فازت رواية «لينكولن فى الباردو» للروائى الأمريكي، جورج سوندرز(58 عاما)، بجائزة «المان بوكر» وقد. بنى سوندرز, روايته على زيارة حقيقية قام بها الرئيس أبراهام لينكولن فى عام 1862 لقبر ابنه ويلى (ويليام) البالغ من العمر 11 عاما و الذى توفى فجأة بسبب مرضه. و «الباردو» هو مصطلح بوذى شائع فى التبت يقصد به البقاء طى الإهمال والنسيان، ويشير إلى مرحلة انتقالية وسيطة بين تجسيد وآخر، كالفترة بين الموت والبعث، و «الباردو ثودول»يُعرف فى الغرب باسم «كتاب الموتى الخاص بالتبت»، فعندما يموت شخص ما، يعتقد البوذيون التبتيون أنهم يدخلون «الباردو» من وقت الموت، وهى حالة إما تنتهى بالصعود نحو السكينة، ويكون بذلك قادرا على الهروب من دورة المعاناة التى تميز حياة الإنسان على الأرض، أو الانخفاض تدريجيا، من خلال الهذيان المخيف على نحو متزايد، حتى يولدون مرة أخرى فى هيئة جديدة. .......................... وتدور الرواية عن وفاة ابن لينكولن وحزن الرئيس عليه وزيارته قبره بعد يومين من وفاته ،حيث يصبح هو وابنه محاصرين فى «الباردو»، فالأب حزين على ابنه، وروح الابن ترفض المغادرة بسبب حزن الأب، وأشباح تتشاجر فى محاولة لمساعدة ويلى لمعرفه طريقه من خلال «الباردو» والتآمر ضده ووالده أحيانا، وذلك فى عالم من الواقعية السحرية، حيث تقود القاريء لرحلة استكشاف مثيرة للموت والحزن وإمكانات الحياة. شذرات تاريخية تتشكل الرواية فى جزء كبير منها, من اقتباسات موجزة من الرسائل واليوميات والمقالات الصحفية والشهادات الشخصية، كل فرد يعزى الرئيس. ليس فقط هؤلاء الذين عملوا مع لينكولن وأصدقائه وزملائه وكُتاب السير الذاتية فى القرن التاسع عشر، بل أيضا أعداء الرئيس، وهو ما يدعوه سوندرز ب «شذرات تاريخية» تتضمن أصوات الشخصيات الخيالية. وغالبية هؤلاء هم جثث لأموات كأشباح محاصرين فى مقبرة «أواك هيل جورج تاون»، حيث يرقد جثمان ويلي، وفور وضع جثمانه تطفو هذه الأرواح الهائمة حول قبورهم، فهم يرفضون الموت ولا يعترفون بأنهم ميتون وبدلا من ذلك، فإنهم يشيرون إلى توابيتهم على أنها «صناديق المرض»، ويصرون على أنهم يعانون فقط من «بعض الأمراض غير المعروفة»، والتى سيتعافون منها فى نهاية المطاف، ويرفضون إكمال رحلتهم إلى الآخرة فى انتظار ولادة جديدة لهم.لكن بقاء الأطفال معلقين فى هذه الحال يتسبب لهم بالتصاق أليم ومرعب بالتابوت، ولهذا أرادت ثلاثة أرواح إنقاذ ويلى منه، فتحاول إقناعه بالرحيل لكن ويلى يرفض لينتظر زيارة والده. فتدخل الأرواح جسده لتعيده إلى قبره وتقنعه بأن والده يريده أن يكون فى مكان رائع، حرّاً من العذاب والألم. برع سوندرز فى إبداع مجتمع خيالى متعدد الأصوات من الأرواح الصاخبة، يتضمن أصوات 661 روحا فى المقبرة تمثل تنوعا بشريا ثريا، فهناك الموظف الفاسد والجندى والمجرم والأم والشاب المثلى والقس والرجل العجوز والصياد والأكاديمي. تكاد حكايات وشهادات تلك الأرواح تسيطر على الرواية وأحداثها بما تتضمنه من أوجه القصور والتشوهات الأخلاقية الأكثر عنفا فى الطبيعة الإنسانية إلا أن سوندرز استطاع بمهارة أن يجعل لينكولن فى قلب الرواية، فهو الوالد المحطم الذى يذهب للمقبرة ليلا ليزور قبر ابنه ويتحدث له، مثقلا بحزن الفقد وهموم شئون الدولة وقت الحرب. وعلى الرغم أنه لا يتحدث كثيرا فى الرواية إلا أنه مع عبور الأرواح الهائمة خلال جسده فإنها تلتقط أفكاره ومخاوفه وتكشفها للقاريء الذى يلمس كيف يصارع لينكولن إيمانه، وكيف يواجه الضغوط والانتقادات التى يتعرض لها من الشعب إثر الهزيمة خلال حرب أهلية لا تحظى بقبول شعبى 02 عاما للكتابة وبالرغم من تجارب وأعمال الأمريكى جورج سوندرز السابقة ككاتب قصص قصيرة مخضرم إلا أن روايته الفائزة تعد أول رواية طويلة له. وكشف سوندرز فى مقال له بصحيفة «الجارديان» البريطانية فى مارس الماضي، أنه استغرق 02 عاما ليكتب تلك الرواية وأن مصدر إلهامه كان منذ سنوات عديدة، خلال زيارة له لواشنطن، عندما أشار قريب زوجته إلى سرداب على هضبة وذكر أنه عندما مات الابن المقرب لأبراهام لينكولن دخل الرئيس الأمريكى خلال عدة مناسبات- إلى السرداب ليحمل جثمان ابنه. ويضيف سوندرز: «خطرت لى الفكرة عفويا واحتفظت بها 20 سنة، مرتعبًا للغاية من تجربة أمر بدا شديد العمق، وأخيرًا فى 2102، لاحظت أننى لم أعد شابًا بعد، وخشيت من أن يُقرأ على شاهد قبرى (مات خائفًا من الشروع فى مشروع أدبى مخيف حاول طويلًا وبيأس أن يشرع فيه) فقررت أن أبدأ فى العمل عليها». بدأ سوندرزالكتابة متأخرا نسبيا حيث درس وعمل بالهندسة الجيوفيزيائية ونشر أول مجموعة له فى عام 6991 وفاز عنها بجائزة بين هيمنجواي. وحصل على زمالة ماك آرثر، وزمالة جوجنهايم فى عام 6002، وفاز بجائزة فوليو عن مجموعته القصصية «العاشر من ديسمبر»عام 4102.كما فاز 4 مرات بجائزة المجلة الوطنية للأدب. وغالبا ما تركز روايات سوندرز على سخافة النزعة الاستهلاكية، وثقافة الشركات، ودور وسائل الإعلام. وبحسب النقاد فإن اللهجة الساخرة تبدو بارزة فى كتاباته، كما تثير أعماله أيضا الأسئلة الأخلاقية والفلسفية. حيثيات الجائزة وعلقت البارونة لولا يونج، رئيسة لجنة تحكيم جائزة «المان بوكر» على الرواية قائلة :«شكل وأسلوب هذه الرواية الأصلية يكشف عن أسلوب سردى متحرك بارع، وذكي، وعميق. هذه حكاية عن الأرواح المطاردة فى الحياة الآخرى لابن أبراهام لينكولن والتى تخلق تناقضا حيا وحيويا للشخصيات التى تملأ هذا العالم الآخر. لقد برز هذا حقا بسبب ابتكاره، وتصميمه المختلف جدا والطريقة التى صنع بها المفارقة حول منحه حياة لهذه الأرواح غير الميتة تماما فى هذا العالم الآخر»..«لينكولن فى الباردو» رواية عميقة الجذور وتلعب بالتاريخ فى نفس الوقت الذى تستكشف فيه معنى وتجربة التعاطف». ويعد سوندرز الروائى الأمريكى الثانى على التوالى الفائز بالمان بوكر منذ انفتاحها على كتاب الإنجليزية من خارج بريطانيا ودول الكومنولث (بما فى ذلك أيرلندا وجنوب إفريقيا وزيمبابوى) عام 4102 حيث فاز الأمريكى بول بيتى عن روايته «خيانة» بالدورة السابقة. واثار فوز سوندرز بالجائزة الأدبية البريطانية العريقة موجة من الجدل حول الجائزة منذ دورتها السابقة، خاصة وأن «سوندرز» هو الأمريكى الثانى الفائز بالجائزة على التوالى بعد فوز الأمريكى بول بيتى بالجائزة العام الماضى عن روايته «خيانة». حتى عام 3102، كانت «المان بوكر»مفتوحة فقط للمؤلفين من بريطانيا ودول الكومنولث وزيمبابوى وأيرلندا. وهذا ما جعلها منصة قيمة للارتقاء بمهنة الكُتاب البريطانيين أمثال :كازو إيشيجورو، و إيان مكسيوان، وكذلك الكُتاب من البلدان التى غالبا ما تكون ممثلة تمثيلا ضعيفا فى الأدب العالمى أمثال: أرونداتى روي( الهند)، ونادين جورديمر (جنوب إفريقيا)، وكيرى هولم (نيوزيلندا)، وبن أوكري(نيجيريا). وقد اثار إعلانها عام 3102 الانفتاح على كُتاب اللغة الانجليزية الذين ينشرون أعمالهم ببريطانيا أيا كان موطنهم، الإعلان عن حفيظة بعض الكُتاب البريطانيين الذين طالبوا بأن يتم حجب مشاركة الكُتاب الأمريكيين من المنافسة على الجائزة مستقبلا خاصة بعد فوز «بيتي» العام الماضي. و قاد الروائى البريطانى المخضرم جوليان بارنز والفائز بالجائزة عام 1102 هجوما على الجائزة، واصفا إتاحة «المان بوكر» لمشاركة المؤلفين الأمريكيين بكونه أمرا سخيفا للغاية، يضر بفرص الروائيين غير المعروفين من دول الكومنولث، مشيرا إلى أن الكُتاب الأمريكييون لديهم ما يكفى من الجوائز الأدبية التى تغلق الباب امام ترشح أى كاتب لا يحمل الجنسية الأمريكية . وانضم لبارنز كُتاب آخرون مثل الاسترالى بيتر كارى، والبريطانى فيليب هينشر، والبرلمانى البريطانى ملفين براج، محذرين مما وصفوه ببدء عصر هيمنه الرواية الأمريكية وانتهاء انتصارات الأدباء البريطانيين، الأمر الذى يفقد الجائزة البريطانية الأصل تميزها، ليشتعل الصراع الثقافى نتيجة لشعور الكُتاب البريطانيين بالتهديد من الهيمنة الأدبية الأمريكية من جهة والخلاف بين الثقافتين الأمريكية ودول الكومنولث من جهة آخري. ومع فوز الأمريكى سوندرز أصبح هناك قلق متزايد من أن الجائزة البريطانية يجرى الاستيلاء عليها من قبل الأمريكيين. وباختيار «لينكولن فى الباردو»، فإن لجنة تحكيم الجائزة اختارت مرة أخرى رواية أمريكية خالصة بوضوح سواء فى لغتها أو تفاصيلها التاريخية والثقافية، كما أنها الرواية الأمريكية الثانية الفائزة بالجائزة والتى تتعرض للعبودية والتداعيات الثقافية والاجتماعية، الخاصة بالمجتمع الامريكى. وبرغم أن القائمة القصيرة للجائزة ضمت ثلاثة كُتاب أمريكيين وثلاثة بريطانيين إلا أن الترجيحات الاولية كانت فى صف رواية «الخريف» للكاتبة الاسكتلندية آلى سميث والتى تتناول فيها تداعيات الخروج البريطانى من الاتحاد الأوروبي، وكانت أكثر مبيعاً من رواية «سوندرز» قبل إعلان الجائزة، إذ بيع منها خمسون ألف نسخة فى بريطانيا، بينما لم تبع رواية «لينكولن فى الباردو» سوى عشرة آلاف نسخة فقط. يرى الكثيرون فى صناعة الكتب والنشر أن إعلان البوكر انفتاحها بهذا الشكل يرجع إلى معركتها مع جائزة أدبية منافسة لها، وهى جائزة «فوليو» التى سبقت البوكر بإعلان سماحها للكُتاب الأمريكيين للمنافسة، إلا أن البعض يعزو ذلك إلى أسباب اقتصادية، نظرا لحاجة تلك الجوائز إلى رعاة، والرعاة بحاجة إلى معرفة أنهم يدعمون أكبر وأفضل جائزة أدبية وأكثرها تنوعا. وعلى صعيد سوق النشر فإن دور النشر الأمريكية من أكبر دور النشر فى الغرب ولها هيمنة قوية فى بريطانيا مثل : بينجوين راندوم هاوس، سيمون اند شوستر، هاربير كولينز، وغيرها، لذا لم تكن السيطرة الأمريكية على الجائزة البريطانية العريقة مفاجأة للبعض، وهناك من يعتبر فوز روايتى «بيتى» و«سوندرز» وعدم فوز رواية «الخريف» مثالا على تكيف سوق النشر مع شعارات مثل : نهاية عصر أوباما، معارضة دونالد ترامب، حياة السود مهمة، بدلا من تراجع المؤسسات البريطانية عقب البريكسيت. وربما يكون التغير الذى طرأ على «المان بوكر» مجرد انعكاس لتغييرات أوسع فى عالم النشر كما أوضحت ستيفى مارسدن فى مقال لها عام 5102 حيث لفتت إلى أن النظام الجديد لترشيحات الجائزة يتضمن عيوبا كثيرة لأن القائمة الخلفية للناشرين فى القائمة الطويلة فى السنوات بين 0102 5102 هيمنت عليها تكتلات دور النشر الكبيرة، فمن بين 57 كتابا تم إدراجها فى القوائم الطويلة للجائزة هناك 32 كتابا جاءت من دار بينجوين راندوم هاوس الأمريكية، بينما جاءت 9 كتب لدار هاشيت الفرنسية البارزة بالمملكة المتحدة، وسبعة لشركة بان ماكميلان وخمسة لهاربير كولينز مما يترك 13 كتابا لدور نشر مستقلة، قد لا يبدو ذلك هيمنة ساحقة، ولكن هذا يعنى أن التكتلات يحق لها تقديم ترشيحات أكبر بكثير من الناشرين الآخرين، مقارنة بالناشرين المستقلين. كما شهدت «بينجوين راندوم هاوس» نموا فى عدد ترشيحاتها المدرجة فى القائمة الطويلة كل عام، وتعزز ذلك مع ما تم إعلانه فى يوليو 5102 أن إيمانويل رومان، الرئيس التنفيذى لمجموعة مان، والراعى الرئيسى للجائزة، انضم إلى مجلس إدارة بينجوين راندوم هاوس. فوز سوندرز لم يثر الجدل فى بريطانيا وحدها بل أثاره فى الولاياتالمتحدة حيث انضم نقاد أمريكيون إلى المطالب البريطانية بإبعاد الكٌتاب الأمريكيين عن «المان بوكر» وبرزت لأول مرة تعبيرات مثل «أمركة البوكر». حيث قال الناقد البارز رون تشارلز: «كأمريكيين، ينبغى أن نكون أكثر قلقا بشأن فقدان التنوع الثقافى، وإغلاق سبيل آخر لنا لتجربة شىء خارج حدودنا المتنامية باستمرار، و بالنسبة لأى قارئ جدى للأدب، فإن أمركة البوكر يمثل فرصة ضائعة للتعرف على الكتب العظيمة التى لم تنشرعلى نطاق واسع، وعلى البريطانيين الاعتراف بأنهم قد ارتكبوا خطأ عام 4102 عندما دعوا الأمريكيين لجائزتهم ». ويرى تشارلز أن الجوائز الأدبية هى منظمات متضاربة تريد تعزيز التفوق الأدبي، بطبيعة الحال، ولكنهم يريدون أيضا تعزيز أنفسهم. فكل جائزة تقاتل من أجل الاعتراف. لذا أفضل طريقة للحصول على ذلك عبر المزيد من التغطية الإعلامية فى الولاياتالمتحدة من خلال وضع بعض أسماء الكُتاب الأمريكيين بين المتأهلين للتصفيات النهائية.