تبدو فرص الرئيس السيسى فى الحصول على فترة رئاسية ثانية شبه مؤكدة بمشيئة الله، ويدعو ذلك إلى أهمية الإجابة عن التساؤل الآتى: ما أولويات التحرك فى الفترة الرئاسية الثانية؟ وتتطلب الإجابة تقييم وتحليل نتائج الفترة الأولى التى تشير إلى نجاح الرئيس فى توسيع الفرص لاستغلال موارد مصر الاقتصادية من خلال المشروعات القومية الكبرى، والتى أطلقت آفاق التنمية إلى سيناء الحبيبة والساحل الشمالى بالإضافة إلى منطقة قناة السويس، كذلك تم تأمين مصادر الطاقة وتنويعها وتدعيم الإنتاج لتحقيق الأمن الغذائى، بالإضافة إلى الفرص الواعدة فى محافظات مصر من خلال قانون الاستثمار الجديد. وعلى الرغم من كل هذه الإنجازات العظيمة، فإنه لا يزال هناك العديد من التحديات التى تؤثر فى شعور المواطن المصرى بنتائج هذه الإنجازات، ولعل حديث الرئيس مع ساندرا نشأت، والذى استطلعت فيه آراء المواطنين حول أهم المشاكل التى يجدونها ملحة وتحتاج إلى مواجهة، وركزت الإجابات على مشكلة ارتفاع الأسعار وأثر ذلك فى مستوى معيشة المواطن المصرى، بالإضافة إلى محدودية فرص العمل مقارنة بالعرض فى سوق العمل وما يرتبط بذلك من مدى تحقيق تكافؤ الفرص للشباب المصرى فى هذا المجال، ومدى استفادته من المبادرات التى تطرح حاليا لزيادة فرص الشباب المصرى فى سوق العمل. إن الاستماع إلى المواطن المصرى والتعرف على مشاكله وآماله وطموحاته يجب أن يكونا أساسا فى تحديد أولويات المرحلة المقبلة للفترة الرئاسية الثانية للرئيس السيسى، حيث يمثل ركيزة لنجاح برنامج الإصلاح الاقتصادى وتعظيم الاستفادة من المشروعات القومية الكبرى، فوفقا لتجارب الدول الناجحة مثل الصين وكوريا الجنوبية فإن الإجماع الشعبى لبرنامج الإصلاح كان أساسا لنجاح هذا البرنامج. ودائما ما يعول الرئيس السيسى على مساندة الشعب المصرى له، ما يتطلب أن تكون هناك خريطة أولويات تركز على المحاور الآتية: أولا: تحقيق الانضباط ورفع كفاءة السوق المصرى، حيث تسهم عدم كفاءة السوق -ويقصد بها- عدم إتاحة المعلومات حول فرص الإنتاج وعناصر التكلفة وممارسة الاحتكار فى التأثير السلبى فى المستهلك المصرى بالحصول على السلع بأسعار أعلى من مثيلتها العالمية. ويمكن رفع كفاءة السوق من خلال تعديل قانون حماية المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية وكذلك زيادة سلطات جهاز حماية المستهلك فى متابعة المغالاة فى رفع الأسعار استنادا إلى الفروق بين الأسعار العالمية للسلع والأسعار المحلية مع التركيز على السلع الأساسية التى يهتم المواطن البسيط بها ويجب أن يتم ذلك أيضا بالنسبة للخدمات وعلى رأسها التعليم والصحة مع ملاحظة مغالاة أصحاب المدارس فى رفع الرسوم الدراسية وكذلك المستشفيات الخاصة، ويكتسب ذلك أهمية فى ظل بداية تطبيق قانون التأمين الصحى وأهمية توصيف وتقييم الأداء للمستشفيات والمراكز الطبية ووضع معايير للاعتماد والجودة لها. ثانيا: التركيز على مواجهة ظاهرة الطاقات العاطلة فى مصر والتى تمثل فاقدا اقتصاديا كبيرا وتأتى على رأسها المشروعات المتعثرة، فوفقا للعديد من الدراسات الميدانية هناك الكثير من الصناعات وخاصة فى مجال الملابس الجاهزة فى مناطق شبرا والعبور والعاشر أغلقت بسبب عجز فى دورة رأس المال نتيجة ارتفاع أسعار الخامات، ويمكن مساندة هذه المشروعات وفقا لأسس اقتصادية تعتمد على منح جزء من الأموال مقابل حصص فى هذه الشركات تتم إدارتها بكفاءة من قبل فريق من المتخصصين ويمكن فى هذا الإطار تقديم خدمات فنية تساعد هذه المشروعات على رفع تنافسية الصناعة لخدمة أهداف التصدير وإحلال الواردات. إن إدارة هذا الملف بكفاءة يمكن أن تكون له آثار إيجابية مهمة فى العمالة التى تعمل فى المصانع والتى تم تسريحها لتتحول إلى عمالة مؤقتة تمثل مخاطر على المجتمع من حيث الإدمان والإرهاب، وتسهم مواجهة هذا التعثر فى تجنب ذلك. كذلك لا يجب إغفال الفرص الضائعة فى شركات قطاع الأعمال العام والتى تتمثل فى الطاقات العاطلة فى الصناعات وكذلك المساحات غير المستخدمة من الأراضى والأصول، وفى هذا الإطار يمكن فتح الباب للشراكة بين القطاعين العام والخاص بما يسهم فى زيادة الوزن النسبى للقطاع الخاص من ناحية، ومن ناحية أخرى زيادة الطاقات الإنتاجية وإعادة فلترة العمالة فى شركات قطاع الأعمال لرفع إنتاجيتها وتوجيهها إلى رفع مهاراتها. ما زالت الجهود التى تتم لرفع كفاءة الموارد البشرية ضعيفة ولا توجد رؤية وخطة استراتيجية للدولة للتدريب والتشغيل بناء على المشروعات القومية الكبرى واحتياجاتها، وكذلك التوسع الصناعى فى مصر والذى يتطلب تحديد الصناعات ذات المزايا النسبية لاستخدام استراتيجية تشجيع الصادرات معها، وكذلك الصناعات التى يمكن أن تحل محل الواردات حتى تكتسب الميزة التنافسية التى تؤهلها للتحول إلى التصدير، ما يسهم فى إحداث طفرة تصديرية لتحقيق استقرار فى سعر الصرف. صحيح أن كثيرا من المشروعات القومية قد خططت لإنشاء مراكز تدريبية لتأهيل العمالة المطلوبة، ولكن الأمر يتطلب خطة قومية للتدريب والتشغيل وذلك لرفع كفاءة استخدام الموارد البشرية، ما يسهم فى استهداف الشباب بجميع فئاتهم والأكثر معاناة وعلى رأسهم خريجو التعليم الفنى، وفى هذا الإطار لابد أن تتكامل هذه الاستراتيجية مع مبادرة الرئيس السيسى للمشروعات الصغيرة. إن هذه المقترحات تعد ركيزة أساسية ليشعر المواطن المصرى بآثار الإصلاح بل زيادة قدرته على مواجهة آثاره، بما يسهم فى مشاركته بفاعلية فى هذا الإصلاح، وهذا ما أتمناه للرئيس السيسى فى الفترة الرئاسية الثانية له. مع خالص دعواتى لكل من يسهم فى بناء ورفعة مصرنا الغالية.