على شفير البعد ، ولوعة الفراق ، خطت أولى خطواتها بأقدام ترتعد حسرة، وندما .. فاقدة وحي الخطى، وبوصلة القلب، ولهفة الروح، التى دوما ما كانت تشير إلى قِبْلة حبها، وعشقها الذى كان .. راحت سيقانها تطوى الأرض طيًّا .. كأن قطارًا يبتلع قضبانه .. على طريق الهجران، قبل أن يرق القلب، أو تلين الكبرياء .. تاركة، من خلفها، بقايا أحاسيس، ومشاعر، كانت، يومًا، صرحًا من الوجد الأصيل ، شيدته له، بكل خفقة قلب نطقت بحبه، وبكل هدهدة روح ربتت، يومًا، على كتفه . وبكل ضمة بالعين قبل الجوارح، شيدت له قصرًا كانت لبناته من دفقات حنانها، وبلاطه دفء لقاءات عديدة . كم انصهرت فى قلبيهما حرارة الشوق، تزكيها نسمات الود، والغرام .. قصرًا عاش فيه على رحب العيون، وسعة الروح والفؤاد .. عاش فيه ملكًا متوجًا على عرش قلبها .. تسوق على وجهه نسمات لطيفات، تلطف حرارة من فوق وجنتيه، وتدثره بلفائف الدفء، كلما انتفض قلبه بردًا . افترشت له بهو قلبها بسندس المشاعر الحانية، والأحاسيس الرقراقة .. يلهو فيه طفلًا مدللًا .. نما على جدران قلبها صباه، وترعرعت حول خصرها رجولته، فكان نبتها الذى زرعته ريًّا بماء الحب والعطاء، وحصادها الذى جنته من دنيا الشوق، إلى أن جاءها يوم، أحست فيه أنه كان صرحًا من خيال بدأ يهوى ! اجتاحت قلبها رياح، لم تعد تحمل الدفء كما كانت، زلزلت أركان عشقها أعاصير باردة برودة الجحود، والنكران .. تبددت باقات الأمل والسعادة من جنبات قلبها .. تاركة خلفها قطعًا من ليل مظلم، خلت من كل ما يؤنس وحشة الروح، ويروى عطش القلوب .. شعرت بأن زائرة جديدة بدأت تزاحمها قلبه، الذى لم يعد ملكًا لها وحدها .. تصدعت جدران قصرها الذى كانت حانية عليه .. شروخ اعتلت حوائط وجدانها .. تشققات أصابت مشاعرها، وأحاسيسها، فسقط من فوق قمتها، ومن عينيها .. هذا الذى ما استهواه تربعه على قمة قلبها، ولا أسعده اعتلاؤه سدرة منتهاها ! بكت حبًّا، لطالما أمدته بوقود الحياة ليبقى متقدًا فتيًّا .. بكت أيامًا وليالي، بات القلب فيها يعطى، والروح تحنو .. بكت قلبًا ما دق إلا له، ولا خفق إلا على طيب ذكره .. بكت روحًا، مارفرفت بجناحيها إلا لتسقط على عينيه دقائق النغم لتكحلها .. بكت ثمارا أينعت على أغصان عودها، ما دنا وقت قطافها إلا له، وما أعطبها اليوم، أيضًا، إلا هو . خفق القلب حزنًا، وقلقًا، وريبة، يناشدها العفو .. تجلدها كبرياء أنوثتها بسياط العزة والكرامة .. قتلها حديث قلبها، الذى أقض مضجعها، واستعبده شكًّا، وعذبها صوت عقلها، الذى، كثيرًا، ما كان يقطع شكها باليقين .. حارت الروح، وتعذبت فى لهيب القلق بين القلب، والعقل .. بين الشك، واليقين، فكانت ثورة عارمة اعتملت بداخلها .. ثورة أضرمت النار بكل جوانحنا .. ثورة أتت على الأخضر منها، واليابس . نادته يومًا الى غرفتها .. أوقفته أمامها .. أمسكت يديه بيديها .. دموعها تنهمر على خديها .. تناشده القسم بكل غال عنده .. تستحلفه بالله : أجبنى إذ سألتك : هل صحيح حديث قلبى .. خنتني أم لم تخنِّ ؟ .. صمت .. طأطأ رأسه خجلًا، فأجهشت بالبكاء، فقد صدق فيه حديث قلبها .. تركت يديه تسقطان . غادرت غرفتها تسبقها همهمات الحزن .. راحت تلملم أشلاء حب تمزق .. أشلاء مشاعر داستها طعنات الغدر .. أشلاء عرفان، ومودة تبعثرت تحت أقدام الكبرياء .. جمعت ما تبقى منها، ومن قلبها .. غادرت فى يوم كانت ملامحه باردة برود قلبه، فلعل أمطاره التى تساقطت فوقها تطفئ لهيب قلب استعر حرقة، وانكسارًا .. رحلت تحت وقع حبات المطر التى كانت تنعى بنقرها الحزين قلبًا انفطر، وخطوات بلا عودة على طريق الهجران، وأنثى كسيرة القلب .. مهيضة الروح .. راحلة تحت المطر !!