قد يبدو فوز الكاتب الأمريكي جورج سوندرز بجائزة "مان بوكر" للرواية مفاجئًا للبعض؛ ليس لكون الجائزة تذهب لكاتب أمريكي للعام الثاني على التوالي فحسب - فاز بها في النسخة الماضية الأمريكي بول بيتي- ولكن أيضًا لأن هذه هي التجربة الأولى لسوندرز في مجال الرواية. كانت لجنة تحكيم جائزة "مان بوكر" الأدبية الإنجليزية، قد أعلنت فوز سوندرز، بالجائزة في دورتها الحالية لعام 2017، عن روايته "لينكولن إن ذا باردو" وذلك في الحفل الذي أقيم مساء أمس الثلاثاء، بقاعة "جيلدهول" التاريخية بمدينة لندن. جورج سوندرز الذي يعد أحد أبرز الأسماء في مجال القصة القصيرة في أمريكا، وربما في العالم حاليًا، خرج في مطلع العام الجاري بروايته "لينكولن في الباردو" ليحصد الجائزة الأهم فيما يخص الرواية الإنجليزية. ولكن هل جاء هذا القرار مفاجئًا بعد سنوات من كتابة القصة القصيرة؟ يجيب على هذا السؤال سوندرز في مقال له نشر بصحيفة "الجارديان" البريطانية في مارس الماضي، قائلًا: منذ سنوات عديدة، خلال زيارة لواشنطن، أشار قريب زوجتي إلى سرداب على هضبة وذكر أنه في عام 1862، حين كان أبراهام لينكولن رئيسًا للولايات المتحدة، مات ابنه المقرب إلى قلبه ويلي، وأدخل بشكل مؤقت إلى ذلك السرداب، وأن لينكولن المصاب بالكآبة دخل - خلال عدة مناسبات- إلى السرداب ليحمل جثمان ابنه، حسب الصحف". ويضيف سوندرز أن فكرة خطرت على ذهنه "عفويًا" مضيفًا: احتفظت بالفكرة خلال نحو 20 سنة، مرتعبًا للغاية من تجربة أمر بدا شديد العمق، وأخيرًا في 2012، ملاحظًا أنني لم أعد شابًا بعد، وخائفًا من أن يُقرأ على شاهد قبري "مات خائفًا من الشروع في مشروع أدبي مخيف حاول طويلًا وبيأس أن يشرع فيه" قررت أن أبدأ في العمل عليها. يلتقط سوندرز في رواياته تلك اللحظة في حياة أبراهام لينكولن، رئيس الولاياتالمتحدة إبان الحرب الأهلية، والذي خاض معارك شرسة للحصول على حرية السود وإلغاء العبودية، ولكنه في تلك اللحظة يسقط فريسة للعاطفة الأبوية حزنًا على ابنه المقرب إليه، الذي رحل عن عمر يناهز 11 عامًا بعد أن غلبه مرض التيفود. هذه الزاوية من حياة لينكولن توقف عندها بشكل جزئي المخرج ستيفن سبيلبرج في فيلمه "لينكولن" الذي عرض عام 2012 وقام ببطولته دانيال دي لويس في دور لينكولن، ولكنها لم تكن بؤرة العمل، وإنما كانت إحدى الزوايا في حياة لينكولن المليئة بالأحداث السريعة والخطيرة في آن. قد يكون هناك تشابه بين فكرة الرواية وبين رواية "الجنرال في متاهته" للكاتب الكولومبي الراحل جابرييل جارثيا ماركيز الذي تناول فيها الشهور الأخيرة في حياة الرئيس البيروفي الأسبق سيمون بوليفار (1783 - 1830) والتي ابتعدت كذلك عن السياسة بشكل كبير مركزة على الشعور باليأس والإحباط الذي سيطر على صاحب حلم توحيد أمريكا الجنوبية، حتى انتهى به إلى الوفاة. "الباردو" مصطلح يرتبط بالبوذية التبتية ويمثل مرحلة انتقالية تفصل بين الموت والعودة للحياة مرة أخرى. ومن خلال "الباردو" أو هذه المرحلة الانتقالية التي تمثل حالة من الوعي تفصل بين الموت والبعث ينسج سوندرز روايته الأولى، حيث تمزج الرواية بين مقتطفات من حقائق تاريخية حول تلك الفترة في تاريخ الولاياتالمتحدة - وتاريخ لينكولن- وبين جو غرائبي في عالم السرداب الذي تهيم فيه أرواح مشوهة تغري روح ويلي لينكولن بالهروب من السرداب، غير أن الأخير يفضل البقاء. في تعليقها على فوز سوندرز بالجائزة قالت لولا يونج، رئيس لجنة التحكيم، إن "الشكل والأسلوب في هذه الرواية الأصيلة تمامًا سرد بارع، ذكي، وعميق التحرك"، مضيفة أن "الرواية.. تخلق استغاثة حية وحيوية للشخصيات التي تسكن ذلك العالم الآخر". يُذكر أن القائمة القصيرة لهذا العام، ضمت كلًا من: الكاتبين الأمريكيين، بول أوستر، وجورج ساندرز، البريطانية فيونا موزلي، الأسكتلندية آلي سميث، البريطاني الباكستاني محسن حميد، والأمريكية إميلي فريدلوند. "مان بوكر" أسست عام 1969. ويحصل الفائز بالجائزة على 50 ألف جنيه إسترليني، فيما يحصل المرشحون بالقائمة القصيرة على 2500 جنيه إسترليني لكل كاتب. وكان قد فاز بالجائزة في نسختها الماضية 2016، الكاتب الأمريكي بول بيتي. غلاف الرواية