"فاضل جثة، فين جثة عبد الله ؟"، كانت تلك صراخات ممزوجة بالألم أطلقتها أسرة "عطية"، التي اختطف الموت 7 من أبنائها، في حادث تصادم قطاري الإسكندرية، فبينما تسلمت الأسرة جثامين 6 من أفرادها، بينهم 3 أطفال من مشرحة كوم الدكة، اختفت تمامًا الجثة السابعة لتبدأ مأساة جديدة للأسرة. ولأن اكرام الميت دفنه قررت الأسرة نقل الجثامين ال 6، لتوارى الثرى بمثواها الأخير بمقابر الأسرة بمنطقة خورشيد، بالقرب من موقع كارثة القطار، الذين لفظوا أنفاسهم الأخيرة، على أن يعودوا مجددًا للبحث بين المشارح المختلفة عن جثمان الجثة السابعة. وخلال الموكب الجنائزي الذي امتزج فيه الصراخ والعويل، ظل السؤال الحائر تجلقه صرخات الأسرة:"فين جثة عبد الله؟.. فاضل جثة؟". 15 يومًا مرت على "منى السعيد عطية" 25 عامًا، لم تفارق فيها الدموع عينيها حزنًا على والدها الذى توفى وتركت منزلها فى محرم بك بالإسكندرية، وجاءت إلى قرية الرحمانية بالشرقية لتكون فى وداعه. ومع انتهاء جنازة والدها ظلت "منى" التى اصطحبت معها نجليها "ياسين" 4 سنوات و"بسملة" 8 سنوات، وطفلتى زوجها "جودى" 8 سنوات، و"لوجى" 7 سنوات، ونجلتى شقيق زوجها " شمس" 10 سنوات و"دنيا" 15 سنة، فى انتظار زوجها ليعيدها إلى الإسكندرية. ومع انشغال زوجها بعمله، وعدم تمكنه من السفر أصطحب "عبد الله" شقيقته "منى" ومعها الأطفال إلى محطة قطار أبو كبير، ليستقلوا جميعًا القطار رقم 576 لينقلهم إلى الإسكندرية، إلا أن الإهمال أراد لهم أن تكون رحلتهم إلى الآخرة بدلاً من الإسكندرية بعدما اصطدم قطار القاهرة بالقطار الذى يستقلونه أثناء توقفه بمنطقة خورشيد. يقول عطية السيد عطية، نجل عم منى وباقى الضحايا من أمام مشرحة كوم الدكة وسط الإسكندرية، "احنا استلمنا الجثث ال 6 فاضلنا جثة عبد الله ابن عمي". وأشار"السيد" إلى أنه لم يترك مستشفى أو ثلاجة حفظ موتى، لم يبحث فيها عن عبد الله، قائلا: "روحت مستشفيات البحيرة والإسكندرية ومالوش أثر، حتى مكان الحادثة أخدت الرجالة ودورت فيه، دفنا أبوه من 15 يومًا وأمه وأخوه الصغير ملهمش غيره عايزين، جثته علشان أمه ترتاح". وبجوار "السيد" وقف 4 شباب جاءوا من محافظة الشرقية بحثًا عن صديقهم عبد الله البالغ من العمر 18 عامًا، حيث قال هشام عبد القوي:"كنا متجمعين مساء الخميس مع عبد الله وأخبرنا أنه مسافر إلى مدينة الاسكندرية لزيارة أقاربهم وسيعود بعد 3 أيام ولكن مع عصر الجمعة سمعنا بنبأ الحادث". وبعيون أنهكهما البكاء قال محمد سالم السيد: "للأسف عبد الله مفقود حتى الآن ولم نجده ..عبد الله شاب مكافح كان يعمل ليل نهار في مصنع لإنتاج المكرونة لكي يوفر حياة كريمة له ولأسرته ولكن القدر لم يمهله الوقت لكي يحقق أحلامه".