على الرغم من صغر حجمه وضيقه مقارنة بغيره، إلا أنه ينبض بالتاريخ والحياة والحب، فبعيدًا عما يمثله كوبرى "عباس" للمحبين من ذكريات جميلة تستحضر فى الأذهان الأغنية الشهيرة للمطرب الشعبي محمد عدوية "يا بنت السلطان"، و "التمشية" علي الكوبرى التى أصبحت طقسًا مألوفًا للمحبين، لعب ذلك الكوبرى الصغير دورًا مهمًا فى تاريخ مصر عامة والحركة الطلابية خاصة عندما كان شاهدًا على حادث 9 فبراير الذى أسفر عن سقوط مئات الشهداء من طلاب مصر مابين غريق وقتيل وتطورت تداعيات ذلك الحادث لتطيح بوزارة محمود النقراشي باشا . يربط كوبري عباس الذي أنشأ في عام 1908 ويحمل اسم الخديو عباس حلمي الثاني بين محافظتي القاهرةوالجيزة، وتغير اسمه بعد ثورة يوليو 1953حيث أطلق عليه "كوبري الجيزة"، إلا أنه لايزال يحمل نفس اسمه القديم الذي اشتهر به طيلة العقود السابقة والتغيير لم يطل اسم الكوبري فقط، إنما وصل إلى نظام عمله، فقد كان هناك جزء منه يتحرك على شكل صينية لإمكان فتحه للمراكب الشراعية، فتم إلغاء هذا النظام- ربما لأسباب سياسية أو مرورية- وتم استبداله ببناء انحناء أعلاه في الوسط ليسمح بمرور المراكب، كما شهد كوبري عباس عمليات متعددة من الترميم، إلا أن الترميم لم يعد حلًا جذريًا، لذا تقرر إنشاء كوبري آخر في نفس المكان، فبعد ما يقرب من ال 60 عامًا من الخدمة أوقف المرور عليه تمامًا وبدأ العمال في إزالته وإنشاء الكوبري الحالي، ومع نكسة 67 توقفت أعمال البناء لفترة، فظل المشروع مغلقًا حتى تم الانتهاء من تشيده وافتتاحه مجددًا في عام 1971. كانت بداية الكوبرى الذى رافق نضال طلاب مصر وأصبح شاهدًا على تاريخها في عام 1935 عندما تناقلت الصحف تصريحًا خطيرًا للسير "صمويل هور" مقدًما نصيحة للمصريين بعدم جدوى إعادة دستوري 1923 و 1930 لأن الأول ظهر أنه غير صالح العمل به، والثاني ضد رغبة الأمة بالإجماع.. وكان هذا التصريح سببًا في انتشار موجة عامة لانتقاده والهجوم عليه وعلي الحكومة المصرية، ثم وفى 13 نوفمبر يوم عيد الجهاد الوطني، انفجرت مظاهرات الشباب في الجامعات فخرجت المظاهرات تهتف ضد التصريح البريطاني وضد الاحتلال، ونادت بسقوط الوزارة، وعندما اندفعت حشود الطلاب لتجتاز كوبري عباس لتصل لقلب العاصمة، ترصدها البوليس وأطلق عليهم النيران، وفي اليوم التالي شهد الكوبري مظاهرات أكثر ضراوة، حيث شارك طلاب المدارس الثانوية والمتوسطة وعند اجتياز الكوبري تصدت لهم قوة من الضباط الإنجليز، فسقط عدد من الجرحي كما استشهد طالبان، وتحت ضغط الحركة الطلابية استجاب الرأي العام وأعلن أن يوم 21 نوفمبر 1935 سيكون إضرابًا عامًا. وبعد مايقرب من عشرة أعوام شهد الكوبرى حادثًا جللًا آخر واندلعت مظاهرات وإضرابات قادها الطلاب أيضا فبعد اغتيال أحمد ماهر، كلف الملك فاروق محمود النقراشي باشا بتشكيل الوزارة في 24 فبراير 1945م، وبدأت تظهر بوادر تناقص شعبية فاروق، حيث تسببت الحرب العالمية في تغييرات اجتماعية واقتصادية في الشعب المصري أخرجته عن وداعته وحلمه وتفاؤله وألقت به في أزمات خانقة جعلته أكثر تشاؤماً وواقعية، لذلك لم تفلح معه حملات الملك الدعائية التقليدية. وبعد تولي النقراشي الوزارة أعاد فتح باب المفاوضات مرة أخري مع بريطانيا حول الجلاء وحاول إحياء اتفاق صدقي-بيفن الذي أفشلته المظاهرات الشعبية واستقالة صدقي، فتقدمت حكومته في 20 ديسمبر 1945 م بمذكرة للسفير البريطاني بطلب بدء المفاوضات حول الجلاء، وكانت الآمال العريضة فى قرب الاستقلال تسيطر على الشعب المصري بعد أن انتهت الحرب العالمية الثانية وتأسست الأممالمتحدة التي أخذت تلعب دوراً مناصراً للشعوب في تقرير مصيرها، إلا أن الرد البريطاني في 26 يناير 1946 عاد وأكد الثوابت الرئيسية التي قامت عليها معاهدة 1936م، والتي أعطت مصر استقلالًا منقوصاً يتمثل في بقاء قوات بريطانية في مصر لتأمين قناة السويس، فكان الرد البريطاني بمثابة صفعة لكل آمال الشعب المصري، فاندلعت المظاهرات العارمة للطلبة في كل أنحاء مصر تطالب بالجلاء وقطع المفاوضات. وفي يوم 9 فبراير 1946م خرج الطلبة في مظاهرة من جامعة فؤاد الأول (القاهرة) فى مظاهرة وصفها المؤرخون بكونها من أضخم المظاهرات التى عُرفت منذ قيام الحرب العالمية الثانية متوجهين إلي قصر عابدين وسلكوا طريق كوبري عباس، وتصدي لهم البوليس وحاصرهم فوق الكوبري وتم فتح الكوبري أثناء محاصرة الطلبة، فسقط العديد من الطلبة من فوق الكوبري في النيل وقتل وجرح أكثر من مائتي فرد وأطلق البعض علي هذا الحادث اسم "مذبحة كوبري عباس" وأسفر ذلك عن احتجاجات واسعة على مستوى الجمهورية ليبدأ يوم 21 فبراير1946 الإضراب العام من طلاب مصر ضد سلطات الاحتلال البريطاني ردًا على أحداث 9 فبراير، حيث أدى الإضراب إلى التحام الطلاب مع القوات البريطانية في ميدان التحرير التي فتحت النار عليهم فقام الطلاب بحرق أحد المعسكرات البريطانية، وامتدت الثورة الطلابية إلى أسيوط جنوبًا والإسكندرية شمالًا، وأسفرت تلك الأحداث عن 28 قتيلًا و432 جريحًا. والحقيقة أن المؤرخين اختلفوا في المتهم الأول في هذه الحادث الأليم، كما اختلفوا في ضخامة الحدث نفسه، فالكثير ألقي بالتبعية علي رئيس الوزراء محمود فهمي النقراشي الذي كان رئيساً للوزراء وكان يتولي وزارة الداخلية أيضاً في تلك الوزراة، فاتخذ إجراءات قمعية ضد مظاهرات الطلبة وأطلق يد البوليس في استخدام العنف ضدهم، والبعض الآخر اتهم حكمداري القاهرة راسل باشا والجيزة فيتز باتريك باشا، لأنهما المسؤلان عن قمع مظاهرات الطلبة باستخدام أساليب غاية في القسوة. وعلى الرغم من فداحة الحادث فذلك لم يمنع الملك فاروق من منح نيشان محمد علي لرئيس الوزراء النقراشي باشا مما دل علي استهتار الملك بمشاعر الناس ولامبالاة إزاء أرواح شهداء الطلبة التي راحت في هذا الحادث فبدأت تتزايد مظاهرات الطلبة ضد الملك وخاصة في احتفالات عيد ميلاده، ولم يدرك فاروق تغير المزاج العام، وإنما حمَّل الوزارة مسئولية الاضطرابات، فقام بتغيير وزارة النقراشي وتشكيل وزارة جديدة برئاسة اسماعيل صدقي في 16 فبراير 1946م. وعلي أثر ذلك أعلنت اللجنة الوطنية للعمال والطلبة يوم 4 مارس 1946 يومًا للحداد الوطني العام على شهداء 21 فبراير، حيث أُعلن الإضراب العام، واحتُجبت الصحف، وأغلقت المتاجر والمقاهي والمحال العامة، وأضربت المدارس، وتعطلت المصانع، وزحفت جماهير الإسكندرية كزحف يوم 21 فبراير في القاهرة، واستشهد فيها 28 طالبًا، وجرح 342 ومع انتقال الأنباء وقتها إلى عدة دول عربية مجاورة منها سوريا والسودان والأردن ولبنان حيث تم إعلان إضرابًا عامًا فى تلك الدول وقتها تضامنًا مع طلاب مصر تضامنت عدة حركات طلابية أخرى حول العالم مع الحركة الطلابية بمصر، وتم اختيار يوم 21 فبراير يومًا عالميًا للطالب.