخروج من عباءة أنطون تشيخوف. هذا إلى جانب تأثيره على أديب نوبل المصري العظيم نجيب محفوظ، إضافة إلى محمد المخزنجي وغيرهم. ويعتبر تشيخوف إلى جانب ادجار الان بو، وموباسان، من أكثر من أثر على كتاب القصة في مصر وشكل وعيهم خلال سنوات تشكيلهم الأولى، وربما امتد هذا الأثر إلى آخر أيامهم. ولا زال تأثير تشيخوف على الأجيال الجديدة واضحا، إضافة أن القراء يقبلون على قراءة كتبه حتى اليوم، وتحقق قصصه المترجمة ومسرحياته رواجا كبيرا بين الأجيال الشابة في مصر والعالم العربي، وذلك رغم ضعف الإقبال على القراءة في العالم العربي بوجه عام.
أحمد صلاح الدين


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.