"أنت بابا وأنت ماما وأنت أنور وجدي"..، "إفيه" شهير أطلقته الفنانة الكوميدية المتميزة إسعاد يونس في إحدى مسرحياتها، تلقفته الجماهير بحفاوة شديدة وصار أقرب إلى مثل يقال فيما يناسب ويشابه الموقف المسرحي. وكما أشاع اسم أنور وجدي في هذه الجملة ،عاصفة من البهجة والبسمة والسعادة والمرح في نفوس الجماهير،ارتبط اسمه في نفوس عشاق السينما الحلم ،السينما الجميلة ،سينما الأبيض والأسود الساحرة، ذات البريق المتجدد،بنفس المشاعر، فقد كان من خلال أفلامه يبث مزيجا من المشاعر الإيجابية منها البهجة والسرور، ويبث روح التفاؤل والمرح، مع مزيج من التحدي للظروف من فقر وإحباط، فضلا عن تحبيب في الشهامة والمروءة والنبل و مساعدة الناس المحتاجين ونصرة المظلومين ، مهما كلف البطل من خوض المخاطر والتعرض للعقبات، وفي ختام هذه الأفلام، تكون النهاية السعيدة التي تعيد الحقوق إلى أصحابها وتعيد الأمور إلى نصابها،وتنتصر القيم السامية الجميلة على قوى الشر القبيحة ،فيخرج المتفرج مبتسما سعيدا وقد سرت في نفسه بطريق غير مباشر،مشاعر من الصعب أن تخلقها الخطب المنمقة أو العظات المتأنقة، وهذا هو جوهر رسالة الفن الحقيقية لمن يجهلون أن للفن رسالة. بداية متواضعة أنور يحيى الفتال هذا هو اسمه الحقيقي قبل أن يصبح النجم أنور وجدي وكان موعده مع الحياة في القاهرة في 11أكتوبر 1904 لأب سوري كان تاجر قماش كسدت تجارته وأفلس فهاجر إلى القاهرة ،وعاش فيها يعاني الفقر والعوز ،وبسبب ذلك لم يكمل أنور تعليمه بمدرسة الفرير،وحاول أن يعمل في أعمال مختلفة، ولكن ولعه بالتمثيل ومحاولته الهروب إلى إيطاليا في محاولة فاشلة للهجرة غير الشرعية،أديا إلى أن يطرده أبوه،فواجه شظف العيش بمفرده واضطر أن يشارك صديقه عبد السلام النابلسي سكنى حجرة بسطح إحدى عمارات القاهرة . اختار لقب وجدي لكى يقترب من قاسم وجدي الريجيسير المسئول على تشغيل الممثلين الكومبارس حينما كان يعمل بالمسرح ثم تدرج في الفن من كومبارس صامت أجره 3جنيهات شهريا إلى ممثل ثانوي، ثم دور ثان ،حتى صار بطلا لأعظم الأفلام وأشهرها في عصره ثم صاحب أكبر شركات الإنتاج السينمائي في الشرق. ثنائياته الشهيرة لأنور وجدي بصمة في السينما العربية لا تمحى، فمن منا ينسى ثنائيته مع الطفلة المعجزة "فيروز" في سلسلة من الأفلام أشهرها فيلما"دهب" و"ياسمين" وغيرهما حينما كانا يهزان قلوبنا ويداعبان مشاعرنا بعمق من أقصى التعاطف والإشفاق حتى الدموع، إلى أقصى الفرحة والسعادة حتى الدموع أيضا. فكم أمتعتنا أغانيهما مثل :معانا ريال، واستعراضاتهما وتابلوهاتهما الفنية،فضلا عن أحداثهما الدرامية والفكاهية في آن واحد . ثم من منا ينسى أشهر ثنائي في تاريخ السينما المصرية أنور وجدي وليلى مراد حين قدما أروع الأفلام الغنائية والاستعراضية التى قل مثيلها ،منها سلسلة أفلام "قلبي دليلي" و" ليلى بنت الفقراء" والذي استغلا انتهاءه بزفة فرح ليحولاها إلى فرح حقيقي وزفاف رسمي لهما عام1944 ،ثم فيلم "ليلى بنت الأغنياء "و""ليلى بنت الريف"وليلى بنت الأكابر و"غزَل البنات " و"عنبر"، تلك الأفلام التي شكلت وعينا ونحن صغار ،ونبهتنا إلى الصراع بين الطبقات التي كانت موجودة قبل ثورة يوليو،حيث طبقة الأثرياء من الإقطاعيين والباشوات المترفين ،وطبقة الفقراء من العمال والفلاحين الكادحين، وصغار الموظفين، وكيف حاولت هذه الأفلام تجسير الهوة بين الطبقتين عن طريق البطل الفقير الذي يحب البطلة ذات الحسب والجاه والمال، أو العكس، وفي النهاية يتغلب الحب على التقاليد السائدة ليكون الحب هو نذير الثورة وأداتها. ثم من ينسى أنور وجدي في فيلمه الظريف "خطف مراتي" مع صباح وليلى فوزي،ومن ينسى الضابط الشهم في"أربع بنات وضابط" أو الضابط البطل في فيلمي"الوحش"و"ريا وسكينة " أو الفارس النبيل وهو يجسد دور "حسن الهلالي "في فيلمه الشهير "أمير الانتقام" ذلك الشاب الذي تآمر عليه أهل الشر ،فألقي في السجن وحكم عليه بالإعدام ،ولكنه يتمكن من الهرب ليصبح هدفه وغايته في الحياة، الانتقام ممن أهدروا شبابه, وتسببوا في موت أبيه كمدا وحسرة عليه، وحرموه من عروسه ليلة زفافهما . وكيف كان البطل نبيلا حتى مع أعدائه، فاكتسب تعاطف الجمهور معه إلى أقصى درجة. أنور وجدي المتعدد المواهب لم يكن أنور وجدي مجرد ممثل يؤدي دورا رسمه مؤلف أو سينارست ويحركه مخرج ويتقاضى أجره من منتج، كبقية الممثلين، بل قام بدور مؤسسة سينمائية متكاملة العناصر تمشي على الأرض، كيف لا وقد كان كل ذلك في معظم أفلامه السابق ذكرها، فكان المؤلف والسيناريست وكاتب الحوار والمنتج والمخرج ، فضلا عن كونه بطلها الأول ونجم الشباك أيضا، ليس هذا فحسب، بل إنه أنتج وألف أفلاما شهيرة لغيره من الأبطال حققت نجاحات هائلة، أشهرها "المليونير" و"البطل" لإسماعيل يس، و"ليلة العيد " لشادية وشكوكو ونور الدمرداش و"ليلة الحنة" لشادية وكمال الشناوي. ولم تكن أفلامه مجرد أفلام تجارية تحقق إيرادات هائلة فحسب، بل كانت في معظمها أفلاما قيمة من الناحية الفنية والنقدية حتى إن هناك 6 أفلام شارك فيها كانت من بين أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية وهي"العزيمة" و"أمير الانتقام"و"غرام وانتقام"و"الوحش"و"ريا وسكينة" و"غزَل البنات". 3 زوجات وقد تزوج أنور وجدي من الممثلة إلهام حسين التى شاركت محمد عبد الوهاب فيلم يوم سعيد، وسرعان ما انفصلا ، ثم أحب ليلى فوزي بطلة الكثير من الأفلام آنذاك، في حين أنه ما زال يخطو خطواته الأولى في الأدوار الصغيرة، مما جعل أباها يرفض زواجه منها، ويزوجها لعزيز عثمان رغم أنه يكبرها بثلاثين عاما، وسرعان ما تعرف أنور وجدي على ليلى مراد من خلال الأفلام التي تشاركا فيها فتزوجها واستمر الزواج 7سنوات، ثم كان الطلاق الذي فرق بينهما، في الوقت الذي فرق بين ليلى فوزي وعزيز عثمان، فلم يجدا ما يحول دون أن يحققا أمنيتهما التي حرمتهما الحياة منها. الحرمان في الصغر والكبر لكن السعادة عمرها قصير، فما هي إلا شهور معدودة بعد هذا الزواج ، ويكتب الموت نهاية مشوار واحد من أروع من أنجبتهم السينما المصرية، بعد رحلة قصيرة عبر الزمن من11 أكتوبر 1904 إلى 14مايو 1955 ,طويلة في المسافة بين القاهرةوباريس وأستكهولم سافر فيها من الفقر المزري إلى الغنى المثري .. انتقل عبرها من البدايات الهزيلة ككومبارس صامت، إلى النجاح المدوي كفتى الشاشة الأول بلا منازع..عانى خلال هذه المسيرة الجوع والحرمان بسبب الفقر دهرا، وعندما اغتنى وأصبح مليونيرا وصاحب عمارات وشركات إنتاج، حرمه المرض الخبيث-في الكلى والمعدة- من متع الحياة قهرا، فلم يأكل شيئا مما اشتهاه صغيرا، ولا شيئا مما توافر له ثمنه كبيرا، وظل مضطرا في الحالين أن يأكل ما يسد رمقه من الفول والطعمية والوجبات الخفيفة الرخيصة صغيرا وكبيرا، فقيرا وغنيا، صحيحا وعليلا.. وترحل من الصحة والعنفوان إلى المرض والموت بعد رحلة للاستشفاءمن القاهرة إلى باريس، انتهت بالموت في العاصمة السويدية أستكهولم بين يدي عروسه الأخيرة ليلى فوزي، ليسدل الستار عن نجم صعد عاليا ثم هوى سريعا ،ولكن دون أن يأفل ضوءه،ولا يخفت بريقه ،بل يزيده الزمن تألقا.