في خطوة تأتي في إطار دور الأزهر لمكافحة التطرف والتعصب، تقدّم شيخ الأزهر، الإمام الأكبر د.أحمد الطيب، لرئيس الجمهورية عبد الفتاح السيسي، بمشروع قانون لمكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، في 21 يونيه الماضي، وذلك خلال احتفالية ليلة القدر. يشتمل مشروع القانون - الذي عُرض على هيئة كبار العلماء، وناقشته ووافقت عليه، بحسب بيان الأزهر آنذاك - على 16 مادة يبدو عدد منها عموميًا، دون التحديد الصريح والمباشر للألفاظ والعبارات التي تُجرم الكراهية والعنف. مبدئيًا، اتخذت المواد الأولى (1، 2، 3، 4) من مشروع قانون مكافحة الإرهاب، طابعًا تعريفيًا، فالمادة 1 تطرقت لتعريف الدولة/ المجتمع/ الأديان/ الكتب السماوية/ دور العبادة/ خطاب الكراهية/ التمييز/ وسائل العلانية والنشر/ المؤسسات التعليمية. وأفرد المشروع المادة 2 ، لاستعراض أهداف مشروع القانون وأغراضه، التي جاء أبرزها: "وقاية المجتمع من محاولة غرس مفاهيم مغلوطة...". كذلك وضعت المادة 3 قاعدة تنظيمية إذ نصت على "لا يخل هذا القانون بحقيقة اختلاف العقائد أو تعارضها أو حرية البحث العلمي فيها أو...". وتنص المادة الرابعة من القانون على أنه: "لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير أو النقد وحرية الإعلام أو.. للإتيان بأي قول أو عمل ينطوي على ما يخالف أحكام هذا القانون". أفرد القانون المادة الخامسة من قانون مكافحة الإرهاب، لتحديد الأشخاص محل تطبيق القانون، إذ تنص على أنه "تسري أحكام هذا القانون على كل شخص يرتكب خارج إقليم الدولة فعلًا يجعله فاعلًا أو شريكًا في الجريمة، إذا وقع الفعل كله أو بعضه أو أنتج أثره في إقليم الدولة". وتعد المادة الخامسة، تكرارًا واضحًا لشروط تطبيق قانون العقوبات المصري المدرجة في كود العقوبات منذ أن صدر، وذلك وفقًا لمبدأ الإقليمية، وهي إنه إذا توافر شرط مبدأ الإقليمية أي إذا وقعت الجريمة كلها أو في جزء منها على إقليم الدولة فإن الأثر المترتب على ذلك يتمثل في سريان القوانين الجنائية لمصر وفي اختصاص القضاء المصري بمحاكمة المتهم بتلك الجريمة. في حديثه ل"بوابة الأهرام"، استعرض الدكتور صبري السنوسي، رئيس قسم القانون العام، بجامعة القاهرة، الإجراءات الدستورية لإصدار مشروع قانون الأزهر، إذ يقول "مقترح مشروع قانون مكافحة الكراهية والعنف باسم الدين، من المقرر أن يُعرض على مجلس النواب بعد تقديمه لرئيس الجمهورية، وذلك لاتخاذ مساره الدستوري الصحيح، إما بإجازته أو برفضه، وإذا وافق عليه مجلس النواب، يُحال لرئيس الجمهورية لإصداره". قرأ الدكتور محمود كُبيش، أستاذ القانون الجنائي، وعميد كلية الحقوق الأسبق بجامعة القاهرة، مشروع القانون فيرى أن "تعدد القوانين التي تواجه ذات الظاهرة ليست في مصلحة العدالة؛ إذ يخلق نوعًا من التشتت للقاضي والمحامي وهو ما يمس جوهر العدالة وبالتالي تمس الدولة ككل". وأضاف كُبيش أنه لدينا ما وصفه ب"غابة من التشريعات لمواجهة كل ظاهرة من الظواهر"، والنصوص متكررة، وكل جهة تريد أن تظهر أن لها باعا في محاربة الإرهاب، ومن ثم تتقدم بمشاريع قانون. كما اعتبر أن القانون المصري، وبخاصة قانون العقوبات، "يتضمن عددًا من نصوص التجريم الكافية، وكذلك قانون الإرهاب الصادر في أغسطس 2015، إذ لا حاجة لقانون آخر يكرر ما سبق، ولا يقدم جديدًا". وكان الرئيس عبدالفتاح السيسي قد صدق على قانون الإرهاب الذي اقترحته الحكومة، في 16 أغسطس 2015، وقد تضمن القانون 54 مادة مفصلة تفصيلًا دقيقًا، تشتمل على تعريفات لماهية الجماعة الإرهابية، والإرهابي، والجريمة الإرهابية، والأسلحة التقليدية، وغير التقليدية، والأموال. وطبقًا للقاعدة القانونية المعروفة "الخاص يُقيد العام"، فإن ذلك القانون (قانون الإرهاب 2015)، يُقيد نصوص تجريم الإرهاب في كود العقوبات، كونه أحاط بكل الألفاظ والعبارات، وعرّفها تعريفًا محددًا، بحيث لا يدع مجالًا للسلطة التقديرية للقاضي. فمثلًا نصت المادة الأولى من قانون الإرهاب 2015 في الفقرة 1 على أنه "في تطبيق أحكام هذا القانون يقصد بالألفاظ والعبارات التالية المعني المبين قرين كل منها: (1) الجماعة الإرهابية: كل جماعة أو جمعية أو هيئة أو جهة أو منظمة أو عصابة مؤلفة من ثلاثة أشخاص على الأقل أو غيرها أو كيان تثبت له هذه الصفة أيا كان شكلها القانوني أو الواقعي سواء كانت داخل البلاد أو خارجها وأيًا كان جنسيتها أو جنسية من ينتسب إليها تهدف إلى ارتكاب واحدة أو أكثر من جرائم الإرهاب أو كان الإرهاب من الوسائل التي تستخدمها لتحقيق أو تنفيذ أغراضها الإجرامية". فيما يخص مشروع قانون "مكافحة الكراهية" تبدو المواد الأربع الأولى، رغم طابعها التعريفي، عمومية في نصها؛ فعبارات وألفاظ نصوص مشروع القانون، نأت عن التفسير، وتحديد مدلول العبارة واشتمالات اللفظ، فمثلًا: لم يحدد مشروع القانون خطاب الكراهية تحديدًا دقيقًا، أي ما خطاب الكراهية، وما الأفعال التي تُعد ترجمة لهذا الخطاب( م 1)، وكذلك الحال في ماهية التمييز، أما المفاهيم المغلوطة (م 2)، جاءت مبهمة وعامة، إذ كانت تقتضي تحديد المفاهيم المغلوطة، كون هذه العبارة تطرح تساؤلًا حول "ما هي المفاهيم التي تعد مغلوطة؟ وهذه المفاهيم مغلوطة من وجهة نظر من وفي أي سياق وإطار؟ تنص المادة 7 على أنه "يحظر بأي وسيلة من وسائل العلانية والنشر المساس بالذات الإلهية أو الأنبياء أو الرسل أو التحريض على ذلك". يبدو هذا النص، مشابهًا إلى حد بعيد لنص المادة 98 من قانون العقوبات المصري التي تنص على أنه "يعاقب بالحبس مدة لا تقل عن ستة أشهر ولا تتجاوز خمس سنوات، أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه، كل من استغل الدين في الترويج بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخرى لأفكار متطرفة، لقصد إثارة الفتنة أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية أو الطوائف المنتمية إليها أو الإضرار بالوحدة الوطنية". فبالإضافة إلى إشكالية تكرار القوانين وتعددها التي أشار لها كبيش، تعد كلمات من قبيل "المساس" و"السخرية" فضفاضة غير معرفة تعريفًا قطعيًا، الأمر الذي يجعل من تأويل الكثير من الآراء المنشورة بأية وسيلة تأويلًا يجعل صاحبها تحت طائلة العقوبة المبنية على المادة. وهي إحدى النقاط التي أشار إليها المعارضون لما يعرف بقانون ازدراء الأديان، الذي تسبب في ملاحقة عدد من الكتاب والإعلاميين قضائيًا، بل وحبسهم في بعض الحالات. تنص المادة الرابعة على أنه "لا يجوز الاحتجاج بحرية الرأي والتعبير، أو النقد أو حرية الإعلام أو النشر أو الإبداع بالإتيان بأي قول أو عمل ينطوي على ما يخالف أحكام هذا القانون". الاحتجاج نفسه الموجه لمادة "ازدراء الأديان" ربما يظل قائمًا أمام هذه المادة، التي رأى البعض أنها تقف في مواجهة المادة 65 من الدستور المصري الصادر عام 2014، التي تنص على أن "حرية الرأي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو التصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر". ويبقى التساؤل: هل يفتح تضمين المادة عبارة "حرية الإبداع" الباب على تأويل النصوص الإبداعية كالقصة أو الرواية أو المسرحية تأويلًا يحاكمها فيما إذا كانت قد أساءت للذات الإلهية أو الرسل أو غيرها مما تنص عليه المادة؟ مع الأخذ في الاعتبار طبيعة هذه النصوص المجازية التي تتجاوز حرفية اللفظ إلى مستوى لغوي أكثر عمقًا. كما تنص المادة 6 من القانون على أنه "لا يجوز طرح المسائل العقائدية محل الخلاف أو التعارض للنقاش العلني في وسائل الإعلام على نحو يدفع المؤمنين بها للتصادم أو العنف". يبدو أن المادة أيضًا لم تحدد "المسائل العقائدية محل الخلاف" تحديدًا دقيقًا، فهل ينطبق ذلك على مناقشة الاختلاف في العقيدة بين المدارس الإسلامية المختلفة كالمذهب السني والشيعي وكذلك بين المعتزلة والأشاعرة؟ أم يتوقف الأمر عند الخلاف بين العقيدتين الإسلامية والمسيحية تجنبًا لمشكلة تكفير الآخر؟ تشير المذكرة الإيضاحية للقانون إلى أنه يهدف إلى "منع التطاول على الذات الإلهية والأنبياء والرسل، أو الطعن في أزواجهم وآلهم وأصحابهم تعريضًا أو تجريحًا أو مساسًا أو سخرية". تفتح إضافة كلمة "وأصحابهم" الباب أمام التساؤل حول الأصحاب أو الصحابة. ففي حالة الدين الإسلامي ثمة خلاف بين كبار كتاب التراجم والطبقات حول تعريف الصحابة، بين الإسلام في حياة النبي والإقامة حوله، وبين مجرد الإيمان به في حياته واللقاء به، حتى أن البعض يعتبر أغلبية جيل فترة الدعوة صحابة. هؤلاء الصحابة، ومنهم من اقترب من النبي محمد – عليه السلام- بعضهم محل خلاف لدخوله في مشكلات سياسية وصراعات مثل: معاوية بن أبي سفيان، وأبي سفيان نفسه، وعمرو بن العاص، وطلحة، الذين شاركوا في الفتنة الكبرى وغيرهم. ومنهم من عرف بردته فترة من الزمن مثل عبد الله بن سعد الذي يروي المؤرخون أن النبي أمر بقتله لولا توسط الصحابي عثمان بن عفان – رضي الله عنه. فهل يعد تعرض باحث أو إعلامي بالنقد لإحدى هذه الشخصيات – وهو ما فعله عدد من كتابنا الإسلاميين- أمرًا يعاقب عليه القانون، وهو الأمر الذي يجعل البحث في مسألة الفتنة الكبرى وتاريخ صدر الإسلام أمرًا شائكًا؟ بشكل عام يمكن التساؤل: هل اتخذ مشروع القانون المقدم من الأزهر طابعًا يخرج به عن طابعه العام إلى تخصيص ديني؟ وهو الأمر الذي يدفع للمقارنة بالقوانين المشابهة سواء في دول أوروبا أو في أمريكا، التي اتخذت طابعًا إنسانيًا عامًا يتجاوز هذه التفصيلات الدينية. وهل تعد هذه التفصيات الدينية، والتشديد عليها في قانون جديد عائقًا أمام حرية الرأي والإبداع التي تعاني ما تتسبب فيه المادة 98 من قانون العقوبات التي ألقت بعدد من الكتاب خلف أسوار السجون أو فرقتهم عن زوجاتهم؟ يبقى هذا السؤال مفتوحًا في انتظار موقف المبدعين.