للمرة المليون أودّ تأكيد المؤكد بأن مصر ليست دولة فقيرة، على الإطلاق، وأن ما تعانيه - بجد ولا أقول عن عمد - هو التقصير البين من جانب الحكومات المتعاقبة، المبتلى بها المصريون على مر الأزمنة والعصور، إضافة إلى سوء الإدارة الفاضح، وفادح التكلفة والخسارة، للموارد وللإمكانات المادية والبشرية الهائلة غير المستغلة. في مقدمة الموارد الطبيعية المصرية الهائلة، غير المستغلة، هذا الشريط الساحلي المميز: برماله البيضاء وبسمائه الصافية، وبمناخه الدافئ شتاءً، المعتدل صيفًا، قلب العالم جغرافيا، الممتد بمئات الكيلو مترات، على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، من رفح المصرية على الحدود الفلسطينية شرقًا، وحتى السلوم على الحدود الليبية غربًا. بمناسبة عطلتي المولد النبوي الشريف، ونهاية الأسبوع الماضي، ذهبت إلى "الساحل"، كما درج المصريون على وصف المنطقة الساحلية الشمالية، باعتبارها، حسب ظنهم الخاطئ، مصيفًا، غير صالح للاستجمام والراحة وللحياة الآدمية إلا خلال أشهر الصيف، فقط. أصارح القارئ الكريم بأنني، شخصيًا، كنت مترددًا، بعض الشيء، من الذهاب إلى "الساحل" لقضاء العطلة هناك، متأثرًا - بطبيعة الحال- بالانطباع " السلبي" السائد لدى عموم المصريين عن المكان في أشهر الشتاء، ومتخوفًا من الجو البارد والأمطار وزعابيب الرياح والبحر الهائج المائج، وغير ذلك من الأوهام والأساطير التي تدور في الأذهان بلا أي دليل. هنا أقر واعترف بغير ذلك تمامًا، وأكتب عما لمسته وشاهدته بعيني، على الطبيعة، خلال العطلة القصيرة التي أمضيتها هناك، من دفء في الطقس وشمس مشرقة ساطعة، وسماء صافية، وبحر بلا أمواج، وكأنه حوض بغير حدود للسباحة، ومن هدوء مريح للأعصاب، وانسيابية في المرور والطرق والمواصلات، وكل ما يتمناه المرء في قضاء عطلة هادئة هانئة. ما يحز في النفس - حقيقة- أن هذه الحياة الهانئة المبهجة الدافئة في الساحل الشمالي المصري، في عز الشتاء تحديدًا، وطول أيام السنة، بدون أي مبالغة، لا يجري تسويقها بالشكل المطلوب وبالعقلية الاحترافية، اقتصاديًا واستثماريًا وسياحيًا وترفيهيًا، على الصعيدين الدولي والإقليمي، بل ومحليًا، مما يتسبب في خسارة ما بعدها خسارة. ففي الساحل الشمالي المصري توجد آلاف القرى السياحية والوحدات السكنية الفاخرة والمتوسطة والصغيرة، بالإضافة إلى الشاليهات، المصروف عليها بسخاء وبالمليارات من مدخرات المصريين، والمنفق عليها، كذلك، بسفه، من خزينة الدولة الفقيرة الخاوية، بمليارات المليارات، لتوفير المرافق والخدمات من: طرق ومواصلات واتصالات وكهرباء ومياه عذبة وصرف صحي، المهجورة تمامًا في فصل الشتاء، وغير المستغلة بالشكل الاقتصادي اللائق في باقي فصول العام، بما يصنف في خانة الهدر المطلق؛ حيث مصروفات بلا عائد وموارد حبانا بها الله - عز وجل - بلا أدنى استغلال. إنني أضم صوتي إلى نداء الزميل الكاتب الصحفي الكبير مصطفى النجار بأن يتم إنقاذ الساحل الشمالي من الغابات الأسمنتية المهجورة، وأن يصبح هذا الساحل هو المشروع القومي الجديد لمصر، ولعل إنشاء مدينة العلمين الجديدة والتي ستحتضن مشروعًا سياحيًا يضم 25 ألف غرفة فندقية، يكون نواة للالتفات إلى الثروة السياحية المهدرة في المنطقة، وليتحول الساحل الشمالي- كما يقول مصطفى النجار- إلى مقصد سياحي جديد تقدمه مصر للعالم، كما قدمت من قبل الغردقة وشرم الشيخ ومرسى علم، وتظل السياحة العالمية لها موضع قدم في مصر طوال العام، صيفًا وشتاء، وتظل تبهر العالم كل بضع سنوات على تقديم مقصد جديد يؤكد عظمة مقوماتها السياحية. ليت ما تبقى من أراض غير مستغلة وغير مبتلاة بالكتل الأسمنتية المهجورة طوال العام يجري إضافتها إلى المشروع القومي المأمول لتنمية المنطقة سياحيا في الساحل الشمالي، أما الاستغلال الأمثل للقرى السياحية المقامة حاليًا في هذه المنطقة، فمن المأمول أن تتفتق ذهنية المبدعين المصريين عن رؤية غير تقليدية لتهيئتها وتأهيلها لاستضافة ملايين السائحين من مختلف أنحاء العالم أسوة بما تقوم به كل الدول السياحية المطلة على شاطئ البحر الأبيض المتوسط. [email protected]