عندما تحتاج الحكومة او القطاع العام بمعناه الواسع الى الحصول على ما تحتاج اليه من خدمات المقاولات، او شراء السلع والمعدات فإنها تقوم بالاعلان عن مناقصة لتوريدها. وكذلك عندما تريد بيع سلع او خدمات فإنها تعلن عن مزايدة للحصول على احسن أسعار لبيعها. وفى مصر يوجد قانون لتنظيم هذه المناقصات والمزايدات تضمن الخبرة الطويلة التى تراكمت للحكومة فى هذا المجال. الا انه فى الشهور القليلة الماضية منحت الحكومة لبعض الجهات العامة استثناءات على القانون، بأن تقوم بترسية عطاءات تنفيذ بعض المشروعات، أو شراء السلع والخدمات عن طريق »الامر المباشر« بدلا من المناقصات والمزايدات. وتظهر الممارسة العالمية فى هذا الصدد، اتباع المناقصات العامة المفتوحة او المحدودة بحسب طبيعة المشروعات المطروحة. وقد استقرت هذه الممارسة فى معظم دول العالم ومن بينها مصر. وما كان ذلك الا للمزايا العديدة التى تنتج عن هذه الطريقة بالمقارنة بطريقة الامر المباشر. وأهم هذه المزايا هى: 1 فتح المجال امام جميع الموردين والمقاولين المؤهلين للتقدم الى هذه المناقصات، وبذلك يتحقق تكافؤ الفرص للجميع، وهى جزء اصيل من سمات العدالة الاجتماعية التى يجب ان نسعى الى تحقيقها. 2 يؤدى تعدد العطاءات المقدمة فى المناقصات التنافسية المفتوحة او المناقصات المحدودة التى تطرح على عدد محدود من المقاولين او الموردين الذين تسبق تأهيلهم للتقدم الى الحصول على أفضل العروض سواء من ناحية الجودة او السعر، وفى هذا حفاظ على الاموال العامة. 3 تؤدى طريقة المناقصات والمزايدات الى تقليل احتمالات حدوث الفساد والانحراف والتربح، وتمنع حدوث شبهات المحاباة، وهو ما يكون قائما بدرجة كبيرة فى تنفيذ المشروعات بالامر المباشر. 4 تسمح طريقة المناقصات للموردين باقتراح طرق اخرى لتنفيذ المشروعات، او لتوريد معدات اكثر كفاءة، نتيجة لاحتكاكهم بآخر التطورات التكنولوجية، والمعرفة العالمية، وهو ما قد لا يتوافر لمعدى مستندات العطاءات، وفى هذا مكسب اضافى للاقتصاد الوطنى. وليس معنى ما سبق ان الامر المباشر بالضرورة فاسد، ولكنه يعنى انه يحرم الدولة من الحصول على افضل العروض الممكنة من حيث جودة السلع او الخدمات التى يتم توريدها، او من حيث سعرها. كما ان احتمالات الفساد والانحراف فى هذه الطريقة تكون اكبر بكثير من الاعتماد على المناقصات والمزايدات. وقد تقتضى بعض الظروف ان تلجأ الدولة والقطاع العام الى التنفيذ بالأمر المباشر، الا انه يجب ان تكون فى أضيق الحدود، ومستندة الى اسباب قوية جدا، كأن تكون هذه السلع والخدمات غير متوافرة الا عند مورد واحد، وليس له منافسون، وفى مثل هذه الحالات يجب ان يكون لدى القطاع العام وسائل مستقلة للتعرف على الجودة والسعر المقبولين. وان تكون هناك رقابة فعالة على من يتخذ القرار الخاص بترسية العطاءات، وان تكون لجنة البت فى الامر المباشر على درجة عالية من النزاهة، لا تطالها شهبات الفساد. وفى حالات كثيرة، يبرر اللجوء للتوريد بالامر المباشر على أساس اختصار وقت تنفيذ المشروعات، وهذه حجة واهية ومبرر غير مقبول، حيث ان البديل الافضل هو تفعيل عملية اتخاذ القرارات دون مماطلة. ومن ناحية اخرى قد يؤدى هذا التعجل الى ارتكاب اخطاء تمنع اكتمال المشروع، وتؤخر تنفيذه، او دخوله فى مرحلة التشغيل لفترات اطول كثيرا من نظيرها لو اتبعت اجراءات التوريد بالمناقصات المعتادة. لكل ما سبق، فإن الصالح العام لمصر يقتضى الالتزام بقانون المناقصات والمزايدات، ولا نلجأ الى طريقة الأمر المباشر إلا فى أضيق الحدود وللضرورة القصوى.