بعد ثلاث سنوات من الانتظار بلا عمل في سوق "الترجمان" وضيق العيش والمطاردات في الشوارع مع شرطة المرافق، يتحقق حلم الباعة الجائلين في توفير سوق "حضارية" يعوض هذه السنوات، فقد سلمتهم محافظة القاهرة عقود "باكيات" سوق "الزاوية الحمراء" في حي الزاوية الحمراء، الخميس الماضي. "بوابة الأهرام"، شاركت الباعة فرحتهم أثناء استلام العقود من اللواء محمد أيمن عبد التواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الغربية والشمالية، واللواء محمد محمود أنيس، رئيس الزاوية الحمراء، ومسئولي إدارة الأسواق بالمحافظة. التقينا بالحاج حسن عزيز، شيخ باعة سوق الترجمان، وأكد لنا سعادتهم بتسلم العقود، حاكيًا لنا، أنه استدان من "طوب الأرض" – على حد تعبيره- ليوفر مصاريف أسرته وعلاجه، لأنه طوال السنوات الثلاث لم يدبر حاله في سوق الترجمان، لتوقف حركة البيع والشراء فيه. سألنا "عزيز" عن سبب ذلك، فأكد أن أزمتهم بدأت منذ ثلاث سنوات، وتحديدًا في عام 2014، عندما قررت أجهزة محافظة القاهرة بتعليمات من المهندس إبراهيم محلب، رئيس الوزراء سابقًا، بإخلاء شوارع منطقة "وسط البلد" بأكملها من الباعة الجائلين، ونقلهم لسوق مجمع، للحفاظ على المظهر الحضاري لهذه المنطقة التاريخية والسياحية. وأقنع وقتها جلال السعيد، محافظ القاهرة السابق، الباعة بالبقاء في سوق "الترجمان" لمدة 6 أشهر فقط، لحين تجهيز أرض "وابور الثلج" في "مثلث ماسبيرو" للباعة، إلا أن وعوده كانت كاذبة، وكتب علينا "الموت" في سوق الترجمان، وهو مصير لاقاه كثير من الباعة بالفعل داخل السوق. قاطعه الحديث، العم "سيد"، مؤكدًا ل "بوابة الأهرام"، أن الأزمة بدأت إبان ثورة 25 يناير، عندما زحف ل "وسط البلد" جموع من الباعة من صعيد مصر وأحياء القاهرة، واحتلوا أرصفة شوارع (26 يوليو وقصر النيل وطلعت حرب وعبد المنعم رياض). وقال "سيد": "أنا كنت بقف في شارع 26 يوليو بقالي 45 سنة وقفة منظمة عمري ما ضايقت أصحاب المحلات ولا اعتديت عليهم، بل بالعكس أنا وغيري حمينا محلات كتير أيام الثورة، بس فوجئنا بباعة جدد من كل حتة في مصر، ودول اللى ابهدلوا شوارع وسط البلد وكان من حق الحكومة تخلي المنطقة بالكامل". وأردف "سيد" حديثه، مؤكدًا أن قبل الثورة كان الباعة الجائلون في "وسط البلد" محدودين ومعروفين لأصحاب المحلات، إلا أن الوضع تأزم وأغلقوا الشوارع وحركة المارة والسيارات ببضاعتهم. لم يقتصر حديث العم "سيد" – الذى شارف على ال70 عامًا- عند ما ذكره سالفًا، بل دمعت عيناه، فسألناه هل هذه دموع الفرح لتسلمه عقد "باكية" بسوق الزاوية الحمراء الجديدة؟ إلا أنه استطرد قائلاً: "ربنا العالم أنا عليَ ديون أد ايه، احنا في ناس ماتت بالفعل وهي في سوق الترجمان ومحدش فينا باع ولا إبرة، والنهاردة استلمت العقد بس لازم أجيب بضاعة لا تقل عن ال 40 ألف جنيه، عشان اشتغل بنفس النشاط اللي كنت ببيعه في شارع 26 يوليو وهو "الملابس ولعب الأطفال"، ومش عارف هجيب ال 40 ألف جنيه منين؟". لا تقف أزمة تجهيز الباكيات وفرشها بالبضائع في السوق الحضارية الجديدة عند العم "سيد"، بل أكدها أيضًا "بولس رمزي"، أحد باعة المسرح القومي، ومن الذين استلموا عقد "باكية" في سوق الزاوية، موضحًا ل "بوابة الأهرام"، رفضه التام لزيادة ال 10% سنويًا التى أقرتها محافظة القاهرة في السوق الجديدة. ولفت "رمزي"، إلى أن الباعة سددوا 2450 جنيها قبل استلام العقد، مقسمة كالآتي (50 جنيها رخصة و2000 جنيه تأمين و400 جنيه إيجار شهري للباكية يسدد في حي الزاوية الحمراء)، والزيادة السنوية ستكون في الإيجار الشهري. أيده "محمود" من باعة حي الزاوية الحمراء، مؤكدًا أن هذه المصاريف لن يتمكن غالبية الباعة من سدادها، فالجميع مديون لأنهم لم يعملوا في سوق "الترجمان" طوال 3 سنوات، كما أن هناك رسومًا لم نعرف قيمتها بعد وهي الخاصة ب "عداد الكهرباء"، وعلى مسئولي محافظة القاهرة مراعاة هذه الظروف، كما أننا لا نعلم ما إذا كانت حركة البيع والشراء في سوق "الزاوية الحمراء" ستكون منتعشة كما الحال في وسط البلد أم لا. "هالة" أحد الباعة التي استوقفتها "بوابة الأهرام"، بعد تسلمها عقد "باكية" في السوق الحضارية الجديدة، أوضحت أن اسمها كان ساقطًا من كشوف الحصر، إلا أن نائب محافظ القاهرة اللواء أيمن عبد التواب، أجرى قرعة أخرى وكلف بمراجعة كشوف الحصر للتأكد من أحقيتها في باكية. وأثنت "هالة" على جهوده لإخراج الباعة من عثراتهم، بعد سنوات من توقف عملهم في سوق "الترجمان"، والذي لفظه الباعة منذ دخولهم فيه، بسبب بعده عن حركة "الزبائن"، و"المواصلات"، ورغم المعارض التي نظمت فيه، إلا أن حركة البيع والشراء فيه كانت مرتبطة بهذه المعارض والتي كانت تنظم في المواسم فقط (الأعياد ودخول المدارس). "عاوزين مساواة ببائعي أسواق غزة والجوهري وبين السورين.. لأن كده كتير والله العظيم"، هكذا تحدث "محمود" من باعة العتبة، مطالبًا بمساواتهم في إيجار "الباكيات" ببائعي الأسواق الثلاث والملاصقة لسوق "الزاوية الحمراء" الجديدة، ولا يفصلهم عنها سوى سور. وأضاف "محمود"، أن باعة الأسواق الثلاث يدفعون إيجارًا يبدأ من 100 جنيه ولا يزيد على ال 300 جنيه، لافتًا إلى أنهم سيستلمون الباكية غير مجهزة، وتكاليف التشطيب والتجهيزات ستزيد العبء عليهم، كما أن أغلبهم زادت ديونه لتوفير بضائع لفرشها في الباكيات الجديدة، وهي ديون تضاف على الاستدانة طوال سنوات 3 لتوفير دخل لأسرهم، والتي تفككت عند البعض بسبب الوضع المزري لأغلبية الباعة. أما "عزت" من باعة حي حدائق القبة، فشكا من عدم استفادته من ال 5% التي خصصتها الدولة لذوي الاحتياجات الخاصة، فهو أحد الباعة العاجزين، ورغم ذلك سدد رسوم التعاقد كاملة 2450 جنيها. واعترض "عزت"، عن عمل الباكيات ب "عداد كهرباء"، لأنه سيزيد أعباءهم، مؤكدًا أنه تردد من قبل أن سوق "الزاوية" ستعمل بالطاقة الشمسية. منطق "الخوف من الرزق وضيق العيش"، طمأن الباعة منه اللواء محمد أيمن عبد التواب، نائب المحافظ للمنطقتين الغربية والشمالية، مؤكدًا خلال تسليمه عقود "الباكيات"، أن الله سبحانه وتعالى أقسم بذاته على الرزق، وهذا الموضوع بيده، وعلى الباعة الاجتهاد، ولفت إلى أنه سيتواصل مع كبار التجار وأصحاب المصانع، لدعم السوق الجديدة ودعم الباعة الذين سيعملون فيها. وناشدهم بالحفاظ على المظهر الحضاري للسوق، فهي أول سوق "معدنية"، أي باكياتها مصممة من "الحديد والاستيل"، مطالبًا بالالتزام بالأنشطة المنصوص عليها في بنود التعاقد، ومؤكدًا أن السوق الجديدة ستعيد للباعة مكانتهم فلن يكون هناك بعد افتتاحها ما يسمى ببائع متجول، بل سيكونون جميعهم تجارًا لهم أهميتهم ومكانتهم في السوق. يذكر 197 بائعًا انتهوا من دفع رسوم التعاقد من إجمالي 286 بائعًا، و89 بائعًا لم يدفعوا رسوم التعاقد، سيتم منحهم مهلة لدفعها. كما أن "سوق الزاوية الحمراء"، تم تخصيص 110 باكيات فيها لباعة سوق الترجمان، و25 محلاً لبائعي حي الزاوية الحمراء، و25 آخرين لبائعي حي حدائق القبة، و14 محلاً لبائعي النجف والتحف المتواجدين بمنطقتى البيدق والعشماوي بالموسكي، و111 محلاً لبائعي مناطق نادي السلاح والمسرح القومي بالعتبة. اللواء محمد أنيس، رئيس حي الزاوية الحمراء، أكد ل "بوابة الأهرام"، أنه تم توفير شركتي "أمن ونظافة" للحفاظ على السوق الجديدة، وسيتم الافتتاح فور انتهاء الباعة من تجهيز الباكيات وفرشها ببضائعهم، لافتًا إلى أن باعة حي الزاوية، ستخصص لهم 25 باكية بالسوق الجديدة. و تبلغ تكلفة السوق 27 مليون جنيه تقريبًا بمساحة 3782 م2 ، وتتكون من ثلاثة طوابق (دور أرضى وأول وثالث). جانب من اللقاء سوق الزاوية الحمراء أحد عقود سوق الزاوية الحمراء أحد عقود سوق الزاوية الحمراء