لا شك أن تقرير صندوق النقد الدولى، الذى صدر الاسبوع الماضى بمناسبة المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصادى -الذى أعدته وتنفذه الحكومة- يكتسب أهمية، ويمثل شهادة ثقة دولية جديدة صادرة عن أهم مؤسسة اقتصادية دولية، عادة ما تتسم تقاريرها بالتحوط والحذر، لا يمكن لأى اقتصادى أن يغفل أو يقلل من أهمية هذا التقرير، وانعكاساته الإيجابية فى تعزيز ثقة دوائر المال والاستثمار العالمية بالاقتصاد المصرى، ونظرتها المستقبلية الإيجابية تجاه السوق المصرى. تقرير صندوق النقد الدولى، رصد عددا من المؤشرات الإيجابية فى الأداء الاقتصادى، كما توقع أن يستمر التحسن فى هذه المؤشرات، وفى مقدمتها تعافى إيرادات مصادر النقد الأجنبى الاقتصادية الأساسية الناتجة عن استعادة الاقتصاد حيويته، وفى مقدمتها استمرار تعافى قطاع السياحة بدءا من العام المالى الحالى وخلال السنوات المقبلة، إلى جانب ارتفاع إجمالى الاستثمار الأجنبى المباشر ليصل إلى 9.4 مليار دولار وتحسن إيرادات قناة السويس لتسجل 5.5 مليار دولار العام المالى الحالى، وإذا أضفنا إلى ذلك نمو الصادرات السلعية 12% خلال الأشهر ال8 الماضية منذ بداية عام 2017، توليد الاقتصاد للعملات الأجنبية واستعادة القطاعات المهمة عافيتها، وتدفق الاستثمار الأجنبى المباشر يعنى توليد فرص العمل، وتعزيز قيمة الجنيه، ومن ثم انخفاض معدل التضخم، ولا سيما أن تقرير صندوق النقد، يتوقع أن ينخفض إلى 10% بنهاية العام المالى الحالى، ما يدعم تحسن مستويات الدخول والمعيشة. ما يزيد من أهمية النتائج التى رصدها تقرير صندوق النقد الدولى، وتوقع استمرار تطورها الإيجابى خلال السنوات المقبلة، هو أنها تتزامن مع تطورات إيجابية أخرى لا تقل أهمية، وفى مقدمتها بدء إنتاج الغاز الطبيعى من حقل ظهر خلال الأسابيع المقبلة، مع زيادة الإنتاج بما يغطى الاستهلاك المحلى تماما خلال العام المقبل، بل التصدير قبل نهاية 2018 وهو ما يسهم فى خفض فاتورة استيراد المنتجات البترولية التى تصل إلى 1.1 مليار دولار، وتعزيز إيرادات النقد الأجنبى. من المهم فى هذا الصدد الإشارة إلى أن غالبية المشروعات القومية الكبرى الجارى تنفيذها قاربت على الانتهاء ودخولها مرحلة التشغيل، وجنى ثمارها، وهو ما يخفف من الأعباء عن كاهل الميزانية العامة، والمساهمة فى تحقيق إيرادات إضافية ومردود كبير فى دفع الأداء الاقتصادى فى القطاعات الأخرى، وفى مقدمة هذه المشروعات الكبرى المزارع السمكية، وشبكة الطرق الجديدة التى تضيف 5 آلاف كيلومتر إلى شبكة الطرق الحالية بما يحفز على التنمية العمرانية، وتقليل تكلفة نقل السلع والبضائع بما يشجع الاستثمار ويعود مردوده بشكل إيجابى لصالح المستهلك. يبقى الإشارة إلى أن بعض المحاذير والتوصيات التى تضمنها تقرير صندوق النقد، وفى مقدمتها السعى إلى خفض الدين الخارجى، هى بالفعل أمر يجب أن يحظى باهتمام، ولعل ما يقلل من القلق حول هذا الأمر هو التحسن المتوقع فى مصادر النقد الأجنبى -كما ذكر التقرير نفسه- وهو ما يسهم فى سداد الالتزامات والديون قصيرة الأجل ومن ثم خفض الدين الخارجى. كما دعا صندوق النقد الدولى إلى رفع أسعار الوقود قبل نهاية العام الحالى، فى إطار خطة الحكومة للرفع التدريجى للدعم على الطاقة، وهو الأمر الذى أكد وزير المالية عمرو الجارحى أنه ليس واردا خلال العام المالى الحالى أى حتى نهاية يونيو 2018، وهو أمر منطقى، ولا سيما أن الخطة التى أعدتها الحكومة تسعى إلى إلغاء الدعم على المنتجات البترولية حتى نهاية العام المالى 2018/2019، خاصة أنه تم تنفيذ الرفع التدريجى ثلاث مرات ولم تتجاوز نسبة الدعم سوى نحو 40%، ناتجة عن تحرير سعر الصرف، وارتفاع سعر البترول إلى نحو 57 دولارا للبرميل، ولا شك أن خطة الحكومة فى هذا المجال أكثر واقعية، وتتسم بالحكمة فى تنفيذ المرحلة الرابعة من الرفع التدريجى للدعم خلال العام المالى المقبل، ولا سيما فى ظل التوقعات بتحسن مستويات الدخول بفعل زيادة فرص العمل والتشغيل، وانخفاض معدل التضخم.