لا يمكن تناول التمكين الاقتصادى للفقراء دون التعرض لأسس بناء القدرات للفقراء التى تعد الدعامة الأساسية للخروج من الفقر وعلى رأسها التعليم والخدمات الصحية، فبالنسبة للتعليم يجب أن نحيى الجهود التى تتم للخروج من كابوس الثانوية العامة وآثارها المدمرة على التفكير والإبداع للشباب المصرى، إلا أنه يجب عدم إغفال أوضاع المدارس الابتدائية والإعدادية ومدارس التعليم الفنى والأزهرى خاصة فى المناطق العشوائية والريف المصرى، حيث يتم فى هذه المدارس تفريخ شباب يعانى نسبة منه من الجهل والإدمان والأمية، ويعنى ذلك إهدار ثروات بشرية يمكن أن يكون لها دور مهم فى دعم تنافسية الصناعة المصرية وزيادة إنتاجيتها، ولا يقتصر الأمر على ذلك ولكن فى الجانب الاجتماعى ينعكس هذا الوضع على عدم الاستقرار الأسرى وزيادة حالات الطلاق وارتفاع نسب المرأة المعيلة، فضلا عن ظاهرة أطفال الشوارع وعمالة الأطفال، وهنا يمكن أن يكون لتعاون الحكومة مع المجتمع المدنى دور مهم فى استهداف هذه الظاهرة، إلا أن ما تجب الإشارة إليه أهمية هذا الاستهداف كأولوية فى هذا الوقت المهم من مراحل التحول الاقتصادى الذى تشهده مصر، وما يقال عن التعليم ينطبق على كفاءة تقديم الخدمات الصحية فى إطار تطبيق قانون التأمين الصحى ولوقف نزيف الإنفاق الذى لا يتميز بالكفاءة والوصول إلى المستحقين وفقا للعديد من الدراسات الميدانية. الإنفاق على الأجور والمرتبات للجهاز الحكومى فى مصر وصل إلى 260 مليار جنيه فى موازنة 2018/2019 وينطوى هذا الرقم على أبعاد اقتصادية-اجتماعية غاية فى الأهمية. فمن حيث الأبعاد الاقتصادية فإن هذا الرقم يوجه إلى ما يقرب من 7 ملايين موظف حكومى نصفهم فى المحليات، وتشير معظم الدراسات الاقتصادية فى هذا الإطار إلى ضعف إنتاجية العاملين فى الجهاز الحكومى، ما يعنى أن هذا الرقم يحمل ضغوطا تضخمية على الاقتصاد المصرى نتيجة لعدم التناسب بين الأجور والإنتاجية، ومن ناحية أخرى فإن أداء الجهاز الحكومى لابد أن ينعكس على دور القطاع الخاص من حيث فرص كل من المشروعات الكبيرة والمتوسطة والصغيرة بل متناهية الصغر، بالإضافة إلى الاستثمار الأجنبى المباشر، ما يتطلب أهمية تفعيل مكاتب الشكاوى للمستثمرين لجميع فئاتهم لتذليل الصعوبات أولا بأول وتحسين المناخ الاستثمارى، وهنا يثار التساؤل حول مدى التقدم فى تطبيق قانون الخدمة المدنية، فهناك مبادرات إيجابية من قبل وزارة التخطيط لرفع كفاءة الجهاز الحكومى ولكنها تبدو أقل من المطلوب فى هذه المرحلة التاريخية من مراحل التحول الاقتصادى التى تشهدها مصر، ويتطلب الأمر تعظيم الاستفادة من نصف العمالة فى القطاع الحكومى والتى توجد فى المحليات وذلك مع توجه الدولة لتوسيع فرص النمو على محافظات مصر ومع قرب تطبيق قانون الإدارة المحلية وإجراء الانتخابات المحلية، حيث تشهد مصر حاليا نهضة كبيرة فى مجال توسيع الفرص الاقتصادية للمحافظات، وإن إعادة هيكلة وتوجيه العمالة فى المحليات يمكن أن يكون لها دور مهم فى تنمية محافظات مصر ومن ثم استفادة أعداد كبيرة من السكان وتحسين أحوالهم المعيشية. إن قراءة وتحليل أرقام موازنة 2018/2019 والدلالات المهمة لهذه الموازنة تتطلب العمل الجاد وتحديد الأولويات بشكل واضح يتيح تعظيم الاستفادة مما تم فى السنوات الأربع الماضية لترجمته فى المستقبل القريب إن شاء الله إلى فرص حقيقية ليستفيد بها كل فئات الشعب، ففى هذا نهضة مصر الحقيقية.