قد يكون الاستمتاع بمشاهدة الأفلام المصرية القديمة، ليس بسبب النص السينمائي، أو احترافية الممثلين المصريين، أو حتى أسلوب كتابة نص الفيلم فقط، ولكنه أيضًا قد يكون بسبب الانبهار مما كانت تتمتع به شوارع العاصمة، من مظهر باريسي، في تنظيمها ونظافتها، وعدم ازداحامها. "البسكلتة" أو الدراجة الهوائية، كانت إحدى وسائل المواصلات المعروفة في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي بالقاهرة، وحتى وقت ليس بالبعيد، كانت تُستخدم من قبل موظفي بعض الهيئات الحكومية وطلبة المدارس، كوسيلة جيدة ورخيصة للتنقل، ومع الازدحام وسرعة وتيرة الحياة بالعاصمة، لا يتخيل أحدًا أن تعود "البسكلتة" كوسيلة للتنقل من جديد. فكرة عودة استخدام "البسكلتة" قابلها البعض بالاستغراب، والبعض الآخر أكد استحالة التطبيق، خاصة مع ما تعاني منه شوارع العاصمة من الزحام المروري والعشوائية، التي سادت في السنوات العشر الأخيرة. محافظة القاهرة كان لها رؤية أخرى مغايرة لأولئك الذي استغربوا الفكرة، والذي أكدوا استحالة تطبيقها، حيث وقعت المحافظة برتوكول تعاون مع برنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية " UN HABITAT "، بتكلفة تقارب 30 مليون جنيه، لأنظمة التشغيل لمشروع الدراجات الجديد. المشروع أوضح الهدف منه، عاطف عبدالحميد محافظ القاهرة، بإقامة 6 محطات، مزودة ب 600 دراجة هوائية في المرحلة الأولى، والجاري الإعداد لها حاليًا، حيث سيتم تطبيق هذا النظام في الشوارع الكبيرة، باقتطاع حوالي مترين منها، لعمل مسار خاص بالدراجات. كما أن المشروع لن يسمح بتعرض الدراجات للسرقة، نظرًا لبرنامج الحماية لها، بالإضافة إلى توافر كافة بيانات الراكب لدى الشركة المُشغلة، والمسجلة على كارت ممغنط، فضلًا عن تزويد الدراجات بنظام GPS، يوضح خط سير الدراجة، التي سيتم حساب التكلفة على الراكب طوال مدة غياب الدراجة عن المحطات المخصصة لها. وأوضح محافظ القاهرة، أن الدراجات أصبحت أحد وسائل حل المشاكل المرورية بالمدن الكبرى؛ لسد الفجوة المساحية بين محطات المترو وبعض أماكن العمل والدراسة، وتوقع أن يُقبل شباب الجامعات على استخدامها في الذهاب والإياب من الجامعة للمنزل والعكس. التنبؤ بنجاح الفكرة الذي توقعه محافظ القاهرة، لم يلق نفس التأكيد لدى عدد كبير من الشباب، الذين استوقفتهم "بوابة الأهرام" فى أماكن مختلفة، لمعرفة رأيهم وسماعهم بالتجربة. "الفكرة ستفشل"، كان هذا رأي "شادى" -طالب بكلية الهندسة جامعة عين شمس- موضحًا أنه من واقع تخصصه في الهندسة المدنية، فدول أوروبا وغيرها من الدول المتقدمة، تصمم مسارات خاصة عالية الجودة لسير النقل العام، وأخرى للنقل الثقيل، وثالثة للدراجات، وتساءل هل مسارات الدراجات التى أعلن عنها محافظ القاهرة ستكون بنفس الجودة؟، وهل ستصمم في أماكن قريبة على الأقل من الجامعات- باعتبار أن من يتوقع إقباله على استخدام الدراجات هي فئة الشباب؟ واختتم المهندس الشاب تساؤلاته، ب "هل ستصمم بجوار أندية ومراكز الشباب؟"، ليرى أن إجابة هذه الأسئلة ضرورية لوضعها في الاعتبار عند تصميم هذه المسارات، خاصة وأن القائمين على المشروعات فى مصر قد لا يضعون ذلك فى الاعتبار، وتصمم المسارات بعيدة عن الأماكن التي يتردد عليها الشباب، وبالتالي تفشل التجربة. "أكيد بتهزروا"، كان هذا رد "عادل"، أحد الشباب الذين استوقفتهم "بوابة الأهرام" أمام محطة مترو "العباسية"، مؤكدًا عدم سماعه بالفكرة. أما "هبة" -إحدى الطالبات بجامعة عين شمس- اعتبرت أيضًا الفكرة "نوع من الفكاهة"، لافتة إلى أن التجربة إذا تم تطبيقها، فلن يكون للبنات حظًا فيها، بسبب عادات وتقاليد المجتمع الشرقى. "هو احنا لاقين ناكل علشان الكلام الفارغ ده"، هكذا تحدثت معنا "يسرية" -إحدى موظفات القطاع العام- متابعة، أنها لتتغلب على ارتفاع أسعار الميكروباص والسرفيس، تضطر لانتظار الأتوبيس ب"الساعات"، قائلة: "إذا كان دا حالنا تقوم الحكومة تعمل بسكلتة يوفروا فلوسهم أحسن، ويطوروا لنا الطرق بدل الكلام الفارغ اللي في النهاية ح يفشل". المهندس "فادى نبيل"، أحد المتخصصين في مجال الطرق والنقل، أوضح ل "بوابة الأهرام"، أن الفكرة لو نفذت فسيقتصر استخدامها على الطبقة المرفهة، التي اعتادت ركوب الدراجات في الأندية وبعض الأحياء والمناطق الراقية كمصر الجديدة والزمالك والمعادي والنزهة، ولكن المشروع لن يعود بفائدة على المواطن متوسط الدخل، وكذلك الفقير الذى يقطن بالمناطق العشوائية، والذي لن تساعده ثقافته وانشغاله بلقمة العيش بالتفكير في استخدام هذا النوع من المواصلات. وقال "نبيل": "إذا أرادت أجهزة محافظة القاهرة نجاح الفكرة، فعليها الوصول لهذه الشريحة، وتوفير أسعار ركوب الدارجات كما هو الحال في أسعار النقل العام، حتى تشجع – في البداية على الأقل- شريحة عريضة على استخدام هذا النوع غير الملوث للبيئة من المواصلات". فيما أوضح المهندس أشرف حلمي، وكيل أول وزارة النقل ومدير مديرية الطرق بمحافظة القاهرة، ل "بوابة الأهرام"، : "أن مشروع الدراجات هي منحة، مقدمة من برنامج الأممالمتحدة للمستوطنات البشرية، لن تتكلف محافظة القاهرة ومديرية الطرق فيه شيئًا، كما أن المسارات والدراجات سيوفرها ويصممها البرنامج". من جانب آخر، أعلن اللواء محمد أيمن عبدالتواب، نائب محافظ القاهرة للمنطقتين الشمالية والغربية، في تصريحات صحفية، أن الأسباب التي دفعت المحافظة إلى التفكير في هذا المشروع، هو الكثافة السكانية العالية، نتيجة معدلات النمو المتزايدة والهجرة الداخلية؛ مما دعا لمواجهة ذلك، إلى التنوع في وسائل النقل، كاستخدام الدراجات بديلاً للسيارات؛ لتقليل معدل استخدامها بشوارع العاصمة. وأضاف "عبدالتواب"، أن مترو الأنفاق يتميز بوجود مخارج له ذات كثافة عالية، لذلك تم التفكير في استغلال مخارجه لإقامة محطات للدراجات، خاصة محطات المترو التي تشهد إقبالا كثيفًا من المواطنين، كالموجودة عند "جامعة عين شمس، أو دار القضاء العالي أو مجمع التحرير أو الإذاعة والتليفزيون. ومن جانبه لفت المحافظ، إلى أنه جارٍ تجهيز إشارات خاصة للدراجات، تضاف إلى إشارات المرور، مشيرًا إلى أن الإدارة العامة للمرور شريك أساسي في هذا المشروع، من خلال وضع الضوابط والمتابعة والمراقبة والالتزام بالإشارات الخاصة. وحول أهم الضوابط المتعلقة باستخدام تلك الدراجات وضمان رجوعها إلى المحطة مرة أخرى، أكد المحافظ، أن المواطن لا يمكنه استخدام الدراجة إلا بالكارت الذكي، وسيكون مسجل به كافة البيانات، وهذا الكارت "مسبوق الدفع"، وهو شبيه بكارت الفنادق، فلا يمكن فتح الغرفة إلا بالكارت الخاص بها. وفي حالة ضياع الكارت من صاحبه، يقوم بالإبلاغ الفوري عنه، ويتم إيقاف الكارت فورًا، فالدراجة لا يتم سحبها أو وضعها في المحطة إلا بالكارت، معلنا أن الدراجات سيكون لها "باركود" سيظهر في الكارت.