طالعتنا مؤشرات البنك المركزى المصرى بانخفاض الاحتياطى المصرى بمقدار 2 مليار دولار من 44.5 مليار إلى 42.5 مليار وذلك بسبب سداد التزامات مصر للخارج، ولاشك أن التزام مصر بسداد التزاماتها الخارجية والذى تحرص عليه له دور كبير فى الحفاظ على مصداقيتها فى الإطار الدولى، ورغم أنه كان متوقعا هذا الانخفاض نتيجة للديون الخارجية التى وصلت إلى ما يزيد على 93 مليار دولار- يصل هذا الرقم إلى ثلاثة أضعاف رقم المديونية قبل ثورة يناير- فإن الاحتياطى لا يزال آمنا، وإن كان الأمر يتطلب تحليل دلالات هذا الانخفاض مع تطلع المصريين إلى انطلاق الاقتصاد المصرى بمشيئة الله فى عام 2019 استنادا إلى الإصلاح الاقتصادى الشامل والمشروعات القومية الكبرى وهو ما يتسق مع توقعات العديد من المؤسسات الدولية. يتضمن هذا التحليل الحقائق الآتية: أولا: من الأهمية بمكان تحديد العلاقة بين الاحتياطى واستقرار سعر الصرف وأوضاع ميزان المدفوعات المصرى عام (2018)، وترجع هذه الأهمية إلى أن الشعب المصرى لا يحتمل بالفعل ارتفاعا آخر فى سعر الدولار يمكن أن تكون له تداعيات غاية فى الخطورة على طرفى الاقتصاد وهما المستهلك والمنتج، ومن هنا هناك علامات استفهام على تقارير بنوك الاستثمار الخاصة التى تتوقع فى عام 2019 انخفاض قيمة الجنيه المصرى، ذلك أن أوضاع ميزان المدفوعات عام (2018) تشير إلى تحسن كبير فى السياحة والحمد لله وكذلك دخل قناة السويس وتحويلات المصريين العاملين فى الخارج وذلك رغم استمرار العجز الكبير فى الميزان التجارى وكذلك عدم تحقيق الرقم المتوقع والمخطط له للاستثمار الأجنبى المباشر، ويظل هناك متغير حاكم فى التأثير فى العلاقة بين وضع ميزان المدفوعات واستقرار سعر الصرف وهو مواجهة المديونية الخارجية ونوع القروض سواء كانت قصيرة أم طويلة الأجل وسعر الفائدة. ثانيا: يتطلب الأمر الإجابة عن تساؤل مهم هو .. هل أولويات التوجه الاقتصادى المصرى تتسق مع تحقيق الاستقرار فى سعر الصرف كضمانة مهمة لنجاح الإصلاح الاقتصادى؟ ذلك أن الانطلاق يحتاج إلى الاستقرار، فهل تعافى قطاع الأعمال من مشروعات كبيرة ومتوسطة وصغيرة من آثار الاصلاح الاقتصادى وعلى رأسها تحرير سعر الصرف، إن وضع المشروعات المتعثرة التى لم ننجح حتى الآن فى مساندتها للخروج من عثرتها إنما يشير إلى أنه لا تزال أمامنا تحديات فى هذا المجال، بالإضافة إلى استهداف المشاكل والمعوقات التى تواجه القطاع الخاص خاصة فى القطاعين الزراعى والصناعى، وتأتى أهمية هذين القطاعين من تأثيرهما فى ميزان المدفوعات، ذلك أن دعم تنافسية الإنتاج الصناعى تتم ترجمتها فى زيادة الصادرات وخفض الواردات (يشير تحليل هيكل الواردات المصرية فى عام 2018 أن 40% منها تتمثل فى سلع وسيطة) ما يعكس عدم قدرتنا على تطوير الهيكل الصناعى فى الصناعات المغذية وهو ما يسهم فى خفض الواردات، وبالنسبة للزراعة يتطلب الأمر التركيز على دعم تنافسية الغذاء والخضر والفاكهة والنباتات الطبية والعطرية فى التصدير وكذلك المواد الزراعية الخام للصناعة، وكذلك المحاصيل الغذائية الأساسية لدعم الأمن الغذائى. إن استهداف القطاعين الزراعى والصناعى يمكن أن يكون لهما دور مهم ليس فقط فى خفض العجز التجارى ومن ثم استقرار سعر الصرف ولكن هناك آثارا تراكمية لتحقيق ذلك منها العدالة فى توزيع الدخل ومكافحة الفقر وتحسين الإنتاجية ونقل التكنولوجيا. إن العرض السابق إنما يشير إلى أولويات التوجه الاقتصادى لتحقيق الاستقرار فى سعر الصرف والانطلاق الاقتصادى لصالح غالبية الشعب المصرى بمشيئة الله التى تتمثل فيما يلى: أولا: يتطلب تحقيق الاستقرار فى سعر الصرف تحقيق الاستدامة فى التدفقات الداخلة من النقد الأجنبى مقارنة بالتدفقات الخارجة ويتطلب ذلك الاهتمام بدعم الصادرات الصناعية وتوسيع نطاق مشاركة المشروعات الصغيرة فى زيادتها، كذلك يتطلب الأمر تفعيل قانون منح الإقامة للعرب والأجانب حال شرائهم لعقارات فى مصر بالنقد الأجنبى، حيث يعزز ذلك من التدفقات الداخلة، كذلك هناك احتياج مُلح لوضع استراتيجية لإحلال الواردات لخفض واردات السلع الوسيطة وهنا يتطلب الأمر دعم دور الحاضنات والعناقيد الصناعية وهى مسئولية أساسية لوزارات التجارة والصناعة والتخطيط والمالية وكذلك جهاز المشروعات الصغيرة والمتوسطة، ونحتاج هنا أيضا إلى تعاون الجهاز المصرفى المصرى فى إطار تفعيله لمبادرة الرئيس السيسى ل 200 مليار جنيه، وتكون الوسيلة الأساسية لذلك التنسيق بين الخريطة الصناعية والاستثمارية وقدرة المحافظين على الاستفادة منهما، وما يقال على الصناعة ينطبق على قطاع الزراعة ما يشير إلى أهمية تصميم خريطة زراعية تحقق الأهداف السابق تناولها. ثانيا: إن اهتمامنا بالسياحة وتوقعاتنا الإيجابية بمشيئة الله عنها بل والعمل والاجتهاد لتعظيم العوائد منها يجب ألا يجعلنا نغفل أن اعتمادنا عليها فى فترات سابقة وبشكل دورى لم يكن محققا للنتائج المتوقعة، ويجب أن تعلمنا التجارب أن المصادر الأكثر استدامة وكذلك أكثر تأثيرا فى دعم تنافسية الإنتاج وإعادة توزيع الدخل ونقل التكنولوجيا هى فى دعم تنافسية كل من قطاعى الزراعة والصناعة. ثالثا: يتطلب الأمر وضع خطة للتوازن بين التدفقات الداخلة والخارجة من النقد الأجنبى لتحقيق الاستقرار فى سعر الصرف ومتابعة التزامات المديونية ومصادر تحصيلها، ورغم أنها مسئولية البنك المركزى فإن ذلك يتطلب تعاون الحكومة معه ومن خلال تحديد الأولويات السابق التعرض إليها وضمان تنفيذها بكفاءة بالتعاون مع المجتمع المدنى. إن الغد إنما يحمل بمشيئة الله مستقبلا مشرقا لمصرنا العزيزة بشرط التخطيط العلمى والتنفيذ بكفاءة. أستاذ الاقتصاد – جامعة عين شمس