لم يكن فريد شوقي الذي ولد بالسيدة زينب عام 1920 وتوفي عام 1998 مجرد ممثل برع في تقديم أدوار الفتوة والشرير، بل ممثل شامل أجاد تقديم أدوار مختلفة كل منها يواكب مراحله السنية المختلفة، وحافظ من خلالها على تصدره أدوار البطولة حتى آخر يوم في حياته، وهو نموذج نادر في تاريخ السينما المصرية. وحش الشاشة بدأ حياته الفنية بأدوار ثانوية كعضو في إحدى العصابات في الأفلام القديمة مثل "غزل البنات" و"عنبر" و"قلبي دليلي" وغيرها، إلا أنه سرعان ما تقدم ليلعب أدوارًا مهمة ،يمثل فيها جانب الشر أمام أبطال يمثلون جانب الخير مثل: أنور وجدي وعماد حمدي ومحسن سرحان وعمر الشريف، ثم وجد نفسه في أدوار البطل الذي يصارع الشر وينتصر عليه، وكون في ذلك ثنائيات تاريخية مع زكي رستم ثم محمود المليجي صديقه الأنتيم في الواقع وعدوه اللدود على الشاشة، ثم توفيق الدقن، وحسن حامد وأخيرا عادل أدهم. واستطاع من خلال هذه الأدوار أن يكوِّن جماهيرية أسطورية منحته لقب ملك الترسو، أو وحش الشاشة، الذي ترى فيه الجماهير بطلا من أبطال السير الشعبية الذين يغرم بهم البسطاء،ويعلقون عليهم أحلامهم في تحقيق القوة والفتوة والهيمنة والنصرة ،كأنه عنترة أو أبو زيد الهلالي، ليمثل المعادل الموضوعي لواقعهم من حيث شعورهم بالضعف والعجز، ومعاناة الظلم . حتى وهو يقوم بأدوار الشرير أو المهرب كانوا يتعاطفون معه، كما في فيلم "حميدو " وغيره، كل هذا صحيح إلا أن هناك دورا أداه فريد شوقي قد يخفى على الكثيرين من عشاقه، وهو دور أداه وراء الكواليس ولكن لا يقل بحال عن دوره أمام الكاميرات،وهذا الدور هو دور المؤلف أو السيناريست، وما أصعبه من دور وما أكثر أهميته إذ هو ضربة البداية الأولى لأي عمل فني،وهذا العمل له متخصصون. ومن النادر أن تجد شخصًا واحًدا يجمع وبإجادة تامة بين العملين التأليف والتمثيل، لأن لكل منهما ملكاته ومستلزماته الخاصة ، التى يندر أن يملك إنسان ناصيتهما معا، وبنفس الجودة والروعة مثلما تحقق ذلك في شخص فريد شوقي، فإذا عرفت أسماء بعض وليس كل الأفلام التي قام بتأليفها أو كتب السيناريو لها، مع قيامه بدور البطولة فيها، فستصيبك الدهشة، لأنها كلها علامات بارزة، ونقاط مشرفة في سجل السينما العربية على مدى تاريخها. ففي عام 1952 ألف فيلم "الأسطى حسن" مع المشاركة في كتابة السيناريو، ومن بطولته هو ورشدي أباظة وهدى سلطان، وماري منيب، وتعرض فيه لموضوع اجتماعي مهم، حيث بطله عامل فقير يعيش ساخطا على رقة حاله وفقره، ناقما على ضيق ذات اليد، حتى تعرف على امرأة جميلة غنية وجد فيها طوق النجاة الذي ينتشله من الفقر والعيش في الحارة، فهجر زوجته وابنه وذهب ليتمرغ فى النعمة والأبهة والمتعة، حتى كاد يفقد ابنه حياته تحت عجلات سيارة هذه المرأة ، حتى يسقط في النهاية سجينا متهما بقتل غريم له ينافسه على حب هذه المرأة اللعوب، ليكتشف أخيرًا أن وجوده وسط أسرته الفقيرة كان نعمة تبطَّر عليها. وفي عام 1953 ألف فيلم "حميدو" بطولته مع هدى سلطان ومحمود المليجي وكتب السيد بدير السيناريو والحوار ويدور حول أشهر تجار المخدرات بالإسكندرية. وفي عام 1954 ألف فيلم" جعلوني مجرمًا " والمفاجأة أن الأديب الكبير نجيب محفوظ شاركه كتابة السيناريو له، وقد ناقش في هذا الفيلم المهم فكرتين في غاية الأهمية، أولاهما أولاد الشوارع القنبلة الموقوتة دائما، والمادة الخام لتفريخ المجرمين ومدى مسئولية المجتمع عنهم. أما الفكرة الثانية، فهي السابقة الأولى التي تطوق عنق صاحبها وتطارده حتى نهاية حياته فتحول دون حصوله على عمل شريف، مما يدفعه دفعا إلى الاستمرار في الإجرام، حتى ولو كانت الجريمة ملفقة ولم يقترفها ،وهو ما أدى إلى استصدار قانون يقضي بسقوط السابقة الأولى بعد فترة من ثبوت توبة صاحبها وهجره الجريمة . وفي عام 1956 عرض فيلمه الشهير" رصيف نمرة خمسة"، وهو من أجمل الأفلام العربية، من تأليفه أيضًا وبطولته مع زكي رستم ومحمود المليجي وهدى سلطان، وأبرز فيه دور قوات حرس السواحل أو حرس الحدود في ملاحقة المهربين وإحباط نشاطهم. وفي 1957 ألف فيلم "الفتوة" الذي شاركه البطولة فيه زكي رستم وتوفيق الدقن وتحية كاريوكا، وشارك أيضًا نجيب محفوظ في كتابة السيناريو له وتعرض فيه لقانون السوق الأزلي :البقاء للأقوى، من خلال سيطرة تاجر واحد على السوق وهيمنته على التجارة والتجار، وفرضه الأسعار وتحكمه فى العرض والطلب، وإذا سقط هذا التاجر الفتوة لا تحل المشكلة، بل يحل محله فتوة آخر أقوى وأشرس، فى عالم لا مكان فيه للضعفاء ولا للفقراء. ولعل من أهم أفلامه التى شارك في كتابة السيناريو لها فيلم "كلمة شرف" 1972، وشاركه فيه البطولة أحمد مظهر ورشدي أباظة وهند رستم ،وهذا الفيلم كان له أثر مباشر في استصدار قانون يسمح للسجين الحسن السير والسلوك بالخروج لزيارة أهله في حالة مرض أو زواج أو موت أحد أقربائه من الدرجة الأولى . وهناك العديد والعديد من الأفلام المدهشة ذات القيمة الفنية العالية من تأليفه مثل فيلم "الجاسوس"مع عادل أدهم وعزت العلايلي وفيلم "ومضى قطار العمر"بطولته مع نورا و ناهد شريف وسمير صبري وعماد حمدي ولأول مرة لوسي عام 1975. ولم يقتصر تأليفه المبدع على الأفلام السينمائية فقط ، بل امتد إلى التليفزيون ليؤلف مسلسلات خالدة كانت وما زالت من أهم المسلسلات في تاريخ التليفزيون العربي، منها على سبيل المثال لا الحصر مسلسلات "عم حمزة" بطولته مع سهير البابلي ومحمد العربي وهناء ثروت و"صابر يا عم صابر" مع تحية كاريوكا وهالة فاخر و"العرضحالجي" و"البخيل وأنا" بطولته وكريمة مختار ووائل نور ومحمد هنيدي لأول مرة وغيرها من المسلسلات ، مما يؤكد أنه كان من صناع الفن البارزين في تاريخ السينما والدراما الذين تتميز أعمالهم بالموضوعية، والقيمة الفنية العالية، فضلا عن النجاح الجماهيري المنقطع النظير. فإذا كان للفن رسالة فقد جسدها فريد شوقي في أعماله ممثلا ومؤلفا وسيناريستا ومنتجا ليقوم بدور مؤسسي رائع قلما يكون له نظير.