تواجه الولاياتالمتحدةالأمريكية حرباً شرسة من جانب مؤسسات التصنيف الائتماني "كهنة التقييم" بعد أن وصلت إلي طريق مسدود في معالجة ديونها الداخلية، ومن المتوقع ألا تستطيع الولاياتالمتحدة سداد سندات دول منطقة الخليج في مواعيدها، نتيجة تفاقم أزمة الديون. دعا خبراء المال إلي إعادة توجيه الاستثمارات العربية نحو البلدان التي تتمتع بمعدلات استثمار كبيرة مثل مصر والسودان والمغرب، وبقية الدول الأخرى، وذلك لتخفيف حدة انعكاسات الأزمات المستوردة. وفقدت الولاياتالمتحدة تصنيفها الائتماني الرفيع (AAA) من قبل مؤسسة التصنيف الائتماني ستاندرد آند بورز أمس الجمعة ومن قبلها مؤسسة موديز للتصنيف الائتماني، والتي خفضت تصنيف ديونها في تعديل غير مسبوق لوضع أكبر اقتصاد في العالم. وخفضت المؤسسة التصنيف الائتماني للولايات المتحدة على المدى الطويل درجة واحدة إلى ((AA+، بسبب مخاوف بشأن العجز في الميزانية الحكومية وارتفاع أعباء الديون، ومن المرجح أن تزيد هذه الخطوة تكاليف الاقتراض في نهاية الأمر بالنسبة للحكومة الأمريكية والشركات والمستهلكين. وقالت ستاندرد آند بورز في بيان إن "هذا التخفيض يعكس رأينا في أن خطة التعزيز المالي التي وافق عليها الكونجرس والإدارة في الأونة الأخيرة لا تصل في رأينا إلى حد ما هو ضروري لتحقيق الاستقرار في آليات الدين الحكومية على المدى المتوسط." ويأتي هذا القرار بعد معركة سياسية شرسة في الكونجرس بشأن خفض الإنفاق وزيادة الضرائب لخفض أعباء الديون الحكومية والسماح بزيادة سقف الاقتراض القانوني للحكومة. وقالت ستاندرد آند بورز في بيان أن مستقبل التصنيف الائتماني الجديد للولايات المتحدة "سلبي" في علامة على احتمال حدوث تخفيض آخر خلال ما بين الاثني عشر والثماني عشر شهرا المقبلة وقال محسن عادل خبير أسواق المال والاستثمار، العضو المنتدب لشركة بايونيرز لصناديق الإستثمار إن تصنيف الولاياتالمتحدة يعد واحداً من نقاط قوتها الأساسية، إلا أن التخفيض الذي حدث أضر بها، مشيراً إلي أن سندات الخزانة الأمريكية التي كان ينظر إليها في الماضي على أنها أفضل أمان في العالم دون نزاع وتصنف الآن بأقل من السندات التي تصدرها دول مثل بريطانيا أو ألمانيا أو فرنسا أو كندا. أوضح أن تخفيض تصنيف الولاياتالمتحدة، سيحمل معه انعكاسات عامة على الاقتصاد العالمي. فمن المتوقع أن تزيد معدلات الفائدة على ضوء التخفيض، وستتراجع قيمة الدولار، وغيرت وكالة «ستاندرد آند بورز» لتوها النظرة المستقبلية إلى سلبية لخمس شركات تأمين كبرى، وهي متركزة جداً في الولاياتالمتحدة، وفي حال تراجع تصنيف الولاياتالمتحدة AAA، فإن التأثير الرئيسي سيكون على سمعة البلاد، وسينعكس بطبيعة الحال على مصداقية وملاءة الحكومة الأمريكية وستضيق الهوامش بين أذونات الخزانة وبين سندات الشركات، فأوراق الخزينة انخفضت قيمتها، وتسببت في زيادة العائد. وتوقع أن الطلب على السندات الأمريكية قد ينخفض، وبالتالي قد يتحول المستثمرون نحو السندات الصادرة باليورو، وتخفيض قيمة الدولار مقابل اليورو، أما السلع فمن المتوقع أن تتباين اتجاهات أسعارها . أضاف أن الذعر الذي يجتاح الأسواق المالية في العالم خشية حدوث ركود للاقتصاد الأمريكي وبسبب أزمة الديون الأوروبية أمر مبالغ فيه، موضحاً أن حمى بيع الأسهم في البورصات العالمية في الوقت الراهن بسبب هذا الذعر بأنه يشبه «سلوك القطيع»، مؤكداً أن الانهيار المأساوي في أسواق الأسهم الذي وقع خلال الأيام الماضية ليس له ما يبرره، لا من منظور السلوك الذي يتسم بالحذر لدى الشركات ولا من منظور مشكلة الديون في أوروبا والولاياتالمتحدة. أكد أن الأسواق العالمية لم تنتبه بشكل كاف إلى الإشارات الإيجابية المترتبة على الاتفاق في الولاياتالمتحدة برفع سقف الدين العام وإقرار زعماء مجموعة اليورو لحزمة مساعدات ثانية لليونان، وأعرب عن اعتقاده بأن نظرة الأسواق المالية ستعاود توازنها خلال الأسابيع المقبلة، وقال إنه ليس من المرجح حدوث ركود في الاقتصاد الأمريكي، كما أن الأسعار المتدنية للفائدة والسياسة المالية والنقدية للحكومة تعد من دواعي استقرار الاقتصاد الأمريكي هذا العام. أشار إلي أن الانهيار في البورصات العالمية يعد من قبيل المبالغة، فالأسهم تباع لمجرد أن أسهما أخرى بيعت، موضحاً أن بعض الشركات حققت نتائج ربع سنوية ممتازة، ورأى أن تقليل بعض الشركات من توقعاتها الخاصة بنتائجها المقبلة لا يعد سبباً للذعر في الأسواق، لأن مثل هذا الإجراء ليس جديداً وتفعله كل شركة جادة، كما أن حمى بيع الأسهم الناجم عن مخاوف ركود محتمل يشبه «سلوك القطيع»، ورأى أن الأسواق المالية ستعاود الهدوء، «لكن ليس من يوم إلى آخر». كشف عن أن الأسواق كانت لديها بالفعل عدة سيناريوهات بشأن التصنيفات الأمريكية معتقداً أن التخفيض كان أحدها مضيفاً أن "تصنيف AA لا يختلف عن تصنيف AAA عندما يتعلق الأمر بالخطر على الأصول التي يمتلكها مستثمرون وفقا للخطوط العريضة لاتفاقية بازل 3، ومن ثم فلن يكون هناك تأثير مباشر كبير على المدى القريب.و لاتوجد بدائل (للتحول)." أكد أنه نظراً لحدوث تخفيض للتصنيف الائتماني للولايات المتحدة فإن الأسواق المالية فضلاً عن أن سوق سندات الخزانة الأمريكية سيعاني تذبذبا في المدى القريب، كما أن تخفيض التصنيف السيادي الأمريكي بشكل معتدل ساهم في أن الأوراق المالية الحكومية "السندات" من المنتظر أن تحتفظ بمكانتها كمؤشر مهم لإستثمارات الدخل الثابت على المستوى العالمي ويدعم ذلك الأمر أن حجم سوق سندات الخزانة الأمريكية البالغ 9.3 تريليون دولار تقريباً يوازي خمسة أضعاف "تقريبا" حجم نظيره الفرنسي عند 1.9 تريليون دولار، والبريطاني عند 1.8 تريليون دولار، وكذلك الألماني عند 1.6 تريليون دولار. أضاف أن هناك عاملا آخر هام يدعم هيمنة سندات الخزانة الأمريكية هو السيولة الضخمة التي تتمتع بها، حيث يصل حجم التداول اليومي في سوق هذه السندات إلى 580 مليار دولار تقريباً، عشر مرات أعلى من نظيره البريطاني عند 34 مليار دولار، و28 مليار دولار للسندات الألمانية موضحا أن أكبر مخاوفه تتمثل في ان يؤدي تخفيض التصنيف الائتماني لأمريكا إلى تقويض الموقف المالي للدولة في العالم وقدرتها على الاقتراض بفوائد رخيصة للغاية لتمويل العمليات الحكومية، مشيراً إلي أن المستثمرين في أنحاء العالم يسعون للحصول على الاستثمارات ذات التصنيفات العالية وقد يضطرون إلى بيعها إذا ما انخفضت، ومن ثم كانت سندات الخزانة الأمريكية أكثر الاستثمارات أمنا. لم يكن ذلك الجدال الأول بشأن شركات التصنيف التي تراجع وتحدد تقييمات السندات التي تصدرها الحكومات والشركات الخاصة. وقد أساءت شركات التصنيف للعديد من الاستثمارات القائمة على الرهن العقاري السام التي أدت إلى أزمة عام 2008 المالية. وهو ما دعا الولاياتالمتحدة إلى خفض اعتماد قطاعها المالي على التصنيفات. وأوضح عادل أن الأزمة التي تواجه الولاياتالمتحدة تضع كثيراً من الدائنين لها أمام مشاكل كبيرة، حيث إن استثمارات الدول الدائنة مركزة في الأذونات والسندات الصادرة عن الخزانة الأمريكية، ويأتي تخفيضها ليؤكد أن هذه السندات - وإن بقيت موثوقة حتى هذه اللحظة - ستهبط أسعارها في أسواق رأس المال الثانوية، فالدائنون الراغبون في الحصول على السيولة أو تنويع استثماراتهم سيضطرون إلى بيع جزء من محفظتهم بالسندات الأمريكية بأسعار أقل من الأسعار التي اشتروها بها، وهكذا يتكبدون خسائر رأسمالية في استثماراتهم بها. وحول انعكاسات الأزمة الأمريكية على اقتصادات العالم العربي، قال عادل إن انعكاسات هذه الهزة على اقتصادات العالم العربي ستكون واضحه ، خصوصا أن هذه الأزمة ليست بالحديثة، إذ إنها تفاقمت خلال السنوات العشر الماضية، وبالضبط منذ عام 2000 حينما كان سقف الدين الأمريكي في حدود 5950 مليار دولار، في حين أصبح سقف هذا الدين الآن في حدود 14.3 تريليون دولار، أي أنه تضاعف أكثر من مرة خلال عشر سنوات، وأسباب ذلك معروفة، منها الحروب في أفغانستان والعراق وارتفاع النفقات الأمريكية داخليا وخارجيا. أضاف أنه من ناحية تراجع قيمة الدولار على الصعيد الدولي، فإن معظم عملات الدول العربية، خصوصا الدول النفطية، مرتبطة بالدولار، فهذا يعني أن هذه الدول ستتعرض لخسائر وقد تزيد هذه الخسائر في حال تعرض الدولار الأمريكي إلى انتكاسة بسبب أزمة الديون الأمريكية. وأكد أن ما يحدث في الولاياتالمتحدة ينعكس دائما على اقتصادات العالم العربي، نظرا للعولمة التي باتت تربط الشرق بالغرب، اقتصاديا واجتماعيا، لذلك فإن الانعكاسات المرتقبة من أزمة الدين الأميركي ستكون واضحة . وحول مصير الأموال العربية المستثمرة في سندات الخزانة الأميركية، قال عادل سنشهد تأخرا في السداد، وفي الواقع فإن الأكثر أهمية من ذلك أن الولاياتالمتحدة التي خفضت معدل الفائدة على الدولار إلى 1%، فإن هذه السندات لا تنتج ما يغطي التضخم، بالتالي هناك خسارة مهمة جدا للدول التي تملك هذه السندات التي يكون مردودها من 2 إلى 3 %، وعندما ينخفض الدولار بنسبة كبيرة، فهذا يعني أن هناك خسارة كبيرة في قيمة الموجودات (السندات) التي قيمتها بالدولار. وأضاف: عندما تتراجع إرادات رؤوس الأموال العربية فإنه لا يبقى فائض كاف للاستثمار، وللأسف، فإن الدول العربية لا تهتم بالاستثمارات الداخلية، إنما فكرة توسيع مجوعة دول الخليج لتشمل كلا من الأردن والمغرب ستفتح المجال لإعادة رسم استراتيجية الاستثمار في هذه الدول لتتوجه نحو الدول العربية ذات الكثافة السكانية المرتفعة. وحول الدروس المستفادة من الأزمة، يقول عادل الدرس الذي يمكن أن يستفيد منه العالم العربي من خلال هذه الأزمة هو محاولة خلق تكامل اقتصادي عربي، وتخفيف الانعكاسات السلبية للعولمة من خلال التركيز على الاقتصادات الداخلية للدول العربية أكثر من الاستثمارات الخارجية. فدول الخليج - مثلا - مرتبطة بالعالم الخارجي أكثر بكثير من ارتباطها ببقية اقتصادات العالم العربي، ومن هنا تجب إعادة توجيه تلك الاستثمارات نحو بقية الدول العربية، مثل مصر والسودان والمغرب، وبقية الدول الأخرى وذلك لتخفيف حدة انعكاسات الأزمات المستوردة، وهنا أعني الأزمة الاقتصادية والمالية في كل من أوروبا والولاياتالمتحدةالأمريكية. اكد أن العرب الذين تقدر استثماراتهم الخاصة والعامة بالدولار بنحو 1.5 تريليون دولار يواجهون مشكلة حقيقية، ولذلك فإنهم مطالبون بتنويع استثماراتهم إلى الحدود التي تسمح لهم بذلك. وقد يكون من الصعب إعادة تنويع الاستثمارات السيادية في أوراق الدين الأميركية، ولكن تمكن إعادة النظر في أوجه الاستثمار للمداخيل الجديدة، حيث إن سعر النفط مرشح للبقاء مرتفعا مع احتمالية تراجع الدولار.