قبيل وصولي إلى طوكيو مساء أمس، بعد رحلة مباشرة بالطائرة، استغرقت نحو 12 ساعة متصلة، أبلغني الصديق المترجم الياباني، السيد "كيجي شينتاني"، أنه كان مشغولًا جدًا، خلال الأيام القليلة الماضية، في مرافقة وفد من دولة الإمارات العربية المتحدة، تركزت مباحثاته هنا حول إمكان الاستفادة من التجربة اليابانية، الناجحة في مجالي التعليم العام والفني، مضيفًا: مثلما فعلت- وتفعل- مصر بالضبط!! من جهة، أنا كنت في غاية السعادة لا سئناف شركتنا الوطنية رحلتها الأسبوعية المباشرة، القاهرة - طوكيو- القاهرة، إلى بلاد الشمس المشرقة، بما سيعود بالنفع - إن شاء الله- على حركة السياحة اليابانية الوافدة إلى مصر، آملا – بطبيعة الحال- أن تزيد الرحلات، إلى مدينتي طوكيو وأوساكا، اليابانيتين، إلى المستوى، نفسه، الذي كانت عليه قبل ثورة 25 يناير (بمعدل رحلة كل يوم) حال تزايد طلب اليابانيين، وغيرهم، على الحجوزات بشكل يحقق الجدوى من التشغيل. من جهة آخرى، فإنني حينما استمعت إلى سبب انشغال الصديق المترجم الياباني بالوفد الإماراتي، قلت (في سرى) ربنا يستر على الأشقاء الإماراتيين، لأن التجربة المصرية للاستفادة من الخبرة اليابانية الناجحة في مجالي التعليم العام والفني، لا تسر عدوًا ولا حبيبًا(!!). فهل هناك تجربة في الدنيا أسوأ من الإعلان عن قبول 1800 تلميذ وتلميذة في المدارس اليابانية، والإعلان عن اقتراب موعد بدء الدراسة في 8 مدارس (من إجمالي 48 مدرسة جار تجهيزها)؛ ثم التراجع عن القرار بشكل مفاجئ، وإرسال التعليمات إلى مديريات التربية والتعليم التي تتبعها هذه المدارس بعودة هؤلاء التلاميذ إلى مدارسهم الأصلية، نظرًا لتأجيل المشروع لأجل غير مسمى؟! روادني سؤال مزعج جدًا، وأنا في طوكيو، هل من الممكن أن تتعثر تجربة دولة الإمارات العربية المتحدة الشقيقة، في الاستفادة من الخبرة اليابانية المتقدمة جدًا في مجالي التعليم العام والفني مثلما حدث- ويحدث- في مصر؟! حسب التصريحات التي أدلى بها معالي وزير التربية والتعليم، الدكتور طارق شوقي، فهمت أن مصر لم تتلق منحة من الجانب اليابانى لمشروع المدارس اليابانية، وكل ما في الأمر أن الدولة المصرية تعهدت بتحمل تكلفة بناء المدارس وتجهيزها، كما تعهدت بدفع مرتبات المعلمين ومكافآتهم، بالإضافة إلى التشغيل والصيانة والوجبات. على الجانب الآخر، تعهدت اليابان بتقديم قرض ميسر للدعم الفني وتدريب المعلمين، فقط. لذلك – وحسب ما فهمت من تصريحات الوزير- فقد استقر رأي الجانب المصري على ضرورة وضع مصروفات- يتحملها التلاميذ المتقدمون إلى هذه المدارس- تسمح بأن يتم تشغيل هذه المدارس، والإنفاق عليها، بمستوى الجودة، نفسه، المستهدف، لسنوات مقبلة، حتى لا ينهار المشروع، بعد افتتاحه، لعدم وجود موارد، كما حدث في كثير من المشروعات السابقة. أيضا، وقبيل سفري لطوكيو، كنت قد سألت الدكتور نبيل فتح الله، الأستاذ بكلية الهندسة جامعة الأزهر، الذي عاش في اليابان ست سنوات للحصول على درجة الدكتوراه، ثم أستاذًا زائرًا ثلاث مرات، سألته، عن رأيه فيما اتخذه معالي الوزير طارق شوقي، من قرار مفاجئ، بتأجيل بدء الدراسة في المدارس اليابانية إلى أجل غير مسمى، وإعادة النظر في كيفية اختيار الطلاب والمعلمين، بالإضافة إلى إلغاء جميع الإجراءات المتخذة بتشكيل لجنة القبول في هذه المدارس، واعتبارها كأنها لم تكن. أجاب الدكتور فتح الله، الخبير في الشأن الياباني، نصًا: بخصوص موضوع المدارس اليابانية في مصر فقد فكرت مليًّا في الموضوع، فتوصلت إلى ما يلى: • الأسلوب الياباني Mentality في أي مشروع أن يستغرق سنة في التفكير والتخطيط ثم يستغرق شهورًا قليلة في التنفيذ. • هذا عكس أسلوبنا نحن في مصر؛ حيث نفكر ونخطط في شهر، ثم ننفذ (إذا نفذنا للنهاية) في سنوات! • الاتفاق بين مصر واليابان، بشأن المدارس اليابانية ينص على: أن يتكفَّل الجانب المصري بما يسمى أل Running Expenses أي مرتبات المدرسين، وتجديد أدوات المعامل والفصول والصيانة وخلافه. • حسب معلوماتي المتواضعة فإن الجانب المصري لم يلتزم بما تم توقيعه في العقد بأن تقوم الدولة (ممثلة في وزارة التربية والتعليم) بتحمل نفقات أل Running Expenses، بل اتجهت إلى فرض مصروفات مبالغ فيها على الأهالي للصرف على تلك المدارس! • لم يوافق الجانب الياباني على ذلك؛ لأن أساس نظام التعليم في اليابان بُنِيَ على عدم ربحية المدارس (المدرسة ليست مشروعًا تجاريًا)؛ فالتعليم حق للجميع بلا استثناء. • بحكم معاشرتي لليابانيين فإنهم كأفراد أو جماعات أو حكومة إذا اتخذت قرارًا (بعد التفكير والتدبير والتخطيط) لا يمكن أن تتراجع عنه أو تغيِّر فيه قيد أنملة. • هذا هو مربط الفرس للمشكلة القائمة الآن بيننا وبينهم على المدارس اليابانية في مصر! • نحن نرى تغييرات ضرورية؛ (لأننا لم نحسن التفكير والتخطيط من قبل) والجانب الياباني لا يمكن أن يقبل أي تغيير فيما تم الاتفاق والتوقيع عليه مع إحساسهم بالمسئولية العظيمة، أن نجاح أو فشل المشروع هو سمعة اليابان في الوطن العربي وفي العالم. • هذا هو رأيي وتحليلي المتواضع لما نحن فيه الآن من موقف محرج بهذا الصدد. • الحل فى رأيى: كان- وما يزال- يستلزم وجود بعض الخبراء ممن حصلوا على شهادة الدكتوراه من اليابان، ويعلمون علم اليقين الأسلوب الياباني في التعاملات، وبعضهم يجيد اللغة اليابانية، وحصلوا على الدكتوراه في العديد من التخصصات، وبالتأكيد يمكنهم الاشتراك مع اللجنة الخاصة بالمدارس اليابانية في وزارة التربية والتعليم. انتهى تعقيب الدكتور فتح الله،،، بقي أن أتقدم بخالص الشكر للقراء الكرام الذين تفضلوا بالتعقيب على مقالي، قبل السابق، بعنوان: يا حكومة.. رفقًا بمشاعر المانحين اليابانيين، ولعل ما كتبته اليوم في مقالي هذا يكون كافيًا بخصوص هذا الموضوع الشائك. [email protected]