يعود الكاتب والمؤرخ صلاح عيسى في كتابه الجديد "مأساة مدام فهمي" الصادر مؤخرا عن دار الشروق لاستكمال حكاياته من دفتر الوطن وهي الحكايات التي بدأ كتابتها منذ أوائل السبعينيات بهذا العنوان وصدرت في سلسلة من الكتب التي وجدت نجاحا كبيرا لأنها حولت التاريخ إلى مادة " شعبية" بفضل ذكاء المعالجة التي يقدمها عيسى والتي تنطلق من الطاقة الدرامية في الحدث الذي يعالجه الكاتب. في الكتاب الجديد يقدم صلاح عيسى سردية تاريخية تستند إلى حدث درامي بالغ القوة جرى في العام 1923 عندما أطلقت الأميرة «مارجريت فهمي» النار على زوجها الأمير المصري «علي بك فهمي» فأردته قتيلًا، وكان هذا الحادث هو ذروة قصة حب فاجعة، جمعت بين غانية فرنسية ومليونير مصري شاب يصغرها بعشر سنوات. بحسب بيان الناشر: لم يجد دفاع القاتلة الذي تولاه «سير مارشال هول» ، ألمع المحامين في عصره، وسيلة لإنقاذها من المقصلة إلّا بوضع الحضارة العربية الإسلامية في قفص الاتهام، باعتبارها حضارة بدائية ومتخلفة يعاني المنتمون إليها من عقدة نقص دفعت «علي فهمي» للشعور بالدونية تجاه زوجته التي تنتمي للحضارة الأوروبية المتقدمة والمتفوقة، فعاملها كما لو كانت جارية، واضطرها، دفاعًا عن نفسها، لإطلاق الرصاص عليه وجاء الحكم صادمًا، فاندفع المثقفون المصريون إلى حلبة الصراع بين الحضارة الغربية والحضارة الشرقية. وكانت هذه المأساة موضوعًا لمسرحيات وأفلام سينمائية وروايات مصرية وعالمية. كعادته في هذا النوع من الموضوعات كتب صاحب " مثقفون وعسكر " بلغة مشوقة وبنفس سردي يستند إلى معرفة دقيقة بتاريخ مصر والعالم ويعالج الواقعة التاريخية بطريقة الاسترجاع أو "الفلاش باك"، إذ يبدأ من الذروة الدرامية المتمثلة في جريمة القتل ذاتها ثم يوسع عدسة "الرؤية" ويقدم قماشة يستعرض من خلالها واقع مصر والعالم في تلك الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى. وينتقل منها إلى تقديم تاريخ درامي لأبطاله الرئيسيين، متوقفا بشكل خاص أمام "الأرشيف الشخصي" لمرجريت الغانية الفرنسية التي كانت امرأة سادية تتلذذ بتعذيب الرجال ومازوكية تتلذذ بتعذيبهم لها. وعلى الرغم من ذلك نجحت في اصطياد الأمير المصري وضمته لقائمة مقتنياتها من الرجال وهي قائمة ضمت قبله عشرات الأسماء الشهيرة في أوروبا ومصر أبرزهم البرنس أوف ويلز ولي عهد بريطانيا الذي تولى عشر بريطانيا باسم إداوراد الثامن ثم تخلى عنه لإصراره على الزواج من مطلقة أمريكية تكبره سنا. وأهم ما يلحظه قارئ هذا الكتاب بخلاف القدرات الأسلوبية لكاتبه الكبير وعيه الحاد بالأسئلة التي تطرحها واقعة القتل ذاتها، إذ يخرج منها معالجا طبيعة الصراع الحضاري الذي حكم علاقة الشرق بالغرب في القرن العشرين. بالاضافة إلى نجاح الكاتب في ربط السلوك الشخصي بالمسار العام الحاكم لحركة التاريه المصري بعد ثورة 1919، فمن خلال الكتاب يمكن للقارئ استخدام كل حواسه لاكتشاف ماعاشته مصر في تلك الفترة وما شهدته من حوادث ومسرحيات وجرائم، بفضل براعة صلاح عيسى في "التوليف" بين مختلف المصادر التي اعتمد عليها وهي مصادرة متنوعة ومتعددة مكنته من خلق كتابة تستخدم التاريخ استخداما واعيا لصناعة "تجاور" أى يضع الماضي إلى جوار الحاضر ويحفز القارئ على النظر لماضيه وتأمله وهو غير منفصل عن حاضره ومستقبله. معروف أن صلاح عيسى، كاتب وصحفي وباحث في التاريخ السياسي والاجتماعي ولد بمصر عام 1939، ويعمل بالصحافة منذ عام 1971.. ونشرت مقالاته وأبحاثه في معظم الصحف المصرية والعربية، وأصدر 20 كتابًا منها: «الثورة العرابية» و«البرجوازية المصرية» و«أسلوب المفاوضة» و«البرنسيسة والأفندي» و«رجال ريا وسكينة» و«دستور في صندوق القمامة " شخصيات لها العجب".