اذا كان هناك ما يجب تعلمه من اخطاء الآخرين فهو قصة امريكا مع السلاح الخفيف والسماح بطغيان البيزنس والمصالح على الامن والامان . واذا كانت زيادة الشعور بعدم الامان تدفع الى اقتناء السلاح فان فقدان الامن الاجتماعى وسقوط هيبة القانون يؤدى الى ظاهرة تسلح المواطنين، فهل هناك من يهتم بمحاولة الحد من انتشار هذه الظاهرة وبالقوانين الرادعة التى تدعم الامن والاستقرار والتنمية؟ اثار حادث مدرسة ساندى هوك الابتدائية الذى راح ضحيته عشرون تلميذا تتراوح اعمارهم بين ست وسبع سنوات وستة من البالغين، اهتمام الرأى العام الامريكى لتحظى قضية تسلح المدنيين بأكبر قدر من النقاش والجدل وبما يوازى تقريبا الاهتمام بمسألة المنحدر المالى. وقد تناول الحوار المجتمعى حول القضية عدة جوانب ابتداء من المطالبة بالحماية المسلحة للمدارس كما هو متبع بالنسبة للبنوك والتحول فى الجدل حول مدى تأثير افلام العنف والعاب الفيديو العنيفة مثل فيديو اقتلهم جميعا، وحتى المطالبة بتغيير قوانين حمل السلاح ، فاذا كان على امريكا ان تواجه هوسها بالاسلحة الخفيفة والصغيرة فقد حان الوقت لذلك بعد مذبحة المدرسة بولاية كونيكتيكت لاسيما أن معدل الجريمة فى امريكا اربعة اضعاف مثيله فى بريطانيا وستة اضعاف المانيا، وبالطبع لا يمكن تجاهل العلاقة بين هذه الارقام وحقيقة ان هناك 300 مليون قطعة سلاح متاحة للبيع فى انحاء الولاياتالمتحدة اى بما يوازى اكثر من قطعة لكل مواطن بالغ . ويبدو من جانب الرئيس باراك اوباما انه يسعى لاستغلال الموقف الحالى للضغط من اجل تقييد القوانين المنظمة لحيازة السلاح ولكن الامريكيين اعتادوا على مثل هذه الوعود من قبل ولم يكن اخرها ما سمعوه من الرئيس الحالى من حملته الانتخابية عام 2008 ولم يسفر عن شىء وبالرغم من سيطرة اغلبية من الديمقراطيين على الكونجرس فانه لم يتم تقديم اى قانون خلال الفترة الرئاسية الاولى لاوباما . ربما يختلف الوضع هذه المرة مع تزايد الضغوط الشعبية حيث اظهر استطلاع لرويترز ارتفاع نسبة المؤيدين لفرض قوانين صارمة على حيازة السلاح بعد حادث المدرسة الابتدائية كونيكتيكت من 77% قبل الحادث الى 84% بعده، كما تكشف المظاهرات امام الكونجرس التى تطالب باصدار تشريع يقيد حمل السلاح وزيادة الوعى بخطورة ظاهرة التسلح فى البلاد فمن المعروف ان امريكا تحتل المرتبة الاولى عالميا من حيث نسبة الاسلحة الصغيرة لعدد السكان مع زيادة اقبال المواطنين الامريكيين على شراء الاسلحة والذخيرة . من ناحية اخرى تقلل الشركة المصنعة للسلاح الذى استخدام فى مذبحة كونيكتيكت بوشماستر وهى شركة فريدوم جروب من تأثير الحادث على التشريعات المنظمة لتجارة الاسلحة الصغيرة فى الولاياتالمتحدة قائلا انه اذا كان هناك قوانين جديدة سوف تتأقلم معها الشركة لكنه لا يعتقد بأنه سكيون هناك تأثير كبير ولا يعتبر الحادث يمثل تهديدا لاعمال الشركة، واضاف ان الواقع يثبت ان انتشار شائعات بفرض قيود على بيزنس السلاح يساعد على ازدهاره . الجدير بالذكر هنا ان مؤسسة سيربيروس قد عرضت الاسبوع الماضى شركة فريدوم جروب للبيع وذلك بعد الحادث . وتعد فريدوم جروب اكبر شركة لصناعة الاسلحة الصغيرة فى العالم وصاحبة اعلى مبيعات فى الولاياتالمتحدة وقد ساهمت بمبلغ مليونى دولار فى حملة الانتخابات الرئاسية الاخيرة، ومثل شركات اخرى للسلاح سجلت نموا قويا فى مبيعاتها وارباحها فى السنوات الاخيرة مع ارتفاع معدلات التسلح بين المدنيين وخلال التسعة اشهر الاولى من 2012 حققت فريدوم جروب ارباحا بنحو677 مليون دولار بزيادة 20% سنوية . وعلى اثر الحادث الاليم الذى قام به شاب مسلح يبدو انه كان مختلا عقليا رفعت متاجر وول مارت للتجزئة بوشماستر من قائمة الاسلحة التى تبيعها على موقعها الالكتروني . وفى تعليق لها على الحادث قالت الجمعية الوطنية للبندقية لوبى السلاح القوى فى الولاياتالمتحدة ان الجمعية تتكون من اربعة ملايين اب وام وابن وابنة وقد صعقهم واصابهم الحزن بسبب الحادث . ولكن من ناحية اخرى الجمعية دائما ما تقول ايضا ان الدستور الامريكى يكفل ملكية البنادق الهجومية من النوع الذى استخدم فى قتل اطفال المدرسة. بالرغم مما سبق وبالرغم من الاستياء العام من انتشار حيازة السلاح وما يسفر عن هذه الظاهرة من حوادث لم تكن مذبحة مدرسة كونيكتيكت الوحيدة فى عام 2012 بل كان هناك حادث اطلاق نار عشوائى فى احدى دور السينما فى كولورادو فى وقت سابق من هذا العام الذى اسفر عن مقتل 12 شخصا، بالرغم من هذا لايزال المستثمرون على استعداد للاستثمار فى اسهم شركات تصنيع الاسلحة الصغيرة حتى وان كانت تلك الاستثمارات تتجاهل التأثير السلبى لتزايد معدلات الجريمة على عوامل الاستقرار والاستدامة مما يهدد مناخ البيزنس بشكل عام . وعلى الصعيد الدولى يبلغ حجم التجارة المشروعة للاسلحة الخفيفة والصغيرة بما فيها قطع الغيار والذخيرة ما لا يقل عن 8.5 مليار دولار سنويا اى ضعف ما كانت عليه عام 2006 وذلك وفقا لتقديرات معهد جنيف للدراسات الدولية . واذا ما اضيف الى عمليات النقل الدولية المشروعة للأسلحة الخفيفة، عمليات الهريب غير المشروعة فان حجم هذه التجارة سيصل الى اكثر من عشرة مليارات دولار سنويا . يشير مصطلح الاسلحة الصغيرة بصورة اساسية الى البنادق والمدافع الرشاشة والقنابل اليدوية وغيرها من الاسلحة المعدة للاستخدام العسكرى من قبل العسكريين والمدنيين ، ،والتوعية بمخاطر انتشار حيازة الأسلحة الصغيرة بين المدنيين قضية تحظى باهتمام متزايد على المستوى الدولى وقد عقد مؤخرا العديد من المؤتمرات لمناقشة آليات مكافحة ظاهرة انتشار الاسلحة الصغيرة بين المدنيين وخاصة فى دول العالم الثالث وذلك مثل المنتدى البرلمانى حول الاسلحة الصغيرة والخفيفة الذى عقد فى ستوكهولم والمؤتمر الاقليمى الذى عقدته حركة السلام الدائم فى لبنان للحد من مخاطر حيازة واستخدام الاسلحة الصغيرة فى المنطقة العربية . الإيكونومست فاينانشال تايمز