عجز الجيش النيجيرى تماماً عن مواجهة جماعة بوكو حرام، التى تسببت حتى الآن فى سقوط ما يزيد على 13 ألف قتيل، ونزوح أكثر من مليون ونصف منذ عام 2009 تبعًا لمفوضية الأممالمتحدة للاجئين، وتمتلك جماعة بوكو حرام الإسلامية المتشددة فى نيجيريا ما بين 4 و6 آلاف مقاتل متشدد، وتركز نشاطها حول مناطق متفرقة من الولايات الثلاث أداماوا، وبورنو، ويوبى فى شمال شرقى نيجيريا، ولكن ما الذى أدى إلى تحول طائفة دينية إلى جماعة مسلحة ؟ تعتبر نيجيريا العضو فى منظمة الأوبك منذ عام 1971 هى الدولة النفطية الأولى فى افريقيا حيث تحتل المرتبة الثامنة فى قائمة أهم الدول المصدرة للنفط على مستوى العالم، يشكل النفط 90 ٪ من صادراتها، و75 ٪ من إيرادات الموازنة العامة، ولديها احتياطيات من الغاز الطبيعي، حيث تصدر يوميا 7.83 مليار قدم مكعب إلى العالم الخارجى على هيئة غاز مسال، وتتركز معظم حقول النفط النيجيرية فى جنوب ووسط البلاد، تبعاً لبيانات البنك الدولى. تجاوز الاقتصاد النيجيرى اقتصاد دولة جنوب افريقيا ليصبح هو الأضخم فى القارة الافريقية، ووفقًا للمكتب الوطنى للإحصاء بلغ الناتج المحلى الإجمالى 510 مليارات دولار فى عام 2013، ما ساهم فى رفعها الى المرتبة 26 فى لائحة أكبر اقتصادات العالم، والمركز الاول فى اقتصاد القارة الإفريقية، وأن حجم الدين الخارجى يشكل فقط 3 ٪ من الناتج المحلى الإجمالى GDP، وعلى الرغم من المشاكل التى تواجه المستثمرين كانتشار الفساد وسرقات النفط التى تكلف البلاد نحو 20 مليون دولار يومياً فضلاً عن أعمال العنف فى شمالى شرق البلاد فإنها أكبر جاذب للاستثمار الأجنبى المباشر فى إفريقيا، وهو ما أكدته « نجوزى أوكونجو إيويلا « وزيرة مالية نيجيريا، إضافة إلى أن أكثر من نصف الأراضى النيجيرية صالحة للزراعة والرعي، وعلى الرغم من أن المساحة المستغلة فى زراعة المحاصيل لا تتجاوز 15٪ من المساحة الكلية فإن نيجيريا تحتل مركزاً متقدماً بين الدول الكبرى المنتجة للكاكاو، وزيت النخيل، والفول السودانى والمطاط. رعب التمدد الإقليمى الاقتصاد النيجيرى الذى حقق نموا بلغ حوالى 6.4٪ العام الماضى مهدد فى العام الحالى وهو ما أكدته وزيرة المالية النيجيرية، وأن هجمات بوكو حرام تلقى بأثرها على قطاع الزراعة فى شمال شرق البلاد، وتستغل بوكو حرام الحدود الهشة بين الدول الافريقية لمزيد من التوسع لعملياتها الإرهابية وما لها تأثير هائل على الاقتصاد التشادى المتأثر بالفعل من انهيار أسعار النفط والفوضى التى تشهدها كل من إفريقيا الوسطى وليبيا، إضافة إلى أن انعدام الأمن فى شمال شرقى نيجيريا أوقف التجارة البينية بين تشادونيجيريا وخاصة صادرات الماشية وواردات السلع الأساسية منذ عام ونصف، التى كانت تمر عبر بحيرة تشاد عليها الآن أن تتخذ طريقًا آخر عبر النيجر، وهو ما عمل على زيادة فى تكاليف النقل على الأسعار الاستهلاكية، وحرم الحكومة من الإيرادات الجمركية. من ناحية أخرى، تعتبر الكاميرون هى بوابة الدخول والخروج لدولة تشاد على الصعيد الاقتصادى، وفى الوقت الذى تتوسع فيه بوكو حرام فى شمال الكاميرون فإنها تُطيح بالتجارة التشادية، بسبب إغلاق الطريق العابرة للحدود: نجامينا، كاوسيرى، مروا، التى تربط العاصمة التشادية مع ميناء دوالا فى الكاميرون الذى يعد المنفذ الرئيسى الذى تمر من خلاله الإمدادات إلى جنوب البلاد، وبالتالى فإن هناك تأثيرا على المنظومة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس). من طائفة إلى قوة مسلحة.. لمن الفضل فى ذلك؟ بعيدًا عن المنطق أن تكون الموارد المالية لجماعة بوكو حرام هو ما تتحصل عليه من السرقات والنهب، والسطو على البنوك، وإن كان هذا موردًا مالياً، فماذا عن الأسلحة، والتقنيات العالية التى تستخدمها بوكو حرام، لذلك أشار المستشار الكاميرونى للسياسة واستراتيجيات الدفاع «سيمون تيدجا» إلى أن العمود الفقرى لجيش بوكو حرام قائم فقط بفضل القوى العسكرية التى تسوق له الأسلحة، لأنه لا يمكن لجماعة أن تقود حربا من دون دعم أو حلفاء، لذلك فإنه من البديهى أن يكون لجماعة بوكو حرام التى كانت طائفة ثم أصبحت قوة مسلحة تمكنت من السيطرة على أجزاء من الأراضى النيجيرية تعزيزات قادمة من قوى يمكن أن تكون مالية أو عسكرية، وهو ما ذكره وزير الاتصالات التشادى «حسن سيلا بنى باكارى» أن 40٪ من الأسلحة التى صادرها الجيش الكاميرونى من مقاتلى بوكو حرام، فرنسية الصنع، فماذا عن باقى النسبة؟! استمرار بوكو حرام لفترة أطول من ذلك سيمثل استنزافا لنيجيريا الدولة القائد فى الغرب الإفريقي، واللاعب الرئيسى فى الاتحاد الإفريقى، والشراكة من أجل تنمية إفريقيا (نيباد)، والجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (إيكواس)، وما ذكره الخبراء الكنديون فى موقع Global Research من وجود خطة استراتيجية تعمل على تفتيت نيجيريا عبر تمرير مراحل السيناريو الباكستانى أو الأفغاني، بمزيد من الهجمات إلى التدويل، ويبقى الحل فى التدخل الأجنبى الغربي، هو ما يجيب عن علامات الاستفهام حول التخاذل الدولى لمواجهة بوكو حرام خاصة الولاياتالمتحدة التى تقود حربها المقدسة ضد الإرهاب لتغض الطرف عن توسع بوكو حرام فى الغرب الإفريقي، والتى من الممكن توظيفها لتحجيم الطموحات النيجيرية داخل الأوبك، والضغط على دول الساحل الإفريقى لتوفير تسهيلات القيادة الأمريكية الجديدة فى إفريقيا (الأفريكوم)، وهو ما ترغب فيه واشنطن من أجل تواجد منطقى لمراعاة مصالحها النفطية بالدرجة الاولى، والحفاظ على مسافة مناسبة من منافسيها من القوى الدولية وخاصة الصين وفرنسا. وهناك من يرى ان بوكو حرام ستكون ذات فائدة كبرى بالنسبة للغرب، لأن الحديث عن صعود القارة الإفريقية كقوة اقتصادية لا يمكن أن يروق لقوى تكمن مصالحها فى أن تظل إفريقيا مجرد خزان للمواد الأولية، وفى نفس الوقت فإن مصلحة واشنطن فى منطقة الغرب الإفريقى لا يمكن إغفالها، وهى المنطقة الأهم فى إنتاج النفط فى إفريقيا حيث تتركز بها نصف الاكتشافات النفطية فى السنوات العشر الأخيرة، لذلك كان لابد من وجود قناع للوجود الأمريكى فى غرب القارة، وتعد تكاليف الحصول على النفط من الغرب الإفريقى أرخص بنسبة تكلفة أقل تصل إلى 40٪ تبعا للدائرة الدولية للطاقة، وأسهل لأنه بعيد عن منطقة باب المندب، والمشكلات المتفجرة فى الشرق الأوسط، لذلك كانت جماعة بوكو حرام هى الورقة التى تضغط بها الولاياتالمتحدة على نيجيريا تسعى من خلالها إلى تحقيق مزيد من المكاسب سياسية، واقتصادية، وربما تنازلات أمنية خاصة أن النفط النيجيرى يقع فى جنوب البلاد وبعيدًا عن مرمى نيران بوكو حرام. الموقع الجيواستراتيجى لنيجيريا الذى يطل على خليج غينيا الغنى بالنفط، وبما يمثله من أولوية إستراتيجية، وسهولة نقل إنتاجه إلى السوق الأمريكية عبر الطرق البحرية، أيضاً اعتبار نيجيريا منطقة عبور للأنابيب النفطية القادمة من تشادوالكاميرون، إذ إن المنطقة لديها دور مهم فى تحقيق الاستقرار على مستوى السوق النفطية العالمية، خاصة أن دول المنطقة تعتبر المنتج البديل الذى يسمح للشركات النفطية الأمريكية بنقل الفائض النفطى إلى الأسواق. ووفقًا لإدارة معلومات الطاقة فإن الولاياتالمتحدةالأمريكية سوف تستورد أكثر من 7 ملايين برميل يوميًا سنة 2020 من النفط الإفريقي، وتعد الصادرات النفطية النيجيرية خصوصا نحو الولاياتالمتحدةالأمريكية دافعا لتأكيد أهمية المنطقة، وهو ما أكده المجلس الوطنى للاستخبارات والتقديرات الأمريكى بأن واردات النفط الإفريقى إلى الولاياتالمتحدةالأمريكية سترتفع إلى 25٪ عام 2015 . وفى ظل التضارب والتوتر فى سوق النفط العالمى لا تستطيع الولاياتالمتحدة الاعتماد بشكل دائم على المصادر التقليدية مثل السعودية، لذلك استدعت واشنطن جميع الآليات المتاحة والممكنة من أجل السيطرة على منطقة الغرب الإفريقي، بهدف حماية أمنها وامداداتها النفطية، وبخاصة فى ظل التنافس الدولي، وحيث لا توجد موارد مالية كافية لدى الاتحاد الافريقي، وهو ما ذكره «جوزيف شيلنجي» رئيس المجلس الاقتصادى والاجتماعى والثقافى للاتحاد الإفريقي، حيث إن الاتحاد الافريقى ممول بنسبة 7٪ من الأفارقة، أما التمويل الباقى فيأتى من الاتحاد الأوروبى وبعض البلدان الغربية، ويعول كثير من المراقبين على ان الحل النهائى للقضاء على التنظيم الذى يزداد تمددا يكمن فى انشاء قوة دولية لمواجهته.. غير ان انشاء هذه القوه وتحديد آليات عملها يصطدم بمعوقات سياسية واقتصادية ليبقى حلها بالاشتراك مع الاتحاد الاوروبى والولاياتالمتحدة الامريكية.